22 ديسمبر، 2024 10:17 م

هل فقد قادة الاسلام السياسي الشيعي القوة الدافعة للبقاء بالسلطة؟

هل فقد قادة الاسلام السياسي الشيعي القوة الدافعة للبقاء بالسلطة؟

يعتمد نجاح اي نظام سياسي او اقتصادي في مجتمع ما الى مجموعة عوامل أهمها مايطلق عليه “القوة الدافعة” Driving Force)).فعلى من يريد تبني نظام معين اذن ان يجد القوة الدافعة التي تساعد ليس فقط على نجاح تطبيقه بل وعلى استدامته كذلك. تنقسم القوى الدافعة، حسب رأيي، الى: أصلية متجذرة في ثقافات الشعوب وتقاليدها، واصطناعية مفتعلة لتعبئة الشعوب من أجل تحقيق هدف وطني او حزبي معين.
وكمثال على القوى الدافعة الاصلية: الآمش أقوام ذات اصول المانية وسويسرية يعيش معظم الامريكيين منهم في ولايتي اوهايو وبنسلفانيا في الولايات المتحدة الامريكية، يتبعون الكنيسة القائلة بتجديدية العماد(Anabaptist) . يتميزون باتباع تقاليد عملية شاقة إذ يستيقظ أفراد أُسَرِهم مبكرا قبل بزوغ الشمس. بعد الافطار يذهب الاطفال الى مدارسهم ويبدأ الكبار اعمالهم الشاقة المتمثلة بحراثة الارض ودراس الحنطة والبذر. لم يستغل الآمش التكنولوجيا في اعمالهم ويفضلون اتباع الطرق التقليدية الازلية فلا جرارات ممكننة ولا آلات كهربائية بل يعتمدون على الخيول في جر عربات النقل التي فيها يتنقلون وفي حراثة حقولهم، وهذا يضفي صعوبة أكثر على عملهم الشاق اصلا. العمل عندهم لايتوقف من شروق الشمس حتى غروبها وقلما ياخذون راحة. هكذا تقاليد تمثل القوة الدافعة لنجاح نظام اقتصادي يعتمد على الكدح المتواصل والانتاجية العالية لذا من السهل جدا ان ينجح النظام الرأسمالي في هكذا بيئة أجتماعية، وليس من الصعب ان تستشرف فشله لو اعتمد مثلا في مجتمعات الدول العربية الغنية بالمصادر الطبيعية المملوكة من قبل الدولة كالغاز والبترول.
ويعتبر طموح الشعوب الصينية لاحياء الامبراطورية الصينية القديمة والهيمنة على النظام العالمي المعاصر والحيز الذي يحتله هذا الطموح في الوعي الجمعي والثقافة الشعبية أحد أهم القوى الدافعة لنجاح النظام الاشتراكي وتاليا التقدم التنكنولوجي المطرد الذي شهدته الصين خلال فترة وجيزة، أي منذ ان تولى الشيوعيون حكم البلاد عام 1949.
أما القوى الدافعة المصطنعة فمنها على سبيل المثال اختلاق حكومة دولة ما لعدو خارجي او خطر داخلي يهدد كيان وسلامة الأمة، والغاية منذ ذلك هو توحيد الامة ووقوفها خلف تلك الحكومة لمآرب معينة، وهذا نشهده كل يوم تقريبا في عالمنا المعاصر.
في عراق مابعد 2003 نجح السياسيون الشيعة العرب في تعبئة الجماهير الشيعية اعتمادا على القوة الدافعة ” الاصلية” المذهبية والتي تستمد شرعيتها من ” القضية الشيعية” (Shiite Cause)التي يجتمع حولها شيعة العالم عامة وشيعة العراق بشكل خاص. لادامة الروابط والتذكير بالخلاف التاريخي بينهم وبين غيرهم من المذاهب الاسلامية، ركز رجال الدين الشيعة العراقيين على استحضار مظلومية الأئمة الشيعة ( كثير منها مفتعل أو مبالغ فيه) وتحييد واضطهاد اتباع المذهب الشيعي التاريخي الذي استمر لقرون عدة والتركيز على ان من اضطهدكم خلال هذه السنين الطوال هم اتباع من اضطهد أئمتكم، ممن يحملون نفس الفكر والنفس الاقصائي.
