23 ديسمبر، 2024 3:56 ص

هل قدمت أمريكا سلاحا للعراق خلال حربه مع إيران ؟

هل قدمت أمريكا سلاحا للعراق خلال حربه مع إيران ؟

شكر وإمتنان وإعتزاز
قبل كل شيء، وددت رفع جل آيات الشكر والإمتنان لقائديَّ  ومعلّمَيَّ  ومُوَجّهَيَّ   “الفريق الركن طارق محمود شكري” و”اللواء الركن علاءالدين حسين مكي خمّاس” لتكرّمهما عليَّ في مراجعتهما مسوّدة مقالتي هذه وإبداء سديد ملحوظاتهما حول ما سَرَدتُه من أحداث عشتُها وحقائق إستقيتُها من الذين هم أعرَفُ مني بها وأعلَم، لتكون المقالة أنصَع وأصدَق، لِـما عاشاه قبلي من عديد السنوات في خدمة جيشنا وسَبَقاني بمعايشتهما مع أسلحة جيشنا وتجهيزاته ومعداته في العهد الملكي والعهود الجمهورية المتلاحقة.
فلمقامهما كل المودة والإحترام والإعتزاز لـِما أتعَبتُهما وبَذَلاه من جهد ووقت في هذا المضمار.
==========================================
تمهيد
منذ الإحتلال الأمريكي للعراق عام (2003) تعاظمت الإدّعاءات عن دعم “واشنطن” للنظام السابق بالأسلحة والتجهيزات والمعدات خلال الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988)، وما زال العديد من ساسة “العراق القائم” منذ (2003) ومَن أمسى يُجاريهم يُصرّون على هذا الإفتراء لتحقيق مقاصد واضحة الأهداف.
ولـمّا كنتُ مُطّلِعاً بشخصي على ما كان الجيش العراقي وقواته المسلّحة يمتلكه من أسلحة ومعدات بحكم إنتمائي في صفوفه منذ أوائل الستينيات وضابطاً متدرِّجاً في صفوفه حتى عام (1988)، ومُتابعاً هاوياً و((فضولياً)) في هذا الشأن لغاية يومنا الراهن، فقد وددتُ تسليطَ بعض الضوء عليها.
تقرير مركز بحوث سويدي
ون بين العديد من البحوث والدراسات والمقالات التي تطرَّقَت لهذا الموضوع، جاء تقرير “معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي” -الذي يُفتَرَض أن يكون حيادياً كونه صادراً في دولة “السويد”- وقد أشار إلى عدم دقة التعميم بأن “أمريكا” سلّحت العراق في الثمانينات، فليس في سجل العراق -حسب التقرير- شيء من فضائح أو صفقات سوق سوداء أو غيرها.
معلوماتي ((شبه المؤكدة)) عن أسلحة العراق
رغم إنتمائي برغبة جامحة تلميذاً بالدورة (41) للكلية العسكرية، فضابطاً بالحرس الجمهوري (1964-1966) ثم بأحضان “اللواء المدرع السادس-الفرقة المدرعة الثالثة” في شماليّ الوطن قبل حركتنا للمشاركة في حرب حزيران/1967، ومُرابطتنا على الجبهتين الأردنية والسورية ما يقارب من (أربع) سنوات بلا إنقطاع (حزيران/1967-شباط/1971)، قبل أن نعود للوطن وأُنقَلَ معلّماً للأسلحة الساندة لدى “مدرسة المشاة” (1971-1973)، حتى قُبِلتُ تلميذاً في كلية الأركان والقيادة، وتخرّجتُ عام (1974) لأعود إلى وأعمل “ضابط ركن الحركات” في “مقر لواء المشاة الآلي/8” وسط حربٌ ضروس دائرة بأقاصي شمالي الوطن (1974-1975)، ثم ضابط ركن في “قيادة الفرقة المدرعة/3” طيلة عام (1976)، فآمراً للفوج الثاني باللواء/8 ذاته (1977)، حتى نُقِلتُ إلى دائرة العمليات بوزارة الدفاع (1978).
عملي في شعبة الإيفادات الخارجية
لم أبتَغِ من سرد كل ذلك الإفتخار والتبَجّح، بل لأُثبت كوني قد تعاملتُ -بحكم تدرّجي بالرتب والمناصب وسط وحدات مقاتلة وتشكيلات ميدانية ذات أهمّية- مع معظم الأسلحة ((الغربية والشرقية)) المتوفرة لدى الجيش العراقي، وتَدَرّبتُ عليها ودَرَّبتُ جنودي وضباطي على إستخدامها، أو ربما شاهدتُ معظمَها -عن قرب أو بعد- خلال عقود الستينيات والسبعينيات والثمانينيات.
ولكن كل تلك المواقع لم تُطلِعني على مصادر الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة وكذلك التجهيزات والمعدات ذات الإستخدامات المزدوجة، وكل الدول التي كان “العراق” يتعامَل معها حتى نُقِلتُ عام (1979) إلى “شعبة الإيفادات والدورات والوفود الخارجية” لدى مديرية التدريب العسكري بمنصب “ضابط ركن قسم الإيفادات إلى الدول الغربية والأمريكَتَين واليابان” لغاية (1980) -تحت إمرة “العميد الركن (الفريق الركن بعدئذ) طارق محمود شكري”- حتى إندلعت الحرب مع “إيران” لأُنقَلَ إلى التشكيلات الميدانية، قبل أن أعود مديراً لتلك الشُعبة عام (1984) -تحت إمرة اللواء الركن سعدالدين شريف العمري- لأربع سنوات متواصلات -بإستثناء بعض الإستخدامات لدى عدد من مقرات الفرق والفيالق- ولغاية إحالتي على التقاعد -بشكل إعتيادي- عام (1988).
أسرار الإيفادات الخارجية
وزيادةً في المعلومات، فقد إحتوت “شعبة الإيفادات والدورات والوفود الخارجية” -التي لم يكن معظم ضباط العراق ينظرون نحوها بذات منظار المنزلة العالية لشُعَب دوائر العمليات والإستخبارات- أسراراً عن كل عقد تسليحيّ أو تجهيزيّ يوقّعه أو يُصادق عليه رئيس الجمهورية أو وزير الدفاع أو رئيس أركان الجيش أو مدير التسليح والتجهيز، أو أي شخص يُخوّل بإبرامِه.
ورغم عدم إطلاعي سوى على ((فقرة التدريب)) من تفاصيل تلكم العقود وإلتزاماتها ودفوعاتها، فقد كان عليّ -وضباط ركن أقسام شعبتي- إتخاذ خطوات عديدة لتنفيذ تلك ((الفقرة التدريبية)) التي يستحيل أن يخلو منها أي عقد تسليح أو تجهيز يٌبرَم مع أية دولة غربية أو شرقية أو عربية أو من دول العالم الثالث، تمهيداً لإيفاد ضباط وضباط صف عراقيين إلى الدولة المجهِّزة وعلى نفقتها عادةً.
لذلك فإن عملي بصفة “ضابط ركن قِسم” قُبَيلَ الحرب ثم مديراً للشعبة خلال السنوات الأربع الأخيرات من الحرب قد أتاح لي الإطلاع -عن كثب- على جميع دول العالم التي تعامَلَت مع “العراق” في هذه الشؤون سِرّاً أم في العَلَن.
ولـمّا إدّعيتُ -في إحدى المقابلات التلفازية- كوني ذا إطلاع على أسرار لم تُتَح للراحلين “صدام حسين” و”عدنان خيرالله” و”عبدالجبار شنشل” وسواهم، فقد كنتُ صادقاً ولم أبالغ… ولكن ذلك ليس إستكباراً أو تمجيداً لشخصي، بل أن صغائر الأمور لا تصل إلى مكاتب كبار المسؤولين ولا تُرفَع تفاصيلها إلى المقامات العليا، كما حال الموظف الصغير في أية دائرة فإنه أدرى بتفاصيل ما تحت يديه من مديره المباشر والمدير العام والوزير.
ولما كان أيّ عسكري عراقي قد تقرّر إيفاده للمشاركة بدورة ما، فإنه يَنفكّ من وحدته ويلتحق إلى شعبتي، حيث نـُزوّدُه بكتب ومستمسكات رسمية لمراجعة دوائر عسكرية ومدنية معيَّنة في “بغداد” ولغاية تأشير جواز سفره قبل أن يتسلّم -بتوقيعي- كتاب إلحاقه إلى ملحقيتنا العسكرية أو سفارتنا لدى البلد المعني… ووقتما ينهي دورته التدريبية فإن الملحق العسكري أو السفير يزوّده بكتاب إعادته ويشهد بإستكماله كامل دورته، فيلتحق إلى شعبتي ونتأكد من أوراقه قبل أن نُعيده لوحدته.
