ونحن نعيش أيام الحزن العلوي بذكرى استشهاد امير المؤمنين الامام علي (ع) ، لابد من التفكر في مسيرته طيلة عمره الشريف، منذ ان كان صبياً في كنف الرسول (ص)وحتى استشهاده (ع) على يد الظالم ابن مرجانة (لع)،سنجد انه كان في موقع القوة وثبات البأس في كل أحوال الدينا واهوالها، ولم يتراجع عن رأي تبناه او قول جاهر به، وحتى في فترة خلافته لرسول الله (ص) وكان رئيس الدولة واميرها وسلطانها وتحت يده كل مقدراتها، مع ما يملك من قوة ذوالفقار وباس المغوار، الا اننا لم نجد في كل هذه المسيرة ما يدل على انه كان مستبداً قامعاً لرأي من يخالفه، بل كان يسمع منهم قولهم ،وان عارضهم فانه يعارضهم بالحجة والموعظة الحسنة، ولم نجد في هذه المسيرة دليلاً على انه امر بحبس شخصاً مهما كان لأنهاختلف معه بالرأي، او انه اصدر امر القبض بحق من اعلن عن معارضته له، بل انه يرى الحلم مع كل مخالف معتدي وليس مخالف في الرأي فقط، وذلك بقوله (ع) (اكْظِمِ الْغَيْظَ، وتَجَاوَزْ عِنْدَ الْمَقْدَرَةِ، واحْلُمْ عِنْدَ الْغَضَبِ، واصْفَحْ مَعَ الدَّوْلَةِ، تَكُنْ لَكَ الْعَاقِبَةُ) ويقول ابن ابي الحديد ان عبارة (الصفح مع الدولة) بمعنى ان تكون مالكا للقوة والسلطة فعليك الصفح ويضيف ابن ابي الحديد ايضاً، بان هذه من شيم الرسول (ص) عندما ظفر بمشركي مكة وغفر لهم ومن شيم الامام علي عندما ظفر باهل الجمل وعفا عنهم،وهذهالوقائع والحوادث التاريخية تدلنا على ان الامام علي كان متسامحاً مع خصومه ويحترم الرأي المخالف، طالما لا يدخل في باب الحرابة او الشرك،
وحيث ان هذه الأيام هي أيام الامام علي (ع) ستجد الكثير من أصحاب السلطة والمتمترسين خلف اسوارهاوالساعين الى توظيفها لحماية مصالحهم ومكاسبهم الغلول، من خلال إيقاع اشد الأذى بمخالفيهم ومن لم يتبع اهوائهم عبر سلطانهم، فهؤلاء ستجدهم يتقدمون صفوف المعزين باستشهاد الامام علي (ع) ولربما ينسجون قول النعي والاستذكار ويدبجوها بالعبارات الفخمة للتعبير عن حزنهم،
الا انهم عند الامام لا مقام لهم لأنه حارب الظلم وكان اماما للتسامح، فكيف يقبل عزاءً من الظالم الطاغي المستبد القول الزائف، ويرضى بعمل المستبد الباغي الذي لم يترك عملا الا واتى به من اجل تحصين موقعه والبقاء في كرسي السلطة بغياً واغتصاباً،
فاذا ما كان هؤلاء يقولون حقاً عن حزنهم فالاجدر بهم ان يتبعوا نهجه بالتسامح وعدم توظيف سلطانهم لمصالحهم وان يكونوا مثله متسامحاً مخاصماً بشرف، وان يتواضعوا بمثل تواضعه عندما وقف اما القضاء مبجلاً له وهو كان رئيساً واميرا على القاضي ومنصباً له في مكانه، في الحادثة الشهيرة بمطالبته لدرعه من النصراني وهو احد رعايا دولته، الا انه ابى الا ان يجسد التسامح واحترام القانون،
لذلك لم يكن علياً (ع) مستبداً، وانه لن يقبل ان يواسيه في مصابه من كان مستبداً وظالماً، لان الامام (ع) لم يكن ممثلاًلنا بشخصه فحسب، بل هو منهج حق مصدره علم النبي (ص) الذي هو علم القران الكريم وهو قول الله تعالى، بل انه قد أوصى هؤلاء بقوله (ع) (فلتكن الدنيا في أعينكم أصغر من حثالة القرظ، وقراضة الجلم. واتعظوا بمن كان قبلكم، قبل أن يتعظ بكم من بعدكم، وارفضوها ذميمة، فإنها قد رفضت من كان أشغف بها منكم) ، كما قد خص من يحمي الحقوق ويثبتها ومن يقضي بين الناس فيرشده الى سبيل نجاته في عمله بقوله (ع) (استعمل العدل، واحذر العسف والحيف، فإن العسف يعود بالجلاء والحيف يدعو الى السيف)
لذلك ونحن نستذكر أيام الحزن العلوي فان عرفنا ان اهل الحق هم الخالدون، واما الباغون والطغاة فان منزلهم في الدنيا مزبلة التاريخ وفي الاخرة قعر جهنم، ومن سعى لقتل الامام فانه وان قتل جسماً الا انه بقى خالداً في العقول والقلوب الى ان تقوم الساعة، ومن كان يظن انه قد ازاله من كرسي الخلافة، وهو في اصله زاهداً فيه، فان استشهاده قد ابقاه متربعاً على عرش القلوب حتى يقوم القائم (عج).
قاضٍ متقاعد