23 ديسمبر، 2024 4:45 ص

هل كان الفساد في العراق شيعياً فقط ؟

هل كان الفساد في العراق شيعياً فقط ؟

المظاهرات والاحتجاجات التي جرت في بعض مناطق العراق ما زالت قائمة وكانت محل قبول ورضا الجميع لأنها ضمانة المواطن تجاه تغول ظاهرة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة العراقية، وحظيت هذه الاحتجاجات بمباركة الجمهور الذي كان هو من أوقد جذوتها ومن ثم ظهرت القيادات التي تزعم إنها تقود هذه الاحتجاجات، كما باركت المرجعية الدينية الرشيدة تلك المظاهرات لأنها تحمل لافتة الإصلاح وحققت هذه الاحتجاجات بعض الآثار في كشف الفاسدين وتشخيص مواطن الخلل ويقظة الحكومة من سباتها تجاه معالجة تلك الأخطاء، إلا أن المراقب للمشهد سيجد ظهور حالتين لافتة للنظر لا يمكن التغافل عنها الأولى (إن الحكومة عملت عمل المواطن في المناداة بالإصلاح وان خطت بعض الخطوات فكانت مجرد أماني ظهرت عبر الإعلام دون فعل حقيقي وهذا مؤشر خطير على تسويف مطالبة الجمهور والأمر الثاني إن بوصلة المظاهرات اتجهت باتجاه يثير الريبة في غاياتها ونحت منحى طائفي تسقيطي صرف بعيدا عن غايتها التي اثارها الجمهور ولعدة أسباب منها :-

1. إن المظاهرات طالبت في محاسبة الفاسدين وأعلنت عن أسمائهم وعناوينهم الوظيفية وكانت هذه الأسماء هي أسماء شيعية فقط بينما الحكومة تضم وزراء ومسؤولين من كل الأطياف وكأن الآخرين طاهرين وليسوا مفسدين .

2. تعرضت المظاهرات إلى الرموز الشيعية الدينية والاجتماعية فقط دون الآخرين ونحن نعلم إن من الآخرين من ارتكب فساداً يزكم الأنوف برائحته ومنهم تلطخت يده بدماء العراقيين من أبناء الشيعة ولم تتعرض لهم هذه المظاهرات .

3. معظم الطلبات كانت باستبدال الأشخاص الذين ظهرت أسمائهم في المظاهرات لأنهم فاسدون وهم من الشيعة فقط وان البديل هو التكنوقراط الذين عملوا في الدولة العراقية قبل عام 2003 حتى وان كانوا بعثيون لأنهم أكثر إصلاحا من هؤلاء الشيعة وفات على المطالبين بهذه الخطوة إنكم حملتم فشل الحكومة على القيادات فيها رغم إن الفساد يزاوله الخط الأول والثاني من الإدارات لأنهم تطبعوا على الذل والسكينة واكل المال الحرام ومن رشح لأن يكون بديلاً ما كان سوى موظف تربى في سلوكه على قيم النظام البائد في قمع الأصوات الحرة وسوء التخطيط والخنوع للحاكم وإنهم هم من قاد العراق إلى الهاوية وإدخاله الحروب الخاسرة وهم من أسس للمقابر الجماعية ونفذوا خطة النظام البائد في قمع أهل الجنوب وجعلهم عبيد وخدم ومن طبقة العبيد وليس لهم إسهام في الإدارة حتى وان كانت بسيطة فهؤلاء البدلاء الذين تطرحونهم بدلاء

ساهموا كثيراً في ما وصل إليه العراق، فلماذا نعيدهم إلى سدة السلطة واتخاذ القرار . وكيف يمثلون بديلاً صالحاً مع العلم إن معظم هؤلاء البدلاء هم ليسوا من الشيعة لأنهم كانوا من قيادات الإدارة في الدولة في زمن النظام البائد .

4. يطالب البعض بهذه الإصلاحات وخصوصاً في المؤسسة العسكرية والأمنية ويطلب طرد الضباط والكوادر الأمنية والعسكرية من فئة (الدمج) كما يطلق عليها أعداء العراق الجديد بوازع عدم الخبرة ونسى هؤلاء إن جميع من وصوفوا بالدمج كانت مناضلين في الاهوار والبراري والجبال ودفعوا ثمن غالي من دماء زكية لمقارعة النظام البائد وخبرتهم في الحياة اكبر من هؤلاء الذين كانوا يتنعمون بمزايا وعطايا النظام المقبور مع الالتفات إن خبرة ازلام النظام لم تنهض بالعراق بل قادته نحو الانحدار والهاوية وأنتج المقابر الجماعية وحملات الإعدام والقهر الجماعي والأنفال وسواها من الرزايا التي حلت بالعراق .

5. معظم البدلاء الذين تم طرحهم بدلاً عن العناوين الشيعية كانوا من العاملين في زمن النظام المقبور ولم يكن منهم من كان خبيراً في مجال عمله من أبناء الشيعة أو من كان في الخارج .

لذلك أرى ان المظاهرات تسعى لهدف تغيرت بوصلته من تحقيق الخدمات ومحاسبة الوزير الفاسد في وزارة الكهرباء إلى جعل الفساد شيعياً فقط وان الفاسدين هم من الذين كانوا في ساحات الجهاد عند مقارعة النظام السابق وإنها محاولة لإسقاط الفكر الشيعي الإداري لأن أيتام النظام البائد كانوا في زمن النظام المقبور لا يرون في الشيعة أهل خبرة في إدارة الحكم وإنما هم وقود لنار الطائفية ومغامراتهم الصبيانية ولا يحكم العراق سواهم وعملوا بكل ما لهم من قوة إلى إسقاط الحكم الذي تسهم فيه الكوادر الشيعية ومثال ذلك في المناطق الشيعية السعي قائم ودائم على إسقاطها عبر القتل الجماعي بواسطة المفخخات والانتحاريين وفي المناطق التي احتلها الإرهاب عندما كانت تحت سيطرة الدولة لم يهدأ لهم يوم واحد إلا وفيه قتل وتفجير ضد القوات الأمنية الحكومية وكل ساستهم ومنظريهم يهتفون لإسقاط الحكم وإلغاء الدستور وتنظيم الاعتصامات وايواء الارهابيين بينما ساد الصمت عند دخول داعش الى هذه المحافظات بل على العكس باركوا وجودهم ولم تظهر لهم مقاومة وإنما استغلوا الظروف ليقيموا حملة نزوح لإرباك الحكومة وإرسال الانتحاريين عبرهم وتغيرت حالهم عندما تمكنت المرجعية الشيعية من توظيف إمكانيات الجماهير لحفظ العراق ودحر الإرهاب ووقف زحف داعش وردها على إعقابها فانتقلوا إلى مرحلة جديدة لتسقيط الاسم الشيعي عندما فشلوا في اسقاط الانجاز العسكري والأمني لأبطال الحشد المقدس . والمؤسف إن الجمهور لم يلتفت

إلى هؤلاء الذين جيروا هتاف الجماهير إلى مصالحهم الدنيئة وادعو الجماهير مخلصاً كما ادعوا المرجعية الدينية إلى التنبيه لهذه الأصوات وهذا المسعى الدنيء قبل أن يحصل ما لم يحمد عقباه .