لقد أسرف قادة الشيعة ممن قادوا الحكومات التالية لنظام البعث المنحل، أسرفوا في تقديم الدعم الحكومي المادي والمعنوي وسخروا امكانات الدولة لدعم الشعائر الدينية الشيعية لادامة زخم القوة الدافعة التي استثمروها لل 16 سنة الماضية في محاولة منهم لبلورة هوية شيعية طائفية بالضد من الهوية الوطنية تستند الى الاختلاف -وليس الى التشابه- مع بقية طوائف ومكونات الشعب العراقي غايتهم من وورائها أطباق سيطرتهم على الحكم الى الابد. ومثلما غالبا مايتصدرعنوان تخفيض الضرائب في الولايات المتحدة الامريكية الأجندات الانتخابية لجميع مرشحي الرئاسة ، تصدر عنوان دعم احياء مراسيم استشهاد الحسين بن علي (عليهما السلام) اجندات مرشحي الاحزاب الاسلامية الشيعية في الانتخابات البرلمانية .
أما القوة الدافعة المفتعلة التي اتبعها الساسة الشيعة في تعبئة الناخب الشيعي وضمان صوته فهي التخويف من شبح عودة حزب البعث الذي مارس كل انواع التعذيب والتقتيل ضدهم ومنعهم من ممارسة شعائرهم الدينية. وقد نجحوا في هذا نجاحا كبيرا حتى الاول من تشرين الاول من هذا العام 2019 اذ شهد الشارع الشيعي احتراق هاتين الورقتين، فكانت مفاجأة صادمة لسياسييهم الماسكين بالسلطة لانهم وعوا على أمر لم يستشرفوه وبالتالي عجزوا عن ايجاد قوى دافعة بديلة، لا أصيلة ولا مفتعلة. والذي عَقّدَ الأمر عليهم اكثر هو اكتشاف الجيل الشيعي الجديد لاستراتيجية قادتهم التعبوية المضللة على مدار ال 16 سنة الماضية.
شهدت حكومات مابعد 2003 فسادا ادارايا وماليا وسياسيا قل مثيله وتاليا فشل غير مسبوق في توفير ابسط عناصر العيش الكريم ل 38 مليون نسمة يعيشون على ارض تنز بترولا وتتفس غازا طبيعيا، تُفَصِّدُها جعافر نهرين عظيمين.وكان الكذب والنفاق والفساد الذي ميز غالبية القادة السياسيين العراقيين وعلى الاخص الشيعة منهم، أدى الى انفضاض اتباع المذهب من حول قادتهم وخفتت جاذبية الخطاب الطائفي الشيعي وفقدت فزاعة عودة البعث رهبتها، فوجد سياسيو الشيعة انفسهم عراة فجأة وهم في طريقهم الى الطرد من جنة السلطة مالم يلجأوا للعنف للتشبث بالحكم. اضافة الى فساد وفشل قادة الاسلام السياسي الشيعي الذريع في تحقيق طموحات اتباعهم، ثمة عوامل اخرى ساعدت على كساد خطابهم الطائفي للتغطية على فشلهم أهمها أن هكذا خطاب لم يلق آذاناً صاغية من الجيل الجديد ( الجيل الالفيني) الذي نشأ علمانيا بطبيعته ولم يتذكر حكم البعث وبالتالي فشلت جهود تخويفهم من عودة حكم لم يخبروا جرائمه، والأمر الآخر متعلق بتأثيرات العولمة والعصر الرقمي حيث صار العالم قرية بفضل تطورعلم المعلوماتية (Informatics) الذي أجاد الجيل الجديد استعمال ادواته لينكشف كل العالم امامهم، وتواصلوا مع مجايليهم في الدول الاخرى وبالتالي صاغوا مطالبهم وطموحاتهم وفق المقاييس العالمية للحقوق والحريات فبار الخطاب الديني المحلي.