لذلك فإن أي ضابط أو سواه مُنتَمٍ إلى أيٍّ من صنوف جيشنا وقواته المسلّحة (البرية، الجوية، البحرية، طيران الجيش، الدفاع الجوي، قوات الحدود) ناهيك عن “الحرس الجمهوري” وحتى البعض من “الحرس الخاص” -بإستثناء إيفادات “القوة الجوية” الإختصاصية لربط صلاحياتها بشخص وزير الدفاع في أواسط الثمانينيات- كان لا يمكن أن يُوفَدَ إلى خارج العراق للتدريب أو الدراسة لدى أية دولة بالعالم، سواءً تنفيذاً لعقد تسليح وتجهيز أو للمشاركة بأية دورة عسكرية تطويرية لدى مدارس الجيوش الأجنبية وكلّيات الأركان والقيادة وأكاديميات الحرب والدفاع الوطني، أو لإستحصال شهادات جامعية عليا في مجالات الطب والهندسة والعلوم المَدَنية، أو لحضور مؤتمرات متنوعة، أو على شكل وفود عسكرية حتى لو إستغرق يوماً واحداً فحسب، إلاّ عن طريق شعبة الإيفادات التي خدمتُ فيها.
كما كانت الشهادات -التي عادةً ما تردنا بعد أسابيع من إنتهاء تلكم الدورات- تُعَرَّبُ لدى “قسم الترجمة” لدينا، ولا تَعتَرف بها الدوائر المختصة إلاّ بعد مصادقتِنا لإياها وختمِنا لها.
إعتماد “العراق الملكي” ((شبه الكلّي)) على السلاح البريطاني
إعتمد “العراق الملكي” -بشكل شبه كلّيّ- على “بريطانيا” سواءً في تأسيس جيشه وقواته المسلّحة وتطويرها منذ العشرينيات وما تلاها، وفيما عدا إقتنائه أسلحة إيطالية بأعداد ضئيلة من الدبابات والطائرات بعد “إنقلاب الفريق بكر صدقي” عام (1936)، فإن جميع أسلحة جيشه وتجهيزاته ومعداته إقتصرت على المناشئ البريطانية لغاية (14/تموز/1958)، وقتما إنفتح في عهد “الزعيم عبدالكريم قاسم” على كل من “جيكوسلوفاكيا” قليلاً قبل أن يعتمد كُـلّياً على “الإتحاد السوفييتي” مُستبدِلاً تسليح معظم تشكيلاته سراعاً ((ولكن مقابل مبالغ نقدية عالية)) بأسلحة كانت وجباتها الأولى من الدبابات والمدرعات وناقلات الأشخاص المدرعة والمدافع التي إستوردها عام (1959) -بإستثناء الطائرات النفاثة- من مخلّفات الحرب العالمية الثانية، ولكن من دون إقدام “العراق” على قطع أواصر التعاون مع “بريطانيا” كي يُديم السلاح البريطاني المعتمَد وسط تشكيلاته ويطوّر مؤسساته التدريبية.
ولقد عاصرتُ العديد من تلك الأسلحة البريطانية -والتي يطول تفصيلها- خلال أعوام الستينيات وقتما غدوتُ ضابطاً برتبة “ملازم- ملازم أول”، رغم تراجع العلاقات العسكرية بين الدولَتَين بعد حركة (14/تموز/1958)، وكانت في مقدمتها دبابات “سنتوريون” ومدرعات ومدافع متوسطة وقوس وجبلية ومقاومة طائرات وهاونات مختلفة العيارات، وقاذفات الصواريخ (106 ملّم) لمقاومة الدبابات المحمولة على سيارات “لاندروفر” وأُخرَيات (3,5 عُقدة) تُحمَلُ على الكتف، والمئات من عجلات النقل والحمل بأنواعها، والعشرات من الطائرات التي إشتملت المقاتلات/هجوم أرضي “فيوري”، والنفاثات الحديثة “فامباير، فِنوم VENOM، هوكَر هَنتَر العلامة/7″، وطائرات النقل المروحية “فريتر، دوف، هيرون”، والتدريب “أوستر، جيبمانك، بروفوست” المروحية.
