قد يعتقد البعض أنّ موجة التهديديات التي اطلقها مسعود بارزاني وقيادات حزبه بحق تقرير المصير والانفصال عن العراق , هي نتيجة للخلافات المتراكمة والمتصاعدة بين بغداد وأربيل حول موضوع النفط والمناطق المتنازع عليها وباقي الملفات العالقة , التي وصلت ذروتها بعد قرار حكومة أربيل بتصدير النفط إلى تركيا وبيعه في الأسواق العالمية بعيدا عن موافقة الحكومة الاتحادية في بغداد , لكنّ هذا الاعتقاد خاطئ وليس صحيح , فمسعود من ابرز القيادات الكردية انشغالا للترويج لفكرة انفصال إقليم كردستان وتحقيق الحلم الكردي في إقامة وطن قومي للأكراد في شمال العراق , فهو لم يترك مناسبة أو لقاء أو زيارة لبلد ما , إلأ وتحدّث فيها عن حق أكراد العراق في تقرير مصيرهم , وقد حاول بكل جهده إضافة فقرة تقرير المصير إلى الدستور العراقي ولم يفلح بذلك , بسبب رفض كل مكوّنات الشعب العراقي لهذا الأمر , ولهذا أصبح من الضروري تسليط الضوء وتعريف القارئ الكريم بجوهر مفهوم تقرير المصير ومقاصده القانونية .
فالرئيس الأمريكي ويلسون هو أول من نادى بحق الشعوب في الاستقلال من الاستعمار وتحديد مصيرها بنفسها , وهذا ما تضمّنه أيضا ميثاق الأمم المتحدة في مادته الأولى , وهذا الحق قد اقترن منذ نشأته الأولى بالكفاح من أجل التحرر من الاستعمار بكافة اشكاله , ويعتبر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدّة رقم 1514 في 14/كانون الأول/1960 , بمثايتة الإعلان بمنح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة , لكنّ هذا القرار الأممي لم يصدر من أجل تقويض الوحدة القومية والسلامة الإقليمية للبلدان المستقلة , حيث جاء في مادته السادسة (( كل محاولة تستهدف التقويض الجزئي أو الكلي للوحدة القومية والسلامة الإقليمية لبلد ما , تكون متنافية مع مقاصد ميثاق الأمم المتحدّة ومبادئه )) , وهكذا في كل القرارات واللوائح اللاحقة التي صدرت من الجمعية العامة للأمم المتحدّة , وآخرها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدّة رقم 295/61 في 13/أيلول/2007 الخاص بشأن حقوق الشعوب الأصلية , حيث جاء في مادته الأخيرة رقم 46 أولا (( ليس في هذا الإعلان ما يمكن تفسيره ضمنا أنّ لاي دولة أو شعب أو جماعة أو شخص حق في المشاركة في أي نشاط أو أداء أو عمل يناقض ميثاق الأمم المتحدة , أو يفهم منه إنه يخوّل أو يشجع أي عمل من شأنه أن يؤدي , كلية أو جزئيا , إلى تقويض أو إضعاف السلامة الإقليمية أو الوحدة السياسية للدول المستقلة ذات السيادة )) .
فمن خلال هذه النصوص الواضحة والصريحة للقرارات واللوائح الأممية الخاصة بحق الشعوب المستعمرة بتقرير مصيرها , يتّضح أنّ حق تقرير المصير معني به الشعوب والبلدان التي تقع تحت الاستعمار المباشر من قبل شعوب وبلدان أخرى , ولا يقصد به الجماعات أو القوميات التي تعيش في البلد الواحد , ولو كان المقصود بهذا الحق كما يعتقد مسعود والقيادات الكردية , لطبّق هذا الحق على أمريكا نفسها أو بريطانيا أو روسيا أو فرنسا أو الصين أو الهند أو أي بلد يتكوّن من أكثر من قومية , هذا من جانب القانون الدوّلي , ولو رجعنا إلى الجانب التاريخي , ألم يكن أكراد العراق هم الذين قرروا مصيرهم بنفسهم عندما صوّتوا لصالح البقاء ضمن الدولة العراقية الحديثة في الاستفتاء الذي أجرته عصبة الأمم المتحدّة عام 1924 على خلفية النزاع الذي نشب بين الجمهورية التركية والمملكة العراقية على ولاية الموصل ؟ فهل ياترى كان تصويتهم للبقاء ضمن الدولة العراقية قد جرى بالإكراه والقوّة ؟ ألم يعودوا مرة أخرى ويقرروا بإرادتهم البقاء ضمن العراق الاتحادي الموّحد عام 2005 عندما صوّتوا لصالح الدستور العراقي الجديد ؟ فمتى كانوا مستعمرين من قبل الشعب العراقي حتى يطالبوا بحق تقرير المصير ؟ وأخيرا هل تسمح تركيا وإيران وسوريا لقيام مثل هذه الدولة ؟ . وهل يشمل حق تقرير المصير أكراد العراق ؟ .