19 ديسمبر، 2024 3:25 ص

هل فقدنا الهوية الوطنية‎

هل فقدنا الهوية الوطنية‎

لعل موضوع الهوية الوطنية الاكثر جدلا في العالم ، حيث يصعب تحديد ماهيتها وعناصرها ، رغم ان نظرية هوفسد تستند الى الابعاد الثقافية ومدى تاثيرها على قيم المجتمع بما يحقق اندماج الفرد بالمجموعة . . ولكنني ارى بكل بساطة ان الهوية الوطنية هي شعور الفرد بالولاء للوطن وحبه للناس الساكنين فيه . وهذا لايعني تطابق نظرة الناس الى بعضهم البعض او تشابه ثقافاتهم وعاداتهم او لغاتهم ، بل يعني توافق الناس على مثل عليا تتعلق بالمكان والافراد القاطنين فيه . ان هذا الشعور الجمعي تجاه الارض والسكان هو الذي يحدد حبنا للوطن ، وهو الذي يمنحنا الهوية الوطنية . . ان الولاء والاخلاص للوطن قد اكتسبناه من ابائنا وترسخ على مدى التاريخ المشترك . وبالاعتماد على هذا الاساس نرى ان الهوية الوطنية في العراق قد اهتزت بعد الاحتلال الامريكي عام 2003 ، حيث تم ترويج مفاهيم وافكار تحط من القيم الوطنية وعلى وفق منهجية مقصودة للقضاء على الشعور الوطني واحلال مشاعر وولاءات بديلة اخرى . فاصبح الولاء الى مناطق محددة او طائفة دينية او قومية او احزاب . . ونقوم بالدفاع عنها ، لانها تمثل لنا في هذه الفوضى مساحة الامان والاستقرار النفسي بعد ان تم تهديد وجود الفرد العراقي وتهديد كيانه واسرته ومستقبله ، ولم يعد الوطن يجمعنا . ان اختلاف الولاءات والدفاع عنها قد ادت بنا الى اختلاف الراي واشهار السلاح بوجه الاخر الذي لايوافقنا على هذا الراي ، واخذنا نتحدث داخل الوطن الواحد بمنطق ( نحن وهم ) ، وهذا اخطر مايمكن ان يواجه شعب من الشعوب . .
 فكلمة نحن كانت تعني نحن العراقيون . اما الان فتعني نحن الحزب او الطائفة او القومية او الدين . . . وكاد ينقطع الخيط الذي كان يجمع حبات الوطن ، كالمسبحة او القلادة الجميلة التي كنا نتزين بها . ومن هذا القبيل يريد الكورد الانفصال عن العراق ، لان الحكومة المركزية لا تلبي حاجاتهم الاساسية . واهل نينوى يريدون الحكم الذاتي لان المركز يمارس التفرقة تجاههم . واهل البصرة يتجهون نحو الكونفدرالية لان المركز يستاثر بخيرات المدينة وهي محرومة من ابسط الخدمات . والتركمان يريدون الحكم الذاتي في كركوك لتجنب الذوبان في مجتمعات قومية اخرى . وهكذا . . . كما ان بعض العراقيين يروجون لعقائد دول على حساب عقيدة المواطنة العراقية مثل هذا الذي يمجد قاسم سليماني وذاك يروج لافكار السفير السعودي ، او يتبنى من منطق ديني وطائفي اطروحات اردوكان المتناقضة والمتخلفة . وهكذا نتبنى عقائد غريبة عن عقائدنا ، ونهمل قيمنا ووطنيتنا العراقية . 
ومن منطلق هذا الواقع الاليم نتسائل ما الذي يعيدنا الى منطق المواطنة العراقية . . هذا المنطق الذي يعني حبنا لمنتخب كرة القدم العراقية ، وتعلقنا بالشاعر بدر السياب او سفرات كوردستان ، او زيارة مراقد الامامين الحسين واخيه العباس عليهما السلام . ومشحوف الاهوار ، والمقام العراقي ، والالحان العراقية الجميلة . . . لعل الامر لم يفت بعد ، حيث يمكننا تأصيل روح المواطنة من خلال بعض الخطوات التي تساعدنا على ترسيخ مفهوم المواطنة العراقية ، وايقاف منطق التعصب والعداء الذي ابتلينا به . . ومن هذه الخطوات : 
اولا _ الخطاب الاعلامي الموحد ، الذي يركز على المشتركات بين فئات المجتمع العراقي ولا يثير مواطن الخلاف والاستهجان .
ثانيا _ القضاء على المظاهر المسلحة ، واعادة تشكيل جيش عراقي موحد وقوي ، يشترك فيه كل المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم المناطقية او الدينية او الطائفية . 
ثالثا _ مجلس الخدمة العامة الذي يحدد فيه وصفا للوظائف وتعيين المواطنين على وفق متطلبات وشروط الوظيفة ، وليس على وفق القرابة او الانتماء الى حزب او طائفة .
رابعا _ اصدارقانون المواطنة الذي يعاقب الاشخاص الذين يثيرون النعرات الطائفية او القومية ، مع تشديد العقوبة اذا كانت الجريمة بدافع عرقي او طائفي او ديني . 
خامسا _ تشجيع الفعاليات الفنية والمسرحية والثقافية التي ترسخ روح المواطنة وايثار الفرد في خدمة المجتمع . 
سادسا _ اعداد مناهج تربوية لمختلف المراحل الدراسية تؤكد على مفاهيم المواطنة واحترام العلم العراقي والنشيد الوطني . 
سابعا _ التركيز في دور العبادة كافة على غرس روح المواطنة ، واعتبار حب الوطن من الايمان . . وتجنب اثارة المواضيع الخلافية بين افراد المجتمع الواحد .
ان تعميق روح المواطنة بين الافراد وخصوصا الاجيال الجديدة سيحدد لنا الهوية الوطنية العراقية . اذ من دون هذه الهوية الوطنية سوف لن يكون لنا اي اعتبار من شعوب العالم .

أحدث المقالات

أحدث المقالات