واقع الأسلحة الأمريكية للعراق
حسب متابعاتي المتواضعة، فإن “العراق” في عهده الملكي -بحكم النفوذ البريطاني- لم يتعامل مع “الولايات المتحدة الأمريكية” في مجالات التسليح -إلاّ قليلاً- عام (1940) في سبيل تنويع مصادر تسليح جيشه وقواته المسلّحة، حتى أُبرِمَ “ميثاق بغداد” عام (1955) بزعامة “بريطانيا العظمى” وعضوية “العراق، إيران، باكستان، تركيا”، فيما ظلّت “واشنطن” وراء الستار بمثابة “مُراقِب” لتُغدِقَ على الجيش العراقي مساعدات تسليحية كبيرة ((من دون مقابل مادي))، فضلاً عن دفعها أثمان الأسلحة التي تزوّد “بريطانيا” الجانب العراقي بها -ولربما تنقصني الدقة التامة في سردها- إشتملت ما يأتي:-
كتيبة دبابات طراز (M-24-CHAFEE) الخفيفة.
كتيبة مدفعية متوسطة بواقع (18) مدفعاً عيار (5.5) عُقدة (155 ملم).
بطرية ثقيلة بواقع (6) مدافع عيار (8) عُقدة (203 ملّم).
كتيبة مقاومة طائرات عيار (40) ملّم بواقع (54) مدفع.
أسلحة مشاة ثقيلة ومتوسطة وخفيفة، وقاذفات صواريخ مقاومة الدبابات طراز (3,5) عُقدة.
أجهزة لاسلكية، وأهمّها (الجهاز/9) ذو المدى البعيد.
العشرات من عجلات الحمل المتنوّعة طراز (ريو، دودج باور، فورد، شيفروليه، ويلز، إسعاف).
عدد من هليكوبترات (سيكورسكي) الخفيفة للنقل.
وقد إطلعتُ مؤخراً على معلومةً تَفيد بأن “واشنطن” بعثت عام (1958) سرباً من (12) مقاتلة/هجوم أرضي طراز (سَيبَر/SABRE-F-86) -النفاثة الأحدث في العالم- رابَطَ مع طياريها الأمريكيين في “قاعدة الحبانية” لتدريب الطيارين العراقيين على قيادتها، وكانت عازمة على إهدائها للقوة الجوية العراقية… ولكن حركة (14/تموز/1958) وإزالة العهد الملكي وسوء العلاقات بين البلدَين حال دون ذلك، فرُزِمَت في القاعدة نفسها حتى تم الإتفاق بين “الزعيم عبدالكريم قاسم” والسفير الأمريكي ببغداد على سحبها إلى الولايات المتحدة عام (1959).
وكذلك عاصرتُ تلك الأسلحة الأمريكية -بإستثناء الطائرات- خلال الستينيات وقتما كنتُ ضابطاً برتبة “ملازم- ملازم أول”، رغم تراجع العلاقات بين الدولَتَين بعد (14/تموز/1958)، إذ إنعدم التسليح الأمريكي للعراق خلال ذلك العقد وما تلاه ولغاية غزوه وإحتلاله وتدميره وحلّ عموم قواته المسلّحة منذ عام (2003).
تفوّق العراق في المجال العسكري
بعد تمركز تلك الأسلحة النوعية لدى القوات المسلّحة العراقية، فقد أمسى “العراق” صاحب الجيش الأعظم بين دول العرب بلا مُنازِع يُذكَر، وفاقَ في قدراته جميع دول الجوار، وبالأخص لـمّا زالت أخطار خصومة الجارتَين “إيران وتركيا” إثر إبرام “ميثاق بغداد” -الموصوف جُزافاً بالحلف الإستعماري الإمبريالي- وإستشعار “العراق” بالأمان والطمأنينة في معظم المناحي الإستراتيجية.
آخر تعامل تسليحي للعراق مع “بريطانيا”
بعد حركة (14/رمضان-8/شباط/1963) ساءت العلاقات الودّية بين العراق والإتحاد السوفييتي جراء ما أصاب الشيوعيّين العراقيين تحت ظلال الحكومة الجديدة، وظلّت على برودها حتى بعد حركة (18/ت2-نوفمبر/1963)، وقتما علّقت “موسكو” تعاونها في تزويد “العراق” بالسلاح وقطع الغيار… ولما أمسى العراق في موقف حرج فقد إضطر للإنفتاح نحو الغرب مرة أخرى عام (1964) ليتعامل مع “لندن وواشنطن” معاً.
ولكن مقتنياته الأساس من “بريطانيا” لم تَتَعَدَّ إحتياجات قوته الجوية:-
سرب مقاتلات/هجوم أرضي حديثة “هوكر هنتر-العلامة/9”.
سرب من طائرات “جيت بروفوست” النفاثة للتدريب المتقدم.
سرب هليكوبترات نقل حديثة “ويستلاند ويسّكس”….
(((وقد سقطت إحداها وأودت بحياة الرئيس “عبدالسلام محمد عارف” وصحبه بعد إقلاعهم من “القُرنة” إلى “البَصرة” مساء يوم (الأربعاء-13/4/1966)، وقد كتبتُ عن هذا الحادث بإسهاب خلال الأعوام المنصرمات وسط مقالات متتابعة نُشِرَت بشكل واسع)))
آخر مقتنيات العراق من السلاح الأمريكي
أما مُقتَنَيات “العراق” من “واشنطن” فقد كانت متواضعة، وإقتصرت على:-
(134) ناقلة أشخاص مدرعة (M-113) -ذات القابلية البرمائية- مُركّبة على سطح كل منها رشاشة ثقيلة (براوننك-50%عُقدة) ومزوّدة بجهاز لاسلكي (العلامة/9) مداه (40) كلم، وقد إستلمها فوجا المشاة الآلي الأول والثاني التابعين للواءَين المدرَّعَين/6و12.
ناقلات من الطراز ذاته للإسعاف الطبي.
عجلات حمل مختلفة (ريو، دودج باور، يوتيليتي).
عدد من عجلات الإنقاذ الثقيلة.
ست سنوات قضيتُها من عمري مع الـ(M-113)
أن لي مع عجلة القتال المدرعة (M-113) -الرائعة- تأريخ مديد من العمل، فمنذ (تموز/1966) -وقتما نُقِلتُ من الحرس الجمهوري وإلتحقتُ بفوج المشاة الآلي/1-اللواء المدرع/6 المنتشر بسَراياه الثلاث في بقاع “قضاء جمجمال”- وجدتُ الفوج وقد تسلّم لتوّه (67) منها، فتدرّبتُ لأسابيع متتاليات على سياقتها وإستخدام رشاشتها الثقيلة “براوننك-50%عُقدة” والعمل على جهازها اللاسلكي، حتى بانت إحتمالات حرب (حزيران/1967)، فتحركنا نحو “المملكة الأردنية الهاشمية” يوم إندلاعها ولم نلحق أوارها، فرابط لواؤنا على الجبهتَين الأردنية-السورية بمثابة ((قوة إحتياط ضاربة)) طيلة ما يقارب (أربع) سنوات قبل العودة لأرض الوطن.
وكم إرتحتُ لدى تخرّجي في كلية الأركان والقيادة عام (1974) وعُيِّنتُ “ضابط ركن حركات” بمقر لواء المشاة الآلي/8 عندما وجدتُ الـ(M-113) -المحبوبة على نفسي- أمام ناظرَيَّ في مقر اللواء وأفواجه الثلاثة، فإستكملتُ معها عاماً آخرَ قبل أن أُنقَلَ إلى قيادة الفرقة المدرعة/3 لأعود آمراً للفوج الثاني من اللواء ذاته (1977) ليبلغ مجموع ما عاصرتُه مع هذه العجلة ما يقارب (ست) سنوات من خدمتي العسكرية.
مزاعم التسليح الأمريكي للعراق أثناء الحرب مع إيران
وفي الوقت الذي أرفع معذرتي لمقام المتابع الكريم لتشعّبي الواسع بهذا الشأن إبتغاء وضعه بصورة وافية عن واقع التسلّح لدى الجيش العراقي وقواته المسلّحة، أعود لصُلب عنوان مقالتي هذه، لأشهد للتأريخ بما يأتي:-
أن “العراق” تعامل مع “الولايات المتحدة الأمريكية” في مجال التسليح والتجهيز العسكري (ثلاث) مرات، كانت على التوالي في الأعوام (1940، 1956)، يُضاف إليهما للمرة الثالثة والأخيرة عام (1965).
