عند مراجعة الثورات التاريخية الكثيرة التي اندلعت في العالم شرقا و غربا سواء الغابرة منها او الحديثة، فاننا نرى ما حصلت فيها و لها نتائج مختلفة وفق الارضية التي حدثت فيها و الفاعلين الذين كانوا في طليعة العملية او الثقافة الاجتماعية للمجتمع الذي حصلت فيه الثورة او حتى الانتفاضات الكبيرة التي غيرت الواقع، عدا الظروف الموضوعية و الذاتية التي احاطت بالثورة و الاهداف العامة و المباديء الاساسية التي رفعتها الطلائع الثورية، فان النتائج التي برزت كانت منها غيرت العالم كالثورة الفرنسية و ثورة اكتوبر و متلاحقاتهما، فغيرت هذه الثورات العظيمة وجه البقعة التي حدثت فيها ثقافيا سياسيا و اجتماعيا و من ثم شملت العالم باجمع.
فالثورات الاوربية بعد الحروب الدامية الطويلة الامد استقرت على خير الخطوات في نهاية المطاف و دفعت بالشعوب هناك على الاتزام يالمباديء التي بنيت عليها نسبيا، اما الشرقية منها فكانت مختلفة كثيرا، نتيجة عدم الاخذ بالاعتبار الخصوصيات و الثقافات، فكان السير على تقليد ما حدث هناك غربا دون الاخذ بالصفات والثقافة العامة و تاريخ و ما ورثوه من السلبيات التي افرزتها الميتافيزقيا اكثر من الاستناد على العلمية في العمل هنا شرقا.
فلا نريد ان نكثف التوجه و نركز هنا القول عما جرى في الثورات العديدة التي حصدت ارواح دون نتائج منتظرة منها و اخرى نجحت نسبيا بالتفصيل، بل كا ما يهمنا ان نتطرق اليه في كلامنا هو نتيجة النهائية للثورة و هل بقيت الثورة على ما هي عليه من كافة النواحي و مها الاهداف و التوجهات و العاملين على قيادتها، و هل من اصبح في طليعتها كان مصرا على الوعود و الشعارات ام مرحلة مابعد الثورة اصبحت مختلفة تماما عما كان المنتظر منها.
فهنا يجب ان نعيد الى االذهان ما حدثت اخيرا من ما سميت بثورات الربيع العربي و اخيرا ما نراه في لبنان و العراق من الانتفاضة المستدامة منذ اكثر من شهرين و المتغيرات و الموانع و الاهداف المعلنة و ما يريده الشعب منها و من يقف ورائها، و لكل منهما خصوصياتها و ان كانتا متشابتان في اساسا الى حد كبير، فالمكشوف ان الاطراف التي تقف سرا امام البعض متشابهة في الثورتين بينما الطرف الاخر المضحي الثائر هو الشعبان المظلومان.
الجيل الجديد له تطلعات و توجهات و حتى عقلية حديثة نابعة من افرازات و ارضية العولمة و المعادلات التي برزت نفسها بعد التواصل الاجتماعي و خلط الثقافات في وسط الاطماع و الموانع الراسمالية العالمية التي تعمل على ترسيخ و ضمان مستقبلها اينما اعتقدت تهمها وما يهمها هو بقاءها من اجل البقاء فقط، فان الربح المادي الدائم في اي ظرف و طريقة كانت، اقتصاديا اولا و من ثم تسييس القانون و ضمان الارضية لاستدامة مصالحها الذاتية المعينة فقط. اي ان الثورات المندلعة اصبحت لها الوان و روائح مختلفة ايضا نتيجة المستجدات و التغييرات العالمية المؤثرة عليها في كافة بقاع الارض. المحاور كثرت و بعض الاقطاب اختفت ومن ثم برزت اخرى و الصراعات على اشدها بطرق مختلفة و امفرح لازالت سلمية و السياسة و الحيل و الخداعات هي التي تحكم، و مع ذلك يريد كل طرف اعلاء شانه و القاء شروطه على الاخر من اجل بقاء تعاليه و السيطرة على الاخر باسماء و مفاهيم و ادعاءات مختلفة واكثرها مزيفة على ارض الواقع.
المتغيرات فرضت نفسها و عليه فان الطليعة بيد العقل الحديث و يجب ان تكون الطليعة من الجيل الجديد لقيادة الثورات مهما حاولت الاجيال التي اكل منها الزمن و شرب من محاولة مقاومتها للحديث و الجديد من اجل البقاء على القيادة و اعتلاء المنصات. فالجيل المتفهم للمتغيرت هو من يتمكن من انجاح ما يمكن ان نسميها الثورة العصرية او انتفاضة، و بطرقه و عقليته و ادواته. فالثورة كانت ام الانتفاضة التي يديرها الجيل الجديد الملائم اكثر احتمالا للنجاح، و هي الثورة التي يديرها اعقل العصري المائم هي التي يمكن ان لا نتوقع ان تاكل القيادت فيها نفسها او تلغي مبادئها كما حصل من الثورات الكثيرة في العالم من قبل على ايدي الاجيال المستهلكة المبتذلة.