قبل الولوج في الشرح والعرض لابد من التنويه الى ان المدونة أصبحت حقيقة قانونية مسلم بها، لكن لا يمنع تناول الاحكام التي وردت فيها من حيث الاثار التي ترتبت عنها، وفي هذا الموضع سأتناول وباقتضاب الاحكام التي وردت فيها والتي لها صلة بإجراءات الطعن التمييزي والحجج الشرعية، لان ظاهر تلك النصوص فيه تعارض مع القواعد الإجرائية في قوانين غير قانون الأحوال الشخصية، ومنها قانون الاثبات والمرافعات المدنية وقانون التسجيل العقاري، لان المدونة تتعلق بالاحكام الموضوعية في قانون الأحوال الشخصية حصراً وليس لها علاقة بالأحكام والقواعد الإجرائية، حيث صدرت بموجب تعديل المادة (3) من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل، ويبقى اثرها يتعلق بتعديل الاحكام الواردة في ذلك القانون ولا يمتد اثرها الى الاحكام والقواعد الإجرائية التي تنظم عملية الترافع وإقامة الدعوى وتنفيذ الاحكام الواردة في قوانين (المرافعات، الاثبات، التسجيل العقاري وسواها) وسيكون العرض على وفق الاتي:
اولاً: قضايا التفريق القضائي:
جاء في المادة (73) من مدونة الاحكام الشرعية الاتي (أ – إنما يكون للقاضي إيقاع الطلاق في الحالات الثلاث المتقدمة في المواد (۷۲، ۷۱، ۷۰) فيما إذا ثبت له من خلال شهادات موثقة ونحوها صدق الزوجة فيا تدعيه من تقصير الزوج في الوفاء بالحقوق الثابتة لها بأحد الوجوه المتقدمة، من دون تقصير منها في أداء الحقوق الثابتة له. ب – يشترط موافقة المرجع الديني على إيقاع الطلاق في الحالات الثلاث المتقدمة)،
ان تلك المادة قد وردت في الفصل السابع من الباب الأول والمتعلق بأحكام النشوز، وهو يماثل التفريق القضائي في قانون الأحوال الشخصية النافذ، لكن ورد في الفقرة(ب) منها الاتي ( يشترط موافقة المرجع الديني على إيقاع الطلاق في الحالات الثلاث المتقدمة)، ومعنى النص أعلاه ان قاضي محكمة الأحوال الشخصية عندما يتحقق من توفر أسباب الادعاء بموجب النص القانوني الوارد في المواد (70 و71 و72) ان يرسل الدعوى او يطلب من المرجع الديني الموافقة على الطلاق، ويذكر ان المادة الأولى تتعلق بعدم الانفاق والثانية بالهجر والثالثة بالضرر على وفق الاتي:
لكن نص الفقرة (ب) من المادة (73) من المدونة المذكورة في أعلاه قد ألزمت القاضي باتباع ما يقرره المرجع الديني، سواء بالموافقة او بالرفض، بمعنى ان القاضي لا يملك صلاحية مخالفة رأي المرجع الديني،
وبهذا المعنى قيدت صلاحيته في تقدير الواقعة، ومنها اذا كان يرى ان أسباب التفريق متوفرة على وفق ما اجراه من تحقيقات في الدعوى، الا ان المرجع الديني قرر عدم الموافقة على قرار القاضي، في هذه الحال وعلى وفق منطوق تلك الفقرة، ان القاضي لا حول ولا قوة الا اتباع ما قرره المرجع الديني، وقد يكون القاضي له من العذر القانوني، الا ان الطرف الخاسر في الدعوى قد يطعن في الحكم لدى محكمة التمييز الاتحادية، وهنا تكمن المشكلة القانونية والاجرائية، هل قرار المرجع الديني سواء بالموافقة او عدم الموافقة يخضع لتدقيق محكمة التمييز الاتحادية، ام انه واجب الاتباع وملزم للجميع بما فيهم محكمة التمييز،
