قبل الولوج بمتن الموضوع أود أن أوضح الفرق بين الخليفة والإمام مستندا بدستور الإسلام الذي لا يقبل الشك ” إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ” ، فالإمامة نوعان ، الأول هو أن كل الانبياء هم ائمة ارسلهم الله لهداية اقوامهم وقول الله تعالى كان واضحا ” وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ*وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلا جَعَلْنَا صَالِحِينَ*وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ”
وقوله تعالى “وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ” البقرة 124
أما النوع الثاني من الإمامة فيعني المرشد والموجه ، كالإمام في الصلاة مثلا ، أو القائد الديني سواءا كان خليفة أو والي أو أمير جيش أو أمير في السفر .
أما الخلافة فنوعان الأول …خليفة الله الذي هو النبي إذ قال تعالى ” وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ” البقرة: 30 .
وقوله تعالى” يَا دَاودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بالْحَقِّ”
أما النوع الثاني من الخلافة فهو
خليفة لغيره وله نوعان
خليفة الرسول ، وخليفة لأي شخص آخر والخليفة يتم اختياره عن طريق الشورى ، أما الإمام فيعين بدون شورى .
أما أيهما أحق بعد رسول الله (ص) الخليفة أم الامام فجوابنا سيكون كما اراد الله حين
قال تعالى ( وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) النور 55
فلا شك أن الوعد الالهي كان بالخلافة وليس بالإمامة ….وفي هذا دليل على بطلان ما يعتقد البعض من أن الرسول قد اوصى لاحد أصحابه من بعده ، فلو تم تحليل معنى مفردة ( ليستخلفنهم ) والتي تنسف فكرة اقامة شخص موصى له أو أن يكون معين من أحد وإنما تؤكد قول الله ( جلا وعلا ) بان الله هو الذي سيقيم خليفة لرسول الله وباختيار اصحابه ( رضوان الله عنهم جميعا ) .
إن مفهوم النجاح يكاد يكون مفهوم نسبي فالمطلق في فكرة نجاح القائد ليست حصرا على شخص مسلم أو على شخص قريب من الرسول أو حتى الانبياء والرسل فهنالك رجال بلا دين نراهم قياديين متميزين وغيرهم رجال دين مسلمين وغير مسلمين لا يصلحون لقيادة دولة بل ربما هم مقاتلون ولكن ليسوا بقادة دول فقيادة دولة تحتاج إلى مهارة سياسية وليس بالضرورة تحتاج إلى شجاعة أو رجل ورع مؤمن ، فالإمام أو بالأحرى الخليفة الرابع بالرغم من مدة حكمة التي تجاوزت السنوات الخمسة لم يكن موفقا في قيادة الدولة بل كانت هذه السنوات مجرد حروب داخلية ( مسلمين مع مسلمين ) وما الجدوى التي حصل عليها الإمام من قتاله لأيام وسقوط الآلاف من القتلى بين الطرفين ( جيش علي وجيش معاوية ) وفي آخر المطاف عاد ومن معه إلى ما كانوا عليه قبل الخروج فلا الإمام استطاع فرض كلمته على معاوية ( وهو الخليفة ) وبقت سوريا تعيش بقيادة إسلامية غير القيادة الاصلية بحجة تمسك بها الخليفة معاوية وهي ( تستر الإمام على قتلة الخليفة الثالث ) ولا حافظ الإمام على ارواح المسلمين وأصبح دماء هؤلاء البسطاء من الطرفين هواء في شبك ، هذه هي نتيجة معركة صفين ، أما معركة النهروان فهي معركة ايضا كانت بين المسلمين فالفئة الأولى جيش الإمام والثانية هم ايضا كانوا من ضمن جيش الإمام ولكنهم خرجوا عن طوع الإمام بعد أن شهدوا سقوط الآلاف من أصحابهم في معركة خاسرة لا رابح فيها وهي معركة صفين ، والمعركة الثالثة هي ايضا بين الأهل والأقرباء والدماء التي سالت ايضا دماء مسلمة ، إذن أين هي القيادة التي يجب أن تكون في شخص الإمام علي وهو البطل والشجاع ؟ نعم إن الإمام كان شجاعا وصبورا ومؤمنا ومخلصا وورعا وقائدا ميدانيا ومقاتلا صنديدا وحكيما ولكن لا يصلح الإمام لقيادة دولة ، ولكن هذا لا يعني إن ليس للإمام مكانة في قلوب المسلمين فهو من ضمن العشرة المبشرين بالجنة ( ولو فكرة المبشرين بالجنة لا تروق للبعض من المسلمين لان فيها اسماء شخصيات إسلامية لا تعجب بعض المسلمين ) ، رب قائل يقول أن وضع المسلمين بعد خلافة عثمان بن عفان أصبحت صعبة بسبب الانشقاقات والخلافات وعدم وجود قائد قوي يوحد المسلمين وهذا الكلام فيه بعض الصحة ، فبالرغم من وجود الفكر الإسلامي وقوته حينها ولكن المعروف عن أهل البادية إنهم يتعاملون مع فكرة القوي والضعيف وهذه هي الصفة التي جعلت خلافة الخليفة الثاني خلافة بدون مشاكل لان الخليفة الثاني يعرف سايكولوجية رجل البادية فالعقل البدوي ميال إلى الحروب والغزوات والغنائم واخضاع الناس له وعليه لم نجد أي مشكلة في خلافة الخليفة الثاني بل جل همهم كان مصبوبا على الفتوحات الإسلامية وتوسيع رقعة الخلافة الإسلامية وهنا ايضا وقعنا في مشكلة كبيرة وهي دخول بعض الدول إلى الإسلام بقوة السيف وهذه هي بداية شرارة الفتنة فيما بعد كما هو الحال في دخول اتباع الديانة الزرادشتية للإسلام ، أما في خلافة الخليفة الرابع فتحول هذا الهم إلى اقتتال داخلي مع وجود بذرة نفاق لا نعلم من كان وراءها ، ولكن علينا أن نعترف إن الخليفة الرابع لم يكن موفقا في قيادة الأمة الإسلامية وأكرر قولي إن هذه ليست مثلبة بحق الرجل بل إنها صفة خاصة ببعض الرجال لا يمتلكها الإمام علي بن أبي طالب وإلا كيف نفسر اقتتال المسلمين فيما بينهم طيلة فترة خلافة الإمام علي والمحصلة مزيدا من التشرذم والمكائد والضغائن في قلوب المسلمين من الطرفين ، وما مصير المسلم الذي قتل وهو جندي في جيش الخليفة معاوية وهل هذا يدخل في حساب الشهداء والقاتل مسلم كما هو مسلم والاثنان ربهم ورسولهم وكتابهم واحد ،،، إن هذه الدماء التي سالت بدون ذنب يتحمل وزرها من كان يقود الأمة سواء كان الإمام أو معاوية وهذه هي العدالة التي عرفناها من خلال العقل وليس الجري وراء العواطف التي تجعلنا نرى الامور بمنظار لا يفهم قيمة دم المسلم ولكن للأسف من يتكلم بالعقل يدخل في صف الكافرين والملحدين والحاقدين وما علينا إلا أن نسكت ونقول ما يردده علماء النفاق من سكنة السراديب وكأن احدنا ببغاء برازيلي من النوع الجيد .