22 ديسمبر، 2024 12:58 م

هل في العمل القضائي خطورة على صحة القاضي؟

هل في العمل القضائي خطورة على صحة القاضي؟

قبل أيام معدودة علمت بان احد الزملاء القضاة قد أحيل إلى التقاعد لأسباب صحية ، وهذا الأمر قد أثار استغرابي لأنه ما زال في عنفوان عطائه ولم يلحظ عليه سوء صحته، ثم استعرضت الفترة الماضية منذ عام 2020 ولغاية الآن فلاحظت كثرة إحالات القضاة إلى التقاعد لأسباب صحية ، وبعضهم في بداية حياتهم القضائية وفي أعمار بعضها في منتصف الأربعين من عمره أي انه في الفترة التي يتسم بها بالشبابية والعنفوان وتمام الصحة، وسبب تحديد الفترة من عام 2020 ،لان وزارة الصحة في الثلث الأخير من ذلك العام شكلت لجنة طبية خاصة بالقضاة تتولى النظر في طلبات الإحالة إلى التقاعد، ومن الجدير بالذكر إن تلك اللجنة كانت اكثر يسراً في إجابة طلبات الإحالة من سابقاتها، وهذا عن تجربة شخصية لأني حاولت منذ عام 2017 ولغاية عام 2020 ولمرتين أمام اللجنة الطبية الأولية ومرتين أمام اللجنة الاستئنافية، ولم افلح في الحصول على قرار بالإحالة إلى التقاعد، مع اني أعاني من اعتلال الصحة في العمود الفقري وغيره من الأمراض الأخرى، كما ان إدارة مجلس القضاء كانت تسعى معي على إحالتي إلى التقاعد، لأنها لمرتين هي من تبادر إلى استئناف قرار اللجنة الطبية الأولية الذي كان يقضي برفض طلبي واعتباري مؤهل للعمل، بمعنى إنها طلبت من اللجنة ان تقرر إحالتي إلى التقاعد، ومع ذلك لم افلح بالحصول على قرار الإحالة، إلا في ظل اللجنة المشكلة خصيصاً للقضاة لاحقاً، لذلك لابد من الوقوف على الأسباب الصحية لعمل القضاة، لان استمرار الحال سيؤدي إلى فقدان كوادر قضائية مهمة، وكما يعلم الجميع ان إعداد وتأهيل القاضي لا يأتي بين ليلةٍ وضحاها، وإنما عن دراسة وتدريب شاق لسنواتٍ عدة، ومن ثم يخضع لظروف عمل تكون معياراً لتقييمه من اجل شغل المناصب القضائية العليا، لذلك اقترح ان يتولى مجلس القضاء وبالاستعانة بالمختصين في الصحة على دراسة هذه الظاهرة من اجل معرفة أسباب الإصابة بالإمراض التي تدعو إلى الإحالة على التقاعد المبكر ومن ثم طرح المعالجة للحفاظ على صحتهم من اجل الاستمرار بإداء مهامهم، مع الإشارة إلى ان إعداد القضاة هو اقل بكثير مما يجب عليه في ضوء عدد نفوس الشعب العراقي، حيث ان عددهم 1600 قاضي بما فيهم أعضاء الادعاء العام وهذا ما ذكره رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان في تصريحه لصحيفة الزمان في عددها الصادر بتاريخ 6/2/2020 حيث قال (عدد القضاة في العراق لا يتجاوز ألفاً و600 قاض وهو لا يتناسب مع الكثافة السكانية)، لذلك فان الإحالة إلى التقاعد لأسباب صحية وبهذه الكثافة خلال عام او عامين الذي يكاد يناهز العشرين حالة أو اقل أو اكثر بقليل، فانه يشكل ظاهرة لابد من الالتفات اليها لأنها تؤثر في عدد القضاة مع وجود هجمة شرسة لأقصائهم وباي وسيلة وأخرها حالات القتل التي طالت عشرات القضاة وأخرهم الشهيد القاضي احمد فيصل، مع انعدام وسيلة التعيين المباشر من المحامين والحقوقيين الذين لهم ممارسة لأكثر من عشر سنوات، بعدما قضت المحكمة الاتحادية العليا بقرارها العدد 157/اتحادية/2021 في 9/1/2022 بعدم دستورية المادة (36) من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 بناء على دعوى أقامها رئيس مجلس القضاء الأعلىـ اضافة لوظيفته، وكانت هذه المادة وسيلة تسعف الإدارة القضائية لسند النقص من خلال اختيار الكفاءات من المحامين والحقوقيين لتعيينهم قضاة دون المرور بالمعهد القضائي الذي يكون التقديم اليه بتنافس وامتحان ويأخذ وقتاً وفي العام الواحد يعلن عن دورة واحدة ومن ثم الدراسة لمدة سنتين، وان المادة (36) من قانون التنظيم القضائي كان النص فيه على وفق الاتي (ثالثا – ا – يجوز تعيين المحامي والموظف من حملة شهادة البكالوريوس في القانون قاضياً بمرسوم جمهوري اذا امضى مدة لا تقل عن عشر سنوات في مهنة المحاماة او العمل بالمحاكم ولم يتجاوز عمره خمسين سنة استثناء من شرط التخرج من المعهد القضائي )، لذلك فان دراسة هذه الحالة المتعلقة بالاسباب الصحية ليس بمهمة مجلس القضاء فقط ، وإنما على جمعية القضاء العراقي ، وكذلك على المؤسسات الصحية ان تنهض بدورها في البحث والوقوف على الأسباب ومن ثم المعالجة، لان استمرارها ينبئ على ان العمل القضائي فيه خطورة صحية على القاضي، وتوفير ظروف صحية لأداء العمل هو حق أساسي لكل مواطن وأكده الدستور النافذ في المادة (31/أولا) التي جاء فيها الاتي (أولاً:- لكل عراقي الحق في الرعاية الصحية، وتعنى الدولة بالصحة العامة، وتكفل وسائل الوقاية والعلاج بإنشاء مختلف أنواع المستشفيات والمؤسسات الصحية)