23 ديسمبر، 2024 5:41 ص

هل لبقاء الحشد الشعبي ضرورة بعد تحرير الموصل والقضاء على داعش؟

هل لبقاء الحشد الشعبي ضرورة بعد تحرير الموصل والقضاء على داعش؟

يخشى الكثيرون من تنامي قوة الحشد الشعبي وتحوله إلى أداة بيد البعض لتحقيق مكاسب عسكرية وسياسية وحتى مادية. فبعد أن أفتى المرجع الأعلى الشيعي السيد علي السيستاني بالجهاد الكفائي بعد إحتلال داعش لثلت أراضي العراق لبى الآلاف من أبناء المناطق الشيعية هذه الفتوى وتَحَوّلَ الكثير من السياسيين المعروفين إلى قادة لتلك الجموع وأطلقوا أسم الحشد الشعبي عليها بينما سماها آخرون بالمليشيات لأنها قوات مسلحة غير نظامية وغير عسكرية يقودها بعض السياسيين المعروفين بولائهم وتبعيتهم في إشارة واضحة إلى إيران وما عزز تلك النظرة انضواء جهات غير عراقية تحت لواء الحشد الشعبي كأفراد حزب الله اللبناني وأفراد جيش القدس الإيراني وغيرهم وتواجد قائد ما يسمى بفيلق القدس الإيراني قاسم سليماني بشكل متكرر داخل العراق وخصوصا في معركتي تحرير الفلوجة والرمادي و تزامن ذلك مع ظهور أفلام مصورة اعتبرتها جهات عراقية ناشطة انتهاكات لحقوق الإنسان ما حدا بالكثير من الجهات السياسية والعشائرية السنية والكردية إلى رفض مشاركة الحشد الشعبي في عملية تحرير الموصل خوفا من انتقامات وانتهاكات لحقوق الإنسان قد تحدث ضد المدنيين أثناء المعركة.
ورغم الاتفاق المسبق على عدم مشاركة الحشد الشعبي بالمعركة ومنحه دور حماية ظهر الجيش العراقي والشرطة الاتحادية في مسك الطريق بين بغداد والموصل لمنع أفراد داعش من التسلل إلى بغداد والمدن الأخرى إلا أن قوات الحشد الشعبي تحركت باتجاه مدينة تلعفر في عملية التفاف على فلول داعش وقطع طريق الإمدادات عليها بعد أن حققت قطعات الجيش والشرطة الاتحادية انتصارات متتالية وحررت مدن وأحياء كثيرة في الموصل. ومع قرب القضاء على داعش وتحرير الموصل بدأت تحركات من بعض التيارات والكتل السياسية داخل أروقة البرلمان العراقي لتمرير مشروع قانون يحدد هوية الحشد الشعبي ما بعد داعش خصوصا وأن الكثير منهم يخشى بشكل جدي من تنامي قوة الحشد الشعبي وتحوله إلى قوة ضاربة قد تستخدم في ضرب طائفة أخرى أو كأداة فاعلة في الضغط على الحكومة وتهميش دور الجيش والشرطة الاتحادية وربما قلب الطاولة على العملية السياسية في العراق مع تراجع واضح للعملية الديمقراطية ومصادرة الحريات المدنية لاسيما بعد تمييع التظاهرات المطالبة بالإصلاحات وتشريع قوانين أعتبرها الكثيرون تعسفية ومنافية لمبدأ الحريات المدنية التي يكفلها الدستور كقانون منع بيع وتداول الخمور. وهنا يثار السؤال التالي: هل لبقاء الحشد الشعبي ضرورة بعد القضاء على داعش لاسيما وأن فتوى تشكيله كانت لها علاقة مباشرة باحتلال داعش لثلث أراضي العراق؟ قد يرى البعض في وجود الحشد الشعبي ضرورة حتى بعد القضاء على داعش من باب التهديدات المستمرة للإرهابيين التي تبقى مصدر خطر يهدد أمن المواطن خصوصا وأن تلك العمليات لم تكن مرتبطة بوجود داعش وإنما هي مستمرة منذ اليوم الأول للاحتلال الأمريكي للعراق في العام ألفين وثلاثة, إضافة إلى أن البعض قد وجد في قيادة الحشد الشعبي ضالته المنشودة في رفع نقاط شعبيته التي انهارت في وقت سابق لاستخدامها كرصيد عالي ومؤثر في الانتخابات القادمة مع الامتيازات والمناصب الكبيرة التي حققتها لهم قيادة ألوية الحشد الشعبي, وفي الوقت عينه لاستعراض العضلات كأداة لردع جهات سياسية أخرى سواء كانت تنتمي لطائفة أخرى أو حتى لنفس الطائفة التي ينتمي لها الحشد خصوصا وأن هناك انشقاقات وانقسامات كبيرة قد حصلت خلال الفترة الماضية التي تزامنت مع تأسيس الحشد
الشعبي بسبب الصراع على السلطة. أما الجانب الرافض لبقاء الحشد الشعبي والداعي إلى حله فأنه يرى عكس ما يراه مريديه تماما وذلك لهاجس الخوف من تنامي التدخل الإيراني في العراق واستخدام الحشد كقوة ضاربة للطائفة الأخرى. وبين من يصر على بقاء الحشد الشعبي ومن يصر على حله وفقا لما يريان, ثمة أجوبة منطقية للسؤال تطرح نفسها:
أولا : إن العراق يعاني من أزمات مالية عميقة سببها الفساد الذي قضى على كل مدخراته وانهيار أسعار النفط في ظل اقتصاد ريعي غير متنوع فلا يوجد مسوغ لتشكيل جهات عسكرية أضافية قد تثقل كاهل الاقتصاد الوطني المتهالك أصلا وتقضي على موازنات يفترض تخصصيها لدعم قطاعات مهمة أخرى كالصحة والتعليم والبناء والخدمات الأساسية.
ثانيا: بقاء الحشد الشعبي كقوة عسكرية قائمة بعد القضاء على داعش قد يؤدي إلى خلق حلقة زائدة ربما يستغلها البعض لأغراض سياسية وطائفية وقومية قد تؤدي إلى صراعات لا أول لها ولا أخر في بلد ذات أرض خصبة لنموها وازدهارها.
ثالثا: على الدولة بكل مؤسساتها وخصوصا التشريعية منها الالتفات نحو تشريع قوانين فاعلة لإعادة بناء البلد بالشكل الصحيح من خلال ترميم الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدخل القومي والاتجاه نحو اقتصاد السوق الحر وتشجيع الاستثمارات الأجنبية التي تخلق الآلاف من فرص العمل المنتجة والفاعلة في دعم الاقتصاد والقضاء على البطالة والحد من ظاهرة الترهل الوظيفي المتمثل في دمج الآلاف من الشباب المنتج كعناصر عسكرية خاملة وغير منتجة تحت مسمى الحشد الشعبي والعشائري في الوقت الذي يمكن اعتبارهم كقوات احتياط تدعى لإسناد الجيش النظامي عند الضرورة.
رابعا: للقضاء على الإرهاب يجب التركيز على بناء القدرات العسكرية للجيش العراقي واستخدام طرق التدريب الحديثة لأفراد الجيش والشرطة الاتحادية وقوات مكافحة الإرهاب وتفعيل دور الأجهزة الاستخبارية وتنمية الحس الأمني للمواطن.