22 ديسمبر، 2024 2:21 م

هل كان الجواهري يَستقرِئ مصير دِجلة؟

هل كان الجواهري يَستقرِئ مصير دِجلة؟

عِندما قال:”حَييّتُ سَفحَكِ عن بُعدٍ فَحييني – يادِجلةَ الخير يا أُم البساتينِ” هل كان شاعر العراق محمد مهدي الجواهري تَمرُ أمام ناظريه صورة المُستقبل لِمعشوقته دجلة وهي تتحول اليوم إلى أرضٍ قاحلة جرداء جعلت أُم البساتين تشكو عطشها وقحطها للماء؟ هل كان يُدرِك ذلك في صورة المستقبل الذي يتجلى أمامه عندما “أنشد حَييّتُ سَفحَكِ ظمآناً ألوذُ بهِ – لَوذَ الحَمائمِ بينَ الماء والطينِ” وكأن الجواهري وهو يرسم قصائده ويُنادي بذلك الشَوق معشوقته يعترف أن ظمأ العراقيين الأبدي لايتجلى أو يرتوي إلّا من ماء دجلة، بل نكادُ نُجزم أن ذلك الظمأ هو من نوع خاص..ظمأ الشوق والحنين..ظمأ الحُب والذكريات إلى ذلك الزمن الجميل..ويستمر عطش الجواهري إلى زمننا الحاضر وكأنه كان يقرأ المشهد السياسي وما ستؤول إليه دجلة بعد أن وصلنا إلى زمن اليأس السياسي والإستسلام لمحاولات العطش الذي سكبه لنا الجواهري شِعراً لايُبعِد أصابع الإتهام عَمّن يُريد تقطيع أوصال دجلة وتجفيفها من قِبل جيران العراق، تُرى بماذا كان سيتغنّى ذلك الشاعر لو عَلِمَ أن نهريّ دجلة والفرات سيكون مصيرهما النضوب بعد عقدين من الزمن بسبب محاولات التجفيف وتقطيع أواصر الأنهر من قِبل الجارتين تُركيا وإيران في بناء السدود ومصدّات منع وصول المياه إلى العراق.

تُركيا التي تستحصل يومياً مايقارب مليون دولار عن قيمة فيزا سفر العراقيين ودخولهم الأراضي التركية (أي مايعادل 30 مليون دولار شهرياً) والجارة التي أعلنت وزارتها للإحصاء أن العراق يأتي بالمرتبة الخامسة كأكبر مُستورد للبضائع منها، بل وتحاول لمزيد من الإستثمار والتعاون التجاري والإقتصادي وعلى الأراضي العراقية لكنها تنسى أو تتناسى أنها ماضية إلى تعطيش العراقيين عن طريق بناء السدود التي تمنع الماء من دخوله إلى الأراضي العراقية دون أن تُبادر الحكومة العراقية إلى جعل الماء مقابل الإقتصاد، والجارة الشرقية التي تتباكى على الحسين وأخيه العباس (ع) وتحج الوفود إليهم في كربلاء وهي التي تقتل العراقيين بسلاح العطش.

إطمئن أيُها الجواهري فلم تَعُد الحَمائِم تلوذُ أرجُلها بين الماء والطينِ، بحيث لم يَعُد هناك ماءً أو طيناً بل أرضاً يابسة قاحلة يُغطّيها التُراب والتصّحُر، إرتَحْ في قبرك ودعْ دجلة تلفظ أنفاسها الأخيرة قبل الرحيل مع ذكريات ذلك الزمن الجميل على إطلالة شارع أبي نؤاس.

لم تَعُد ذلك الحد الفاصل بين قمر الكرخ وشمس الرصافة، حيثُ سَيجُف نهري دجلة والفرات بعد عقدين من الزمن ذلك ما تؤكده مصادر بيئية لِتبقى من ذكريات هذين النهرين لأجيالنا قصيدة الجواهري الخالدة بكلماته التي أسقَطتْ الدمع من المُقلتين بقوله “إني وردتُ عيون الماء صافيةً – نبعاً فنبعاً فما كانت لِترويني” بالتأكيد لايوجد ماء يروي عطش العراقيين غير دجلة والفرات.

هُنا (يرقدُ بعيداً عن دجلة الخير) هكذا نقشوا على شاهدة قبر محمد مهدي الجواهري (1899-1997) الذي دُفن في مقبرة الغُرباء بدمشق وكأنهم بَصموا بذلك الفُراق بين العاشق ومعشوقته رَحِمك الله ياعاشق دجلة.