يعتبر تعدد الطوائف والمذاهب في الدين عموماً والإسلام خصوصاً هو نوع من أنواع حرية الفكر والاعتقاد والحرية الشخصية, لكن أصبح مفهوم الطائفية والتعددية المذهبية مصدراً أساسياً يعتمد عليه المتسلقين للسلطة سواء كانوا من سياسيين أو رجال دين, سلطة سياسية أو سلطة دينية, حيث يعمل الحاكم أو الساعي إلى الحكم على الضرب على هذا الوتر الحساس والمهم فيقوم بتهميش الطوائف الأخرى وإقصائها بل يصل الأمر إلى استباحة دماء وأعراض ومقدسات الطوائف الأخرى من أجل الوصول إلى المنصب والكرسي كما حصل ويحصل في العراق اليوم.
فصارت القضية الطائفية عبارة عن مشروع لكل طامح في السلطة, فالشيعي – منتحل التشيع – من أجل أن يصل لسدة الحكم أو من أجل التمسك بمنصبه, فإنه يروج للفكر الطائفي المقيت من جهة ومن جهة أخرى يجعل بقية المناصب حصراً على من هم من طائفته ومذهبه وكذا الحال بالنسبة لمنتحل التسنن, وبالتالي تكون النتيجة هي الترشذم والتفرقة بين أبناء البلد الواحد والدين الواحد حتى يصل الأمر إلى التكفير واستباحة الدماء, ويرجعون بذلك إلى الموروث التأريخي الإسلامي الذي أصبح متخماً بالأحداث والوقائع الموضوعة والمدسوسة, إذ يعتمد هؤلاء الطائفيين المستأكلين على الروايات والأحداث الموضوعة في التأريخ الإسلامي والتي فيها تأجيج للطائفية وتعمل على شرخ وحدة الصف المسلم ويبثونها بين عموم المسلمين.
وقد وصل الأمر إلى أن يصوروا للناس أن الطائفية موجودة في عصر صدر الإسلام, في زمن الخلفاء الراشديين, حيث صوروا إن كل ما صدر من الخليفة الأول أو الثاني أو الثالث هو بصورة طائفية ونابع من الطائفية, وهذا ما يجعلنا نتساءل هل كان في زمن الخلفاء الراشدين شيء أسمه طائفية ؟ هل كانت الطائفية موجودة فعلاً ؟ وهل ما صدر من الخلفاء ” رضي الله عنهم ” كان طائفياً وبدافع طائفي ؟
والجواب على هذا التساؤول نجده في المحاضرة الثالثة من بحث ” السيستاني ما قبل المهد إلى ما بعد اللحد ” للمرجع العراقي الصرخي والتي تقع ضمن سلسلة محاضرات ( التحليل الموضوعي للعقائد والتأريخ الإسلامي ) حيث قال …
{{…. في زمن الخلافة الراشدة ما وقعت من أخطاء وتجاوزات, هذه الأخطاء والتجاوزات فإنها شملت وعمت ووقعت على الجميع وإنها ترجع إلى إجراءات الحاكم لتثبيت السلطة والدولة وفق تشخيصه للمصلحة التي يُصيب ويخطئ فيها والتي لم تكن بدافع طائفي كما يصوره أئمة الضلالة المُرتَزقة والمرتَزِقة المستأكلون وأتباعهم الجهلة الناعقون, يعني ماصدر في زمن الخلافة الراشدة, في زمن الخليفة الأول, في زمن الخليفة الثاني, في زمن الخليفة الثالث, هل كان هذا من إجراءات, من تجاوزات, من أخطاء, طبعاً لا يوجد عصمة ولا يوجد أحد يقول بعصمة الخلفاء أو بعصمة الصحابة, فما صدر هناك من أفعال, من مواقف, من إجراءات, هل هي كانت بدافع طائفي ؟ أو كانت إجراءات لتثبيت الحكم, لتثبيت الخلافة, لتثبيت الدولة و السلطة وفق تشخيص الحاكم أو الخليفة أو السلطان, أتحدث أنا في خلافة الخليفة الأول والثاني والثالث, إذن أقول ما وقعت من أخطاء وتجاوزات أو إجراءات فإنها شملت وعمت ووقعت على الجميع, لا يوجد خصوصية لطائفة دون طائفة أخرى, إجراءات, قوانين دولة, قوانين سلطة, قوانين حكم, قانون, دستور, نظام يشمل الجميع, وقع على هذا البيت, وهذه العشيرة, وهذه المنطقة, وهذه الشريحة الإجتماعية, كما وقع على غيرها, إذن شملت وعمت ووقعت على الجميع وإنها ترجع إلى إجراءات الحاكم لتثبيت السلطة والدولة وفق تشخيصه للمصلحة التي يصيب ويخطئ فيها, ولم – هذا شيء مهم – تكن بدافع طائفي كما يصوره أئمة الضلالة المُرتَزقة المستأكلون وأتباعهم الجهلة الناعقون, فلا وجود للدوافع الطائفية في تلك الفترة, وإنما – لاحظ هذا شيء أكيد – لا توجد دوافع طائفية في زمن الخلفاء ” الأول والثاني والثالث ” وإنما استحدثت الطائفية وأُصل لها وأخذت طابعها القانوني الرسمي من قبل مَن؟ من قبل الأمويين لتثبيت دولتهم وأركان حكمهم وسلطتهم فصارت الطائفية التدميرية ضرورة سياسية سلطوية لتثبيت الحاكم والإبقاء على دولته والسكوت على إنحرافه وظلمه ولتجذير هذه طبعاً يسقطون ما كتبوه, ما استحدثوه, ما ابتدعوه, ما افتروا به, أسقطوه على مَن ؟ على الأحداث السابقة, أرجعوه إلى زمن الخلافة, أرجعوه إلى زمن النبوة فسحبوا الطائفية, ولنقل نقلوا الطائفية كذباً وإدعاءً وتزيّفياً إلى تلك الفترة السابقة, وفسروا الأحداث السابقة على أساس ما ابتدعوه من طائفية ضالة قاتلة تدميرية, هذا ما حصل, فعلينا أن نعرف, وعلينا أن نميّز, وعلينا أن نتمسك بهذه القاعدة وهي قاعدة واقعية حقيقية, هذا أصل وهذه قاعدة, هل إن تصرف الخلفاء, الخليفة الأول والخليفة الثاني والخليفة الثالث كان بدافع طائفي كما هي الطائفية الآن ؟ أم كانت الإجراءات تشمل الجميع ؟ تقع على الجميع حتى تقع على إبن الخليفة, على نفس إبن الخليفة يقع الإجراء والحكم والقانون والعقوبة والتطبيق والخطأ إذا كان الحكم فيه خطأ, إذن يقع على الجميع, وقع على هذا كما وقع على ذاك…}}.
ومن خلال هذا الجواب الذي حصلنا عليه من قبل المحقق الكبير والباحث العملاق وسيد المحللين المرجع العراقي الصرخي, نصل إلى نتيجة وهي إن كل ما نسب إلى الخلفاء الراشدين من أفعال وأحداث ما هي إلا من موضوعات المستأكلين والمنتفعين الطائفيين من أجل التغرير بالناس ومن أجل الحفاظ على المناصب والمكاسب ولا يوجد لأي طائفية في كل ما صدر من الخلفاء ” رضي الله عنهم ” بل هو كان وفق إجراءات وفق سياق قانون الدولة الإسلامية والتي يخضع لها الجميع مهما كان إعتقادهم وفكرهم ورأيهم دون أي استثناء.
المحاضرة الثالثة ” السيستاني ماقبل المهد الى مابعد اللحد”
https://www.youtube.com/watch?v=2cugt9-GcGc&feature=youtu.be