إنقطعت العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين بُعَيدَ “حرب حزيران/1967” وسَحَبَ “العراق” سفارته وأغلق ملحقياته في “واشنطن”، ومن بينهم ملحقه العسكري “العميد الركن محمد طيّب كَشمولة” والذي عُيِّنَ آمراً للوائنا المدرع/6 وقتما كنا متمركزين حوالَيّ مدينة “المفرق” في أرض المملكة الأردنية الهاشمية.
أن ما يُفتَرى بأن “الولايات المتحدة الأمريكية” قد دعمت “العراق” بالأسلحة والمعدات في سنوات حربه مع “إيران”، فإنه يُجافي الحقيقة المطلقة حتى بعد عودة العلاقات الدبلوماسية بين “بغداد” و”واشنطن” عام (1986).
ولربما يثير البعض سؤالاً عن ماهيّة الهليكوبترات الأمريكية التي تواجدت لدى “طيران الجيش العراقي”، فأجيبه بـ”نعم”… ولكن تلك كانت مَدَنيّة صرف وغير مسلّحة بالمَرّة، وبأعداد -لا أعرفها لعدم متابعتي لها- من هليكوبترات متوسطة الحجم طراز “بيل-214-S.T”، وأخرَيات خفيفات “هيوز-500” تسَع (5) أشخاص، وعدد من المصَمَّمات للتدريب الأساس “هيوز-300” تسع شخصين فقط.
(((وقد تعرّضت إحدى طائرات “بيل-214” لحادث –ما زالت الظنون تدور حوله- وسط عاصفة ترابية وأودت بحياة وزير الدفاع “الفريق أول الركن الطيار عدنان خيرالله” ومرافقيه أثناء عودتهم من مصيف “سرسنك” إلى “بغداد” عصر يوم (4/5/1989)…. وسأكتب عن هذه الواقعة الأليمة في قادم الأيام بعون الله تعالى))).
ولقد كنتُ شاهداً على مجريات التسليح والتجهيز مع الدول المصَنِّعة المتعاملة مع “العراق”، وذلك بحكم منصبي “مُديراً للإيفادات والدورات والوفود الخارجية بوزارة الدفاع” لأربع سنوات متتاليات (1984-1988)، حيث كان يستحيل أن يوفَدَ أي ضابط أو جندي خارج الوطن للتدريب على أي سلاح مستورَد، أو لأي غرض تدريبي أو تطويري آخر ((عدا الأمور الإستخبارية بالطبع)) إلاّ عن طريق شُعبتي.
أما ما تحدّث به الزميل “الفريق الركن وفيق السامرائي” -مصحوباً بأغلظ الأيمان- عن تعاون معلوماتي حصل بين الإستخبارات والمخابرات العراقيتَين مع الجانب الأمريكي، فإني لا أستطيع نفيَه أو تأييدَه بالمطلَق، كون “السيد الفريق” أدرى مني -ومن غالبية ضباط القوات المسلّحة العراقية- في هذا الشأن الخطير، كونُه قد قضى معظم عقود خدمته في المسلك الإستخباراتي.
وفيما يخصّ زيارتَي “دونالد رامسفيلد” للعراق ولقاءَه مع الرئيس الراحل “صدام حسين” عامَي (1982، 1983)، فقد تأكدتُ ((مؤخراً)) أنه جاء بصفته مبعوثاً للرئيس الأمريكي “رونالد ريغان” إبتغاء إعادة العلاقات بين الدولتين، وليس كما يَزعُم البعض أنه كان صاحب شركة لإنتاج الأسلحة؟؟؟!!!!- وقد أُعيدت عام (1986)، كما هو معروف… وقد يمتلك الزميل “الفريق وفيق السامرائي” صورة أفضل عن تلك الزيارة.
