18 ديسمبر، 2024 8:52 م

هل ضاعت الفرصة امام “الوسطيه” في العراق ؟

هل ضاعت الفرصة امام “الوسطيه” في العراق ؟

في كتابه الذي حمل عنوان:(سعد صالح.. الضوء والظل) ، يشير الدكتور عبدالحسين شعبان إلى أن السياسي والأديب العراقي سعد صالح (جريو) ولد عام 1894، كما تقول بعض المصادر، أو العام 1897، أو العام 1900، كما تشير مصادر اخرى. وفي الكتاب المذكور يقول الدكتور شعبان أن سعد صالح توفي في (17/شباط(فبراير/1949). ومن الواضح ان عمره زاد قليلاً عن خمسين عاماً لكنه عمر حافل بالعطاء المتنوع..

سعد صالح في ذكراه

واتذكر: عام 1956 اندلعت التظاهرات في العراق استنكاراً للعدوان الثلاثي (الانكليزي الفرنسي الاسرائيلي) على مصر كنت حينها في الصف الثاني المتوسط وفصلت من الدراسة بتهمة الاشتراك في مظاهرة قامت في متوسطة سوق الشيوخ لهذا الغرض. وهناك قول متداول بأن السياسي عندما يفصل من وظيفته أو دراسته، يصبح شغله (قراءة الجرائد). وهذا ما فعلته كان ذلك عام 1957، وفي واحدة من تلك (الجرائد) لعلها كانت (اليقظة) قرأت عنواناً بارزاً وبقي هذا العنوان يُلازمني طيلة العقود العديدة الماضي ، ولست أدري لِمَ والعنوان هو: سعد صالح في ذكراه الثامنة. تلك كانت أول محطات تعارفي غير المباشر مع السياسي العراقي سعد صالح.

عام 1989

ومرت عقود من الزمن حتى كانت سنوات النصف الثاني من الثمانينيات من القرن الماضي لعله كان عام 1989، في ذلك العام كنت أعمل بجريدة (الاتحاد) الصادرة عن اتحاد الصناعات العراقي، ومعي كان يعمل بالجريدة الصحفي رشيد الرماحي وعن طريقه وصلتني نسخة من كتاب صدر آنذاك عن الأديب والسياسي سعد صالح كان عنوان الكتاب: سعد صالح في مواقفه الوطنية، تأليف الدكتور علي كاشف الغطاء وقد صدر في بغداد عام 1989. ويبدو ان احدى كريماته (لعلها الدكتورة ضحى سعد صالح) كانت تتابع طبع وتوزيع الكتاب الذي قوبل باهتمام كبير في الوسط الإعلامي خاصة.

في دار الشؤون الثقافية

وكانت المحطة الثالثة في متابعتي لعطاء الأديب سعد صالح، دار الشؤون الثقافية العامة شمالي العاصمة العراقية بغداد كان ذلك في الربع الأخير من عام 2012، حينها كانت الدار تقيم اصبوحة ثقافية تحدث فيها الدكتور عبدالحسين شعبان عن الطبعة الثانية من كتابه (سعد صالح:الضوء والظل الوسطية والفرصة الضائعة)، وعن كتابه(الجواهري جدل الشعر

والحياة). وكنت من بين المتحدثين عن الكتابين ومؤلفهما وتسلمت من الدكتور عبدالحسين شعبان نسخة من الكتابين، إهداءً ثميناً اعتز به. وكنت قد رجوت الدكتور شعبان ان يكتب تقديماً لكتابي الذي سيصدر هذا العام، وعنوانه (بعيداً عن المطابقة ، قريباً من الاختلاف: حوار الحضارات يبدأ من هنا) ووصلني التقديم وفيه أشار المفكر والباحث عبدالحسين شعبان إلى جانب من وقائع ندوة دار الشؤون الثقافية ومداخلتي فيها. وهنا أُكرر شكري وامتناني لما وصلني منه من تقديم لكتابي المذكور ، وتقريض لكتابي الذي صدر قبيل عام 2014، وحمل عنوان:

(على ضفاف الكتابة والحياة الاعتراف يأتي متأخراً).

هل ضاعت الفرصة حقاً؟

ومنذ أيام عكفت مجدداً على قراءة كتاب (سعد صالح: الضوء والظل) قراءة متأنية. وأول ما يلفت الانتباه ماجاء في عنوان الكتاب: ((الوسطية والفرصة الضائعة)) وثمة تساؤل يطرح: ما المقصود بالوسطية: هل هي دلالة مكانية فقط؟ أما انها موقف فكري وسياسي ينأى وربما يصطدم باليمين من جهة واليسار من جهة أخرى؟ فأذا كانت الافكار وجهات نظر أساسية في قضايا أساسية فأن ذلك يلغي حياديتها ووسطيتها ولشيوع هذه المفردة في اللغة الفكرية والسياسية، نتفق مع المفكر الدكتور عبدالحسين شعبان بأن هناك (وسطية) في الحياة الفكرية والسياسية العراