18 ديسمبر، 2024 11:19 م

هل كان النصر على داعش ام على من؟

هل كان النصر على داعش ام على من؟

حذّر مفوض السلم والأمن في الاتحاد الإفريقي إسماعيل شرقي يوم الأحد العاشر من شهر كانون الاول 2017 من أن حوالي ستة آلاف أفريقي قاتلوا في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية داعش يمكن أن يعودوا إلى القارة السمراء، داعيا الدول الإفريقية إلى الاستعداد “بقوة” للتعامل مع عودتهم.

وقال الدبلوماسي الجزائري خلال منتدى حول مكافحة الإرهاب عقد في وهران في غرب الجزائر إن هناك “تقارير تفيد بوجود ستة آلاف مقاتل أفريقي في عداد المقاتلين الأجانب الـ30 ألفا الذين انضموا إلى هذا التنظيم الإرهابي في الشرق الأوسط”، بحسب ما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.

هذا الخبر تناقلته اليوم مواقع اخبارية رصينة ومنها راديو سوا، ويمكن لمن اراد التاكد مراجعة الموقع الالكتروني لمطالعة الخبر بالتفصيل. الرقم المهول الذي يتضمنه الخبر يظهر امورا مهمة على القاريء ان ينتبه اليها ويخضعها للدراسة ليعرف ابعاد دلالات هذا الخبر.

1- عندما يتحدث العراق عن انتصار على داعش ويفرح لهذا الانتصار فانه يتحدث عن معركة حقيقية مع ارهاب عالمي تجمع لمقاتلة العراق فوجود 30 الف مقاتل فقط من افريقيا يكشف الكم الكبير للمقاتلين المحترفين او العقائدين على الاقل الذين تجمعوا لتنفيذ مخطط تفتيت العراق يساندهم مقاتلون من اوربا ومن دول اسيوية ودول الاتحاد السوفيتي السابق واحتضنهم ارهاب محلي وعربي. وهذا يشكل جيشا من قوات انتحارية لا تقل عن ضعف الرقم المنشور اعلاه بل ربما وصل الى مئة الف انتحاري او حتى اكثر من ذلك. وأي جيش يقابل هذا العدد الهائل من الانتحاريين وبعقيدة وحشية يتوفرون عليها، يعرف اي معركة قاسية ومؤلمة سيمر بها واي صعوبة تبلغ حد الاستحالة في مواجهة هولاء ومع ذلك انتصر العراق. لذا علينا ان نعرف الحجم الحقيقي لهذا الانتصار الذي تحقق. ودعوة لكل الذين مروا على هذا الحدث الكبير مرورا عابرا او استصغروه ان يعيدوا التفكير وليعرفوا اي قوة يختزنها شعب العراق اذا توفرت له الادارة الصحيحة. وأي خطيئة يرتكبها كل من يتجاهل هذا النصر وقوة الشعب الذي حققه.

2- وجود هذه العدد الكبير من المقاتلين الاجانب يطرح سؤالا غاية في الاهمية، وهو كيف تسنى لكل هولاء الالتحاق بالتنظيم؟ اي تنظيم وحزب سياسي اذا اراد ان يجمع هذا العدد في احتفال جماهيري خاص به يكون قد حقق انجازا كبيرا مع انه يدعوهم لحضور حفل يقدم لهم في المرطبات ولا يبعد عن منازلهم سوى اميال قليلة. اما هولاء فقد حضروا من افريقيا الموغلة بالفقر في كل اتجاهاتها ملتحقين بقطار موت. كيف استطاع ان يقنعهم اصلا بالحضور؟ عقيدتهم الشديدة وايمانهم بمعتقد مشترك مع جماعة ارهابية لن تكفي ولن تكون سببا لالغاء صعوبة الارتباط بتنظيم سري من افراد موزعين هنا وهناك. كيف وصل هذا التنظيم الى هذا العدد وحتى يصل الى هذا العدد لابد انه انفتح على اضعاف مضاعفة منه وبالنتيجة نجح في جلب هولاء فقط بعد ان يكون فشل طبعا في احضار اخرين وللقاريء ان يتخيل حجم هذه الشبكة العالمية الموزعة في انحاء المعمورة التي تعمل بسرعة قياسية فخلال ثلاث سنوات فقط وهي كل عمر هذا التنظيم من ولادته الى نهايته، استطاع ان يرفد جيشه بهذا العدد وهذا يتطلب مراكزا للدعاية تقنع الانصار بالقتال اذ التعاطف الفكري وحده لا يكفي للانتقال الى صفوف التنظيم وبعد الاقناع عليه ان يوفر لهم المعونة اللازمة للانتقال من جوازات سفر وتذاكر سفر وسبل آمنة لعبور الحدود بين الدول وصولا الى الهدف في العراق وسوريا. كل من عمل في التنظيمات السياسية او الحملات الانتخابية يعرف معنى ان يوفر مئة الف عضو منظم في حزبه او تنظيمه وماذا يعني هذا من جهد مالي وبشري ووقت فما هو حجم هذه الماكنة الدعائية من قوة بشرية ومن مال واساليب دعائية التي استطاعت ان تجمع كل هولاء؟

