23 ديسمبر، 2024 3:10 م

هل كانت هزيمة أم انسحاب تكتيكي منظم

هل كانت هزيمة أم انسحاب تكتيكي منظم

هذا التساؤل المنطقي والمشروع يدورفي أذهان الكثيرين، وهو بحاجة إلى الجواب القاطع للتكهنات والتحليلات لقطع الشك باليقين.

بقراءة البيان الذي أصدره نوري المالكي، أنه سيحاسب القادة الميدانين المقصرين في الموصل، بما يعني أن قرار الانسحاب لم يصدر من القائد العام للقوات المسلحة، وإنما صدرمن القادة الميدانيين حسب المؤشرات التي وردت في بيان المالكي، وبهذه الحالة ينبغي فتح تحقيق مع القادة الميدانيين كل من الفريق الركن عبود قمبر ( وهوأحد أقارب المالكي) والفريق الركن على غيدان والفريق الركن مهدي الغراوي.

ومن جهته تحدث محافظ نينوى أثيل النجيفي، مشيراً إلى الانسحاب المنظم للجيش، أي أن الا نسحاب حصل وفق سياقات المعركة.. ولكن مصادر أخرى ذكرت بأن القوات العراقية تركتْ الاسلحة والمعدات والدبابات والمدرعات العائدة له، فاستولت المجموعات الإرهابية عليها التي سيطرت على المدينة بالكامل بسرعة مذهلة.

أمام هذه المعلومات المتناقضة، ليس لنا سوى التريث وانتظار صدور تأكيدات واضحة ومقنعة من الجهة المسؤولة وفتح تحقيق حول الكارثة المخزية التي حدثت في الموصل الثلاثاء 10/ 6/ 2014.

غيرأن ما سيصدر من التوضيحات حول الحادث المؤلم، لا يمنعنا من القاء نظرة فاحصة تحليلية لتفكيك ملابسات الحادث، إستناداً على قواعد الحرب والستراتيجية، ونقول بهذا الصدد:

إن الإنسحاب في الحروب وارد باعتباره صفحة من الصفحات القتال الأربعة تستخدمها الجيوش تطبيقاً لمقتضيات مبادئ الحرب والستراتيجية ويكون على مستويين (مستوى تكتيكي أو ستراتيجي)، فإما لغرض تخفيف ضغوط العدو عن قوتنا أو لغرض تقليل الخسائر أو لتعزيز أجزاء أخرى من قواتنا في أماكن أخرى أو الدفاع عن هدف من الأهداف ذات أهمية وحيوية كبرى.إلخ.

أما الهزيمة في الحروب: ففي تاريخ الحروب شواهد كثيرة لهزيمة الجيوش الجرارة، إن اقرب مثال للهزائم في الحرب، الهزيمه التي مني بها الجيش العراقي في مواجهة قوات ثلاثين دولة في حرب تحرير الكويت وكذلك في مواجهة الجيش الأمريكي الجرار في حرب احتلال العراق في 2003.

غير أن الشعب العراقي أعذر جيشه المغلوب على أمره في حينه، لأنه زج في معركة غير متكافئة، بعد ثمان سنوات من الحرب العبثية ضد ايران إضافة إلى حرب تحرير الكويت كما اشرنا إليها.

وهناك امثلة أخرى من الحروب الكونية، ففي حرب العالمية الثانية على سبيل المثال أيضا وليس الحصر .. هزيمة الجيش البريطاني والفرنسي مشتركاً امام الجيش الالماني النازي، فسقط خط ماجينوا الحصين ومني الجيش البريطاني بهزيمة نكراء واضطر على إخلاء القارة الأوربية من دنكرك.. وأن ما

يجدر ذكره في هذا المجال، أن الشعب البريطاني الذي تجمهر في الساحل المقابل لدنكرك بصق في وجوه الضباط لانهم جلبوا العار على بريطانيا.

والمثال الاخر من الحرب العالمية الثانية أيضا، هزيمة الجيش الأمريكي، اقوى جيوش العالم في بيريل هاربر أمام هجوم الياباني المفاجئ .

إلا أن الهزائم المذكورة كانت لها ما يبررها، حيث أن الجيش المنتصر ( الألماني والياباني) في المعركتين كانتا جيوش قوية بدورهما، وقد طبقا (مبدأ المفاجئة) وهو اهم مبدأ من مبادئ الحرب بعد المبادرة أو المبادئة.

أما في الحالة العراقية، في الموصل تحديدا، الأمر مختلف تماماً لأسباب أدناه:

اولاً- توقع انتقال التجمعات الإرهابية (داعش) من الأنبار والفلوجة إلى المحافظات الأخرى، وكانت محافظة نينوى هي المرشحة الأولى والدليل على ذلك فرض حظر التجوال في المدينة من يوم الخميس، أي 5 أيام قبل دخول داعش إلى مدينة الموصل.. إذن لا توجد مفاجئة وإنما هناك تقصير واضح وبكل المقاييس لعدم اتخاذ التدابير اللازمة.

ثانياً- من غير المنطقي والمعقول والمقبول عدم صمود القوات المسلحة قوامها ( الفرقة الثانية وقوات الجزيرة، إضافة إلى القوات القادمة من بغداد وقوات الشرطة المحلية، مدججة بمختلف الأسلحة من الدبابات والمدرعات والمدفعية المتوسطة والثقيلة والصواريخ، مجموع افراد القوة يضاهي 70 الف بقيادة قائد القوات المشتركة ( الفريق الركن عبود قمبر وقائد القوات البرية الفريق الركن علي غيدان) أن تهزم مثل هذه القوات وتحت قيادة بهذا المستوى أمام مجموعات مسلحة قوامها لايتجاوز 6 الاف افراد مسلحين بأسلحة خفيفة ومتوسطة.

وهنا نعيد طرح التساؤل الذي اخترناه عنواناً لهذه الاسطر وهو : هل مني الجيش العراقي في الموصل بالهزيمة أم انسحب تكتيكياً تطبيقاً لقواعد الحرب والستراتيجية.؟

بمنظور قواعد الحرب والستراتيجية لا يوجد ما يشير إلى معطيات تستوجب الانسحاب التكتيكي أو الستراتيجي وعليه بحسب فهمنا لمبادئ الحرب والستراتيجة وسياقات المعركة نقول جازماً أن ما حدث في الموصل يعتبر هزيمة بامتياز وهي هزيمة مخجلة ومخزية وعار غير مسبوق في تاريخ الجيش العراقي المشرف.

أما مسؤلية هذا الفشل والخذلان فهي تقع على عاتق القائد العام للقوات المسلحة فضلاً عن القادة الميدانيين باعتبارالقائد العام المسؤل الأول المباشر عن السياسة الأمنية وبناء جيش مهني ولاؤه للوطن وليس لشخص أو جهة او حزب، ، كما نراه في العراق، ومن جهة أخرى ينبغي عدم تجاهل مسؤلية السياسيين في حكومة الشراكة أو المشاركة، حيث أن القوات المسلحة هي أداة من أدوات السياسة، لا يمكن احراز النصر في الحروب سواء أكانت ضد قوات العدو النظامية أو ضد مجموعات مسلحة مليشاوية بغياب سياسة وطنية رشيدة ومحكمة إلى جانب خطط عسكرية رصينة.