وفي الختام أضيفُ مُؤكِّداً على أن “العراق” خلال عقود الستينيّات والسبعينيّات والثمانينيّات، قد إستورد بشكل رئيس -وعلى قدر ما تسعفني الذاكرة- معظم أسلحته وأعتدته ((الثقيلة)) من الدول الآتية:-
الإتحاد السوفييتي:- والمُقتَنَيات منه يتطلّب سردُها لمجلّدات.
فرنسا:- مدرعات “بانهارد”، هليكوبترات “بوما، اللّوَيت-3، غزال، سوبر فرِيلون”، طائرات “ميراج F-1” بأنواعها، طائرات “سوبر إتندارت- مُستَعارة”، عجلات حمل مختلفة، رادارات “رازيت” للإستطلاع الميداني.
آلمانيا الغربية:- هليكوبترات (BO-105)، ناقلات دبابات، عجلات حمل مختلفة.
الصين الشعبية:- دبابات، مدافع، وعدد محدود من الطائرات المستعملة.
جيكوسلوفاكيا:- ناقلات أشخاص مدرّعة “سكود”، طائرات تدريب أساسي “L-29” وتدريب متقدّم “L-39”
الهند:- أعتدة مدافع (25رطل) عام (1974) فقط.
يوغوسلافيا:- مدافع ميدان “D-30″، ناقلات أشخاص مدرّعة “M-60”.
النمسا:- مدافع ميدان (155ملم)، شاحنات “شتاير”.
سويسرا:- طائرات مروحية للتدريب الأساسي “برافو”، وأُخرَيات للهجوم الأرضي “PC-7، PC-9”
بريطانيا:- رادارات أرضية “سامبلاين” لإستمكان الهاونات.
أسبانيا:- مدافع مقاومة دبابات (106ملم)، أعتدة طائرات، طائرات.
إيطاليا:- (سبع) هليكوبترات نقل متوسطة “أوكستا بيل” مَدَنيّة للرف الجمهوري خصيصاً… وقد أبرم العراق عام (1979) عقداً ضخماً -بواقع حوالَي (مليار) دولار- مع “إيطاليا” لبناء أسطول عراقي يضمّ (4) طرّادات و(4) فرقاطات محمّلة بالهليكوبترات ومجهَّزة بأفضل الأسلحة الثقيلة مع سفينة تموين واحدة، ورغم إكمال بناء البعض منها خلال عقد الثمانينيات فإن أيّاً منها لم تبلغ المياه العراقية.
البرازيل:- مدرعات “كاسكافيل”، ناقلات أشخاص مدرعة -لا أتذكر إسمها-، طائرات “توكانو” للتدريب الأساس، وأعتدة ثقيلة متنوعة.
اليابان:- هليكوبترات مدَنيّة (BK-117) للرف الجمهوري خصيصاً، معدات هندسية متنوعة.
جنوب أفريقيا:- مدافع (155ملم) عن طريق وسيط.
دبابات -مستعملة- (T-54، T-55) بأعداد محدود من “مصر” والبعض من دول أوروبا الشرقية عام (1981).
أما مُقتَنَياتُه من المعدات ((الـمَدَنية)) الثقيلة ذات الإستخدام المزدوج -والتي عادة ما كان عدد من الوزارات الخِدمِية تتعاقد عليها وتستلمها قبل أن تَفيد منها مقتضيات المجهود الحربي- فقد إقتصرت على دول ذات صيت “اليابان، آلمانيا، الولايات المتحدة الأمريكية” بشكل خاص.
وبسبب سيطرة البحرية الإيرانية ومخاطرها على الملاحة المتجهة نحو الموانئ العراقية في أقصى شماليّ الخليج، فإن تلك الأسلحة المستوردة كانت تُنزَل عادةً في ميناءَي “العَقَبة” الأردني و”يًنبُع” السعودي ((وليس في الموانئ التركية)) قبل نقلها براً إلى “العراق”.
وقد إستثمر “العراق” طائرات النقل العسكري الضخمة (إليوشن-86) لدى قوته الجوية العملاقة بتسجيل العديد منها لدى شركة الخطوط الجوية العراقية بصفة (طائرات نقل مدنية)، وإستخدمها في نقل الأعتدة (الذخائر) من دول محددة إلى قواعده الجوية مباشرة.
والله على ما أقول شهيد… ولديّ المزيد -من دون تبجّح- مما يطيل عنه وحَوالَيه الحديث.