3-هذا العدد المهول يكشف اما عن كذبة وجود نظام استخباري عالمي يتابع الارهاب وهو امر مستبعد جدا. فلا شيء اقوى من اجهزة المخابرات الدولية التي اسقطت انظمة ودول بمكائدها. واذا كان لها ان تخطأ كما هي طبيعة البشر فيمكن ان تخطأ بتقديرعدد او بحادثة ما او تفاجأ بحركة لم تتحسب لها ولكنها في كل الاحوال هذه الاجهزة سوف تصلح من اخطائها بسرعة عند وقوع اي خطا لحساسية عملها. اما حين لا يحصل اي اجراء ويمر هذا العدد الهائل فانه لا يكشف عن وقوع خطأ ولا عن فشل الاجهزة المخابراتية، بل ان الدليل على قوة هذه الاجهزة الاستخبارية هو نفس هذا الرقم المذكور فانه يظهر ان الاجهزة لديها علم جيد باعداد المقاتلين الاجانب، بل حتى باصولهم وانحداراتهم الاثنية. اذن ان هذا العدد يظهر اي ستار كثيف القته اجهزة المخابرات الدولية لتمرر من خلفه كل هذه الجيوش الانتحارية ويكشف اي معركة عالمية جرت واي دوافع استراتيجية دولية كانت وراءها، علينا ان نتأمل طويلا بها ونخضعها للفحص والدراسة والتحليل ونبتعد عن الاحكام الانفعالية والسريعة. لان ما حصل يكشف عن عمق التخطيط.

4- اخيرا لو سألنا أي عسكري عن جيش من المرتزقة يتم تجميعهم من شتى انحاء الارض كم يكلف تمويلهم من مستلزمات معيشة من مأكل وملبس ومسكن في حدوده الدنيا اذا افترضنا انهم من الزهاد النساك. فهل نتخيل الرقم خصوصا لو علمنا ان هولاء ليس لهم اهل ولا اقارب ولا جذور في المنطقة فهم بحاجة لكل شئ فكيف تم توفير مستلزمات الميرة لهم ومن أي مصدر مالي؟ واذا كان الامر لحد هنا يبدو صعبا فهل لنا ان نتصور اي ميزانية كانت وراءهم بالتسليح والسلاح بلا شك اكثر غلاءا واشد فحشا في التكلفة من كل المتطلبات المعيشية المذكورة. كم هو هذا الرقم وكيف تم تغطيته ودولة التنظيم المقبور لم تكن دولة مستقرة ودخلت في حرب حتى نقول انها ركنت الى خزينها الاستراتيجي بل انها دولة اول لحظة من نشوئها كانت حربا وقتالا ومعركة مستمرة لم تتوقف ولا للحظة واحدة. فمن كان يمولها بكل هذا وهي المحاربة والمحاصرة من كل دول العالم كما يدعى؟

الاسئلة كثيرة ولست بمورد ايرادها كلها ولا الاجابة عنها تفصيلا فلكل منا اجوبة ربما سوف تتقاطع ولكنها تبقى اسئلة لا يمكن التغاضي عنها لانها اسئلة حقيقية وليست خيالية. فقط الفت ذهن القاريء الى مسألتين وعليه ان ينظر بعمق ويثري هذه المحاولة المتواضعة بمزيد من التحليل العميق. ما احب ان اؤكد عليه

اولا: حجم المؤامرة الدولية والجهات التي تقف وراءها

ثانيا: اي وعي ونباهة وشجاعة تحلى بها من تصد بالرد الحاسم عليها باستنهاض الشعب وابراز طاقته الكامنة.
الطاقة التي اجهضت مخططا بهذا الحجم طاقة صنعت التاريخ وجدير بنا ان نعرف حقيقة قيمة ما نملك من قوة على التغيير. هذه القوة علينا ان نستحضرها في معركتنا المستقبلية ضد الفساد.
شعب بنهضته الشجاعة افشل مؤامرة دولية كهذه لقادر بأقل من هذه القوة وهذا التلاحم على افشال مؤامرة الفاسدين. فما هم الا لصوص محليين لا اعتبار لهم.