وصل الحال بالفساد في العراق, لدرجة أنه لم يفكر أحداً بالتحرش به؛ بل أصبح من يتكلم عن الفساد, يُتَّهَمٌ أنه ضد العملية السياسية, أو أنَه بَعثيٌ يتبع أجندة المجرمين, فتصور الفاسدون أنهم بأمان, وأوحوا لأتباعهم بالإيغال في الفساد, فنهبوا كل ما وصلت له أيديهم.
أكثرُ من خمسة عشر عاماً, والعراق من سيءٍ إلى أسوأ, حتى وصل وضع التدهور, في حكومة تصريف الأعمال, إلى إوَجِ الفساد والتدهور الاقتصادي, قما بين سرقة أموال الضرائب, إلى تصدير النفط وارتفاع سعر الدولار, لترسيخ التفكير الجمعي, في عقول الشعب, أنَّ الفساد أصبح, السمة لكل الساسة, فشعار” كلهم فاسدون” تم ترويجه بكثافة, لتأتي المفاجأة القاتلة, جعلت من الفاسدين, بين هارب ومُلقى القبض عليه.
كُنا ولسنين طوال, ننتظر كشف المستور بالأدلة, ومعرفة المسؤول عن الفساد, فنحن لا يصلنا إلا اتهامات دون أدلة؛ وإن توفرت أدلة, فإنها تستطدم بجدار من المتنفذين, لتغلق القضية أو يطلق سراح الفاسد بكفالة, أو يحكم بالسجن مع إيقاف التنفيذ, وغرامة لا تكاد أن تسد, 2%, مما تمت سرقته, مع عدم إعادة المليارات, ليُحتسب ذلك إنجازاً, بينما الحقيقة تقول, إنها احكام انتكاسة, جعلت المواطن لا يثق بالقانون, وهذا هو الأخطر في نظام الدول.
تسنم السيد محمد شياع السوداني, في شهر تشرين الأول, واعدا متعهداً أمام البرلمان والشعب, أن تكون من أولويات عمل الحكومة, كشف الفساد ومحاربته, للوصول لنقطة القضاء عليه, وهنا حصلت المفاجأة الصادمة, ضُباطٌ كبار من حمايات المنشآت النفطية, يصدرون النفط الخام والمشتقات, بتريليوناتٍ من الدنانير, لتبدأ وبشدة ماكنة التسقيط, من قبل جحوش إلكترونية, تابعة للفاسدين بأسماء وهمية, وأخرى بصفحات مُمَوَلة, محاولة إستصغار ما تقوم به, حكومة محمد شياع السوداني, ليستعملوا نفس الآلية البائسة, بأن العمل لا يعدوا عن كونه, استهدافاً لحكومة الكاظمي.
اللجنة المالية في البرلمان, لم تسلم من الفساد, حالها كحال المفاصل الحكومية, ليتم أمر القبض على رئيسها, النائب هيثم الجبوري, وتسريبات بملفات خطيرة لرجل, طالما صدحت تصريحاته بالنزاهة, وإعلام جُير لصالحه, محافظين في طريقهم الى لكشف المستور, من خلال تحقيقات تم فتحها, أموالٌ سائبة وشركاتٌ وهمية, وعقودٌ لا تمت للمهنية بصلة, وتغطية سياسية على الفاسدين, صدمات تتوالى للفساد المتشعب, كل ذلك خلال شهرين, أخبارٌ معلنة وأخرى مسربة, عن اتفاقات وتهديد, بالكشف عن الرؤوس الكبيرة.
وزارة الصحة لها بالفساد, وهدر المال العام, فلا أدوية كافية, ولا طعام يكفي للمرضى, وإدارات هزيلة متواطئة, مع الكوادر المهملة, وهذا ما كشفته مؤخراً زيارة ليلية, لمعالي رئيس مجلس الوزراء, لواحدة من مستشفيات بغداد, إنها مستشفى الكاظمية التعليمي, أسفرت عن نقل عددٍ, من الأطباء وبعض الكوادر الأخرى, وإلغاء ردهة الخُدج, والاعتماد على مستشفيين فقط بالكرخ, إحداهما متهالكة أصبحت في وسط المدينة, وكأن أطراف قضاء الكاظمية, لا مكان فيه لبناء مستشفى للأطفال!
حملاتُ مكافحة الفساد كبيرة, جهادٌ مكملٌ لحملة التحرير من داعش, ولكنها أخطر منها, فداعش عدوٌ منظور, معروفة مضافاته ومناطق تواجده, لكن الفساد والهدر متغلغلٌ بين ظهرانِنا, فمتى يتمكن العراق, من القضاء عليه, إذا كان تحرير المحافظات, من تنظيم داعش عامين, ولم نصل للقضاء عليه نهائياً, فكم سنحتاج للقضاء على الفساد؟
يعتقدُ بعض المحللين والمطلعين, على قضايا الفساد, أن عامين لا تكفي لتنظيف العراق, من قذارة الفساد, فهي عمليةٌ خطيرة, تحتاج لإرادة قوية, وحزم في التطبيق للقانون, وشجاعة منقطعة النظير, كي يرتقي العمل الحكومي, لمَصاف عمل الدولة, والاعتماد على مؤسسات رصينة, نزيهة.