ينامُ الضميرُ العربيُّ اليومَ نومَ السحالي تحت أحراش الشتاء العربي البارد، بعد إشغاله بربيع الثورات ، وتمتعه بنشوة كأس التحولات السياسية العريضة هنا وهناك، فالمناصب الحكومية التي كانت تحلم بها قيادات الأحزاب العربية المعارضة لأنظمة حكوماتها الدكتاتورية تعالت مع كؤوس الصهباء المعتـّقة حدَّ الثمالة.
والحالة هذه ؛ والجولان ترزح تحت الاحتلال الإسرائيلي ، والضفة الغربية ترزح تحت الاحتلال الإسرائيلي،وقطاع غزّة يرزح تحت وابل ٍ من القصف الإسرائيلي المنظـّم،وجنوب لبنان مهدد كلَّ لحظة، والمصلون المقدسيون لا يهنأون بصلواتهم،وإسرائيلُ تنبش الأسس المقدّسة ، وتحرّض من ينبش قبور صحابة رسول الله(ص) في بلادٍ هي اليوم رمز للمواجهة الحقيقية التي لم يأتِ موسم شتائها بعد.
سوريا التي أصبحت اليوم مختبراً ومسباراً لبحوث وتجارب العروبة والإسلام، فالذي يقف معها، يقف مع الرهط العربي الأصيل، والذي يتفرّج عليها،هو وآباؤه كانوا يتفرّجون على كلِّ مآسي الأمة العربية الإسلامية،والذي يعاديها،هو وأجداده معادون.
بالأمس قصفت إسرائيلُ قانا ، فبكينا ونددنا، بالأمس قصفت إسرائيلُ غزّة، فبكينا ونددنا، اليوم وقد قصفت إسرائيل سوريا، تلعثمنا بالحشرجات !!؟..
بكينا؛ لأننا نعلم مسبقاً ، بأنَّ السعودية وقطر ستبكي معنا ، وتلعثمنا؛ لأننا على يقين بأنَّ السعودية وقطر سوف لن يبكيا معنا هذه المرّة، وهل ستبكي السعودية وقطر على سوريا ؟!! سوريا التي احتملت آمال وآلام الأمة العربية لوحدها اليوم، تلك التي انتزعت من أنياط قلبها شرايينها الدافقة بالدم العربي النقي ، وربطتها في قلوب التحديات والمواجهات العربية ضد إسرائيل،سوريا التي بقيت لوحدها تكافح عربياً ، بعدما باعت السياسات العربية عهودها لصمتها الذي أحدثته التغييرات،حتى أصبحنا لا نرى غير سوريا تكافح وتنافح لأجل فلسطين..تمد المقاوماتِ بالروح النضالية الظافرة، وتمد الإراداتِ المجاهدةَ بعنفوانها الدؤوب،سوريا؛ هذه الحبيبة الشاميّة الجميلة التي احتضنتنا جميعاً..عراقيي المعارضاتِ كلِّها، لم تأنف ولم تأسف على ما فات ، ولم تندم ، وستفرح بما هو آت ٍ إنشاء الله.
المشكلة العربية اليوم لا تختلف عن المشكلة العربية بالأمس،لكنَّ الشعب العربي اختلف اختلافاً راديكالياً عن مشاعره تجاه القضايا القومية المصيرية للأمة العربية،وهو ليس مذنباً فيما هو فيه ،فلقد كان الذنب كلُّ الذنب على حكامه ، أولئك الذين شوّهوا الروح القومية في ذات الإنسان العربي، من خلال مواقفهم المزيفة من قضايا هذه الأمّة،لقد أُعلن الإتحاد الهاشمي وولد ميّتا، ولقد أُعلن مشروع الجمهورية العربية المحتدة وولد ميّتا،ولقد أُعلن ميثاق العمل العربي المشترك فقـُتِلَ في الكويت، حتى داخ العرب بشعاراتِ حكـّامهم ، حتى كرهوها وملـّوها جميعاً،فتحينت فرصتها أمريكا.. راعية الديمقراطيات في العالم،الديمقراطيات المشروطة التي لا تتقاطع مع أمن ومصلحة إسرائيل،أمريكا ذات المكيالين الدقيقين جداً، مكيالٌ يخدم مصالحها فقط ، ومكيالٌ يخدم مصالح أعوانها في العالم، أما الآخرون فتكيل لهم بمكيالٍ آخر،والعالم العربي منشغل بثوراته العربية التي لم يجن ِ منها حتى اليوم ثمرة َ وئام يانعة.
إسرائيل اليوم تقصف سوريا، بعدما قصفت جنوب لبنان،وقصفت غزّة، وستقصف كلَّ الدنيا التي لا تخضع أقدامها على السير في درب خارطة الطريق الأمريكي ، لو بُترتْ ألف مرّة، وها هي أمريكا لا تعلـّق،وإسرائيل تهدد العالم العربي والإسلامي،وأمريكا لا تـعلـّق،وهي تعلـّق عندما تريد أن تعلـّق !..
سوريا اليوم؛ حسينٌ في كربلاء، هل من ناصرٍ .. هل من معين، والشام اليوم أرض كربلاء!.. ومثلما يبكي المسلمون على ظليمة الحسين (ع) 14 قرناً، هم أنفسهم سيبكون عروبيا ًعلى سوريا إلى يوم القيامة، لأنَّ القادمين إلى سوريا أثبتوا قرفهم العربيّ بنبشهم قبور الصحابة الأجلاء وهدمها ، لأنَّ القادمين الجدد إلى سوريا تؤيدهم الإدارة والإرادة الأمريكية الحالمة بشام أمريكيٍّ ـ إسرائيليٍّ يثني لأمريكا ولإسرائيل أرائك الطواويس الوثيرة بالولاءات الخانعة من أجل تحقيق حلم الحاكمية الميكافيلية البراكماتية المقيتتين.