لذلك أرى ان نص تلك الفقرة يوحي الى ان قاضي الموضوع لا يملك صلاحية المخالفة وانما الاتباع حتماً، وبذلك تنتفي علة تدقيق الحكم القضائي من محكمة التمييز الاتحادية، لان اذا كانت محكمة التمييز تملك الصلاحية، فاذا قضت بنقض القرار واعتبرت ان أسباب التفريق متوفرة، الا ان المرجع الديني لم يوافق على قرار القاضي بالتفريق (الطلاق) ماذا يفعل قاضي الموضوع هل يخالف رأي المرجع الديني، لان قرار القض الصادر عن محكمة التمييز في قضايا الأحوال الشخصية واجب الاتباع حتما وعلى وفق احكام المادة (215/1) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل التي جاء فيها(اذا كان الحكم المميز صادرا من محكمة شرعية او صلحيةيكون قرار المحكمة المختصة بنظر الطعن واجب الاتباع مطلقا)
وكيف له ان يقرر التفريق القضائي (الطلاق) واحكام المدونة في الحالات أعلاه توجب موافقة المرجع الديني، وهل يعيد عرضه على المرجع الديني وعلى فرض نعم يجوز ذلك، ماذا لو اصر المرجع الديني على قراره بعدم الموافقة،
وفي هذه الحالة نجد ان احكام المدونة قد قيدت صلاحية محكمة التمييز الاتحادية، مع انها الهيئة القضائية الأعلى في هرم القضاء الاعتيادي بموجب احكام المادة (12) من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المعدل التي جاء فيها (محكمة التمييز هي الهيئة القضائية العليا التي تمارس الرقابة القضائية على جميع المحاكم ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، وتتألف من رئيس وخمسة نواب للرئيس وقضاة لا يقل عددهم جميعا عن ثلاثين ويكون مقرها في بغداد.) ثم أصبح رئيسها رئيساً لمجلس القضاء الأعلى وعلى وفق احكام المادة (1) من قانون مجلس القضاء الأعلى رقم 45 لسنة 2017،
ثانياً: قواعد اصدار الحجج الشرعية (القسام الشرعي والتخارج)
ان القسام الشرعي هو حجة او وثيقة تصدرها محكمة الأحوال الشخصية بالنسبة للمسلمين ومحكمة المواد الشخصية لغير المسلمين ويتم بموجبها تحديد ورثة المتوفى ومقدار حصصهم وسهامهم على وفق الاحكام القانونية والشرعية، وبيان المسالة الارثية التي تتعلق بتوزيع تركة المتوفى، كما يتم فيها بيان الوريث المحجوب والوريث الممنوع من الإرث
اما حجة التخارج فإنها الوثيقة التي تصدرها محكمة الأحوال الشخصية وتتضمن اتفاق جميع او قسم من الورثة او اصحاب حق الانتقال على اخراج بعضهم من الميراث او الانتقال بعوض معلوم من التركة او غيرها ويسجل بالاستناد الى حجة صادرة من المحكمة المختصةوعلى وفق ما ورد في المادة (246) من قانون التسجيل العقاري رقم 43 لسنة 1971 المعدل،
وفي كلا الحجتين لابد من معرفة أسماء من هم الورثة، فاذا لم يكن للمتوفى وريث فان الدولة وارثاً له وعلى وفق احكام المادة (89) من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل التي جاء فيها (لا تجوز الوصية بأكثرمن الثلث الا بإجازة الورثة وتعتبر الدولة وارثا لمن لا وارث له)
لكن في المدونة جاء حكم جديد بان جعل وارث من لا وراث له هو الامام (ع) وعلى وفق احكام المواد الاتية:
والاشكال الذي سيظهر عند التطبيق سيكون بعضه على وفق الاتي:
الخلاصة: من خلال ما تقدم أرى الاتي:
لذلك فان الامل معقود على رئاسة مجلس القضاء الأعلى للمبادرة الى الطعن في تلك النصوص التي تتعارض مع مبدأ استقلال القاضي والقضاء الوارد في الدستور العراقي من اجل الحفاظ الاستقلالية التي ينادي بها مجلس القضاء الأعلى في جميع ادبياته وخطابات رئيس المجلس وبيانات المجلس بهذا الصدد.
قاضٍ متقاعد