23 ديسمبر، 2024 3:43 م

هل كل السياسيين سيئين؟! ( نظرة توصيفية مقارنة)

هل كل السياسيين سيئين؟! ( نظرة توصيفية مقارنة)

تأسست الممارسة السياسية في العراق ومنذ عصور قديمة, على جدلية ثنائية تحمل في طياتها تناقض طرفيها؛ ففي كل عصر وزمان نجد أن الدماء تضخ من جديد لكلا طرفي هذه الجدلية, فالصورة الدراماتيكية المعتادة في مجال السياسة في العراق مبنية على الطرف الأول : الحاكم الظالم المستبد الطاغي الإجرامي الدموي, كــ : الحجاج الأموي, والمتوكل العباسي, وهولاكو المغولي, والولاة المماليك والعثمانيين, ودهاقنة الإستعمار وممثليهم, كصدام حسين أنموذجا!

والطرف الثاني كان يمثل خيط رفيع من الممانعة والمعارضة , وهو الخيط الذي على الرغم من رفعه ودقته, إلا انه بقي قويا ولم ينقطع, والذي يتجسد في أجلى وأوضح صوره, بثورة الإمام الحسين عليه السلام, وثورة زيد الشهيد عليه السلام, والمحاولات الكثيرة المشابهة التي سارت على نفس الخطى, وصولا إلى ثورة العشرين, ومن بعدها الى تأسيس الحركات والأحزاب الإسلامية المعارضة, والتي عملت من أجل تغيير الواقع المؤلم, ومن أجل فرض وجودها ألكياني والشكلاني في هذا البلد.

وغالبا ما كانت هذه الجدلية, تنتهي بصورة مأساوية لطرفها الثاني, من القتل والإبادة والانتهاك الصارخ لكل الحقوق والمقدسات, متمثلة في إنتهاء إحدى حلقاتها, لتبدأ من جديد وفي زمن جديد نفس أحداث هذه الجدلية تتكرر, ولكن هذه المرة بوجوه وأدوات جديدة.

تراكمية التصور الوجداني لهذه القصة المأساوية المتكررة في العراق, جعلت العاطفة البشرية تتجه دوما نحو الطرف الأقوى سياسيا في الفاجعة, لتحتفظ وتستذكر مواقفه وأدبياته وسلوكياته السياسية, فكان الجانب الذي يمثل السلطة الغاشمة, حاضرا في العقل التصوري العراقي دوما, ممثلا لمفهوم الدولة, وكيانها, وأدواتها, وممارساتها وسلوكياتها؛ فكان هذا التأصيل الوجداني التصوري الإجتماعي, يزداد رسوخا يوما بعد يوم, في اللاوعي الجمعي العراقي, حتى بات مفهوم السياسي أو رجل الدولة أو رجل الأمن, هو مثال للظلم والقهر والسرقة والفساد!

انسحبت هذه الصورة النمطية ومع الأسف, في الحالة السياسية الراهنة, لتغطي مجمل ردات الفعل الجماهيرية للشعب العراقي, وهي وبحسب بعض المختصين بعلم النفس السياسي, تعد من أهم وأخطر الأدبيات, التي يمكن من خلالها إجهاض أي مشروع لبناء دولة عصرية عادلة, حيث تبقى حالة التخبط واليأس هي السائدة , كحالة حظورية تقييمية مستمرة, وخلط أوراق, وتشوش رؤى, يتم من خلالها مساواة الشريف مع المفسد!

الحل يكمن دوما بضرورة تعويد الوعي الجماهيري العراقي على اجراء مقارنات سلوكية بين رجال الطبقة الحاكمة, وعدم الانصياع الأعمى دوما لأدوات التلاعب بالعقول, كمنابر الإعلام المغرضة, ودعوات التخوين والتفسيق المستمرة, التي باتت هي التقييم الوحيد لمجمل العملية السياسية في العراق!

يجب النظر والتقييم عبر مقارنة بسيطة, يمكن من خلالها المقارنة بين من يريد مأسسة العملية السياسية, عبر الإعتماد على تشكيل كبير كالتحالف الوطني, وبين من يريد أن تبقى العملية السياسية رهينة مزاجيات سياسية فردانية؛ المقارنة بين من يقاتل ويعمل بصمت, ويكون السرايا القتالية ويجاهد ويقدم الشهداء ولا يرفع إلا راية العراق, وبين من يعتمد على عمليات التجميل الإعلامية لتكبير دوره في هذا المضمار.

المقارنة بين من يحاول الإمتثال دوما لأوامر المرجعية الدينية الأبوية, ويحاول أن يخلق حالة تطابق خطاب ومضمون بين توصيات المرجعية, وبين خطابه السياسي لتنظيماته ولجمهوره, وبين من يحاول أن يهمش دور المرجعية, ويحتقر توصياتها, ويصم الآذان دون نصائحها؛ المقارنة بين من يحاول التعامل مع دول الجوار من منطلق حسن الجوار أو بناء التحالفات الإستراتيجية, وبين من يحاول أن يجعل من دول الجوار : إما أعداء تأريخيين, أو يجعل منهم قادة يكون العراق تابعا لهم, مرتهنا بقراراتهم!

من غير زرع وعي جماهيري, بضرورة استخدام المنهج ألتوصيفي المقارن, في تقييم الممارسات السياسية في العراق, سوف تبقى سفينة العراق بلا ربان حقيقي يقودها لبر الأمان!

*ماجستير فكر سياسي أمريكي معاصر- باحث مهتم بالآديولوجيات السياسية المعاصرة.