في السادس من آب الجاري وفي ذروة أزمة السُلطة التي كان عاشها العراق بسبب إصرار رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي على ولاية ثالثة، أطل بخطابه الأسبوعي المُمِل وهو يَستشيط غضَباً وعَيناه تقدح شَرَراً، يُزبد ويُرعد ويُهدد أن أبواب جهنم ستفتح على العراقيين بحال أزيح مِن السُلطة ولم يُجَدّد له لولاية ثالثة، بعد أن إستشعَر على ما يبدوا وجود تحركات ليس فقط داخل التحالف الوطني بل وحتى داخل كتلته دولة القانون لإختيار بديل له يَرضى عنه الشركاء السياسيون الآخرون.
ولم تمضي سوى سوَيعات على خطاب اليأس، وإذا بثلاث سيارات مُفخخة تنفجر مساء نفس اليوم بمناطق متفرقة من بغداد، ولتتبعها إنفجارات باليوم التالي حَصدت أرواح العَشرات من العراقيين. ثم توقفت وتيرة التفجيرات قليلا لتعود في مساء اليوم الذي تم فيه تكليف الدكتور حيدر العبادي بتشكيل الحكومة، والذي إستبشرَت به كل القوى السياسية وبمختلف توجهاتها، بإستثناء دولة القانون، لكن هذه المَرة على مقربة من بيت العبادي بالكرادة في ما يشبه الرسالة ربما لشقه عَصا الطاعة، وتكرر الانفجار باليوم التالي في نفس المكان! وهو مادفع أهالي المنطقة للتظاهر ومهاجمة مَفرزة الشرطة التي لم يَمنع وجودها بالمكان حصول التفجيرين في نفس المكان ليومين متتاليين! لكن من يومها وبعد أن أّذعن المالكي للأمر الواقع وخرج ذليلاً مطأطأ الرأس ليعترف بهزيمته لصالح العبادي، عاشت بغداد الحبيبة وأغلب محافظات العراق ولله الحَمد حالة هدوء وأمان نسبي وغياب للتفجيرات والسيارات المُفخخة، التي توقفت منذ ذلك اليوم لتعود أول أمس بعد إنطلاق ماراثون مباحثات الكتل السياسية لتشكيل الحكومة، حيث عادت السيارات المُفخخة وميليشيات الجريمة المنظمة الطائفية لشوارع المدن العراقية، مَرة في بغداد ومَرة في ديالى وثالثة في كركوك ورابعة بأطراف أربيل!! تارة بين تجمّع للسنة وتارة بين تجمّع للشيعة!! مَرة بين العرب ومَرة بين التركمان ومَرة بين الأكراد!! وفق مُخطط يبدوا مَدروساً لخلط الأوراق، ومِن ثم عَرقلة وإفشال تشكيل الحكومة لنعود بعد إنتهاء المُدة الدستورية لنقطة الصفر، وطبعاً سيُلقى اللوم حينها على باقي الكتل ومطاليبها وليس على دولة القانون، التي ستسَوق نفسها كالمُضَحي الذي قدّم التنازلات لكن لم يتجاوب معه الآخرون، وبالتالي يستمر الحَجّي مُختاراً! وربما يُصبح صِهره الهيبة وزيراً! وتعود حنّونة لعادتها المأفونة!
بالنهاية وبوقفة تأني ونظرة فاحصة نلاحظ بأن هذه السيارات المفخخة لا تنفجر وهذه الميليشيات لا تظهَر إلا في توقيتات يكون المُستفيد الأبرز مِنها هو الحَجّي وكتلته لتحقيق مكاسب سياسية ولإستقطاب الشارع طائفياً وقومياً، هو ومَن يقف وراءه مِن قوى إقليمية لطالما سَخّرت أحداث لبنان وفلسطين والعراق لصالح بسط نفوذها وفرض شروطها ودعم أوراقها التفاوضية في المَلفات الدولية المتعلقة بالمنطقة والعالم. لذا دعونا هنا نتسائل: هل كانت مفاتيح أبواب جهنم بيد الحَجّي، التي نعلم جيداً بأنها ملطخة بالكثير طوال تلك السنوات الثمان العجاف؟ وهل كان يفتحها ويغلفها متى وكيفما يشاء وحَسبما تقتضي مصالحه ومصالح حزبه؟ فالرجل ليس حديث عَهد بالعمل المسلح والميليشياوي، وسبق أن كان مَسؤولاً عَن الجناح العسكري للدعوة، وقيل بأنه قد شارك في بعض العمليات المسلحة التي شهدتها بيروت في القرن المنصرم، كالهجوم على السفارة الأمريكية وتفجير السفارة العراقية. بالتالي هل كان هو مَن يطلق حُمم جهنم العراق ونيرانها التي حصدت أرواح العراقيين وأحرقت الأخضر واليابس مِن بلادهم خلال السنوات الماضية؟ خصوصاً وأن مواقع وتوقيتات بعض التفجيرات كانت تشير بشكل واضح لا لبس فيه الى أن السيارات المفخخة تم تفخيخها داخل المناطق التي حدثت فيها التفجيرات، ولايمكن أن تكون قد أعِدّت وجائت من خارجها، وهي مناطق تخضع لسيطرة الأجهزة الأمنية والمليشيات المرتبطة بالحَجّي، التي إما أنها كانت مشتركة بالأمر، أو إنها كانت تغض الطرف عَنه،وهو ما كان يُعطيها ويوفر لها مُبرراً لإعتقال الناس بالشُبهة وعلى الهوية المذهبية، وبالتالي إذكاء روح الفتنة بين شرائح المجتمع، وهي سياسة أعطت ثمارها وآتت أكلها وخلقت للمالكي قاعدة شعبية قوامها طائفيون سُذج جعلوا منه مختاراً للعصر.
تساؤلات وإن بدَت إجاباتها مُبهمة، إلا أننا على يقين بأن حَبل الدسائس والمَكائد قصير، خصوصاً إذا كان ملطخاً بالدماء، وسيأتي اليوم الذي ينقطع ويَنفرط فيه عَقده لتتكشف الأجوبة على كل هذه الأسئلة التي طرحناها، رغم أن إجاباتها تبدوا واضحة لنا مِن الآن.