أقترحت زيارة نوري المالكي لأمريكا جملة أمور ينبغي أن تدرك من قبل الطبقة السياسية الحاكمة في العراق ، أبرزها ان الإدارة الأمريكية لن تتنازل عن العراق بكونه صناعة سياسية اصبحت تشكل رقماً في مؤشرات حضورها وتاثيرها في الشرق الأوسط .
اسلوب القياس الذي اتضحت مقدماته في اجواءالإستقبال اللاودية للمالكي ومايترتب عليها من مواقف إجرائية مستقبلية ، يوجد مايقابلها في الإدارة الإيرانية ايضاً بصفتها اللاعب الآخر والمنافس للدور الأمريكي في العمق العراقي .
الخطأ الإستراتيجي الذي انشكف عراقياً ، إخفاق إدارة مكتب المالكي وطاقمه الإستشاري وكذلك وزارة خارجيته ، في دورين متواليتين ، معنى أن يكون للعراق استراتيجية تضع له إعتبار وقوة وثقل بين الإدارتين المتنازعتين ، الأمريكية والإيرانية ..!
أنما اشتغل على مبدأ توافق المصلحتين أو نقطة توازن الطرفين الدوليين الأمريكي الإيراني ، دون حساب ليوم ينتهي به هذا الدور ويكون العراق خارج المعادلة ، وهو مايحصل الآن ، بعد الإنفتاح والتصالح الأمريكي الإيراني .
كان الضمان الرئيس والقوي للمالكي في دورتين رئاسية أمضى أكثر من نصفها بدعم كبير من الطرفين ، أن يصنع مصادر قوته من الداخل العراقي ، أي من مشروع نهوض عراقي واستثمار سياسي وإجتماعي واقتصادي وفي السياسة الخارجية ، وتحقيق تحولات نوعية في الحياة العراقية في بسط الأمن وتوفير الخدمات ، وإعادة الثقة للمواطن بدوره وحكومته ومستقبله بدل هذا الصراع والتشكيك والتفرقة وانتشار الجريمة والفساد وتقوية شوكة الإرهاب والعنف وهذه الإنهيارات التي ترافقه ، وكلها تقع في نطاق حكومته الفاشلة الفاسدة .
التوبيخات الصادرة عن أعضاء الكونغرس الأمريكي ، وحالة الإزدراء ونبروة الإرشاد التي وجهتها الإدارة الأمريكية للمالكي بصفته تلميذاً غبيا، لم يدركها لا هو ولا فريقه الإستشاري ، لأنهم بلا ذاكرة سياسية ، لأن الذاكرة قرينة العمق السياسي الذي يرصد ذلك ويفقه معنى الإشارات في التعامل الدولي .
الأمريكيون لايختلفون عن الإيرانيين في وضع مصلحة بلدهم في المرتبة الأولى ، وقراءة المعطيات الداخلية والخارجية في التعامل مع أي موقف أو حادث دولي ، بصرف النظر عن العلاقة الشخصية أو المبادئ التي يفكر بها صبيان السياسة ..!
وماواجه المالكي من قبل الأمريكان سوف يلقى مثيله من قبل الإيرانيين . ولأنه فقد أهمية وجوده داخليا في عمق الأزمات والمشاكل البنيوية التي صنعها للعراقيين في سبع سنوات ونصف ، فأن سياق أعماله ومنهجه الفردي الإستبدادي لن ينجح في إعادة دورة الدكتاتورية ، لأن القرار لم يبق فردياً وداخلياً كما حصل في زمن صدام حسين ، إنما هو محكوم بثلاثة أضلاع رافعه للدور وهي الرصيد الداخلي ، القبول الأمريكي والأقليمي ، اضافة الى الدعم الإيراني ، فقدان الوضع الداخلي أو الوطني هو الأساس أو قاعدة المثلث الذي يقوم عليه الضلعان الآخران ، وهو ماكشفت عنه تفاصيل الإحتجاجات الأمريكية ، وسينسحب على موقف الرفض الإيراني ايضاً لأسوأ إدارة حكومية تتحكم ببلد اسمه العراق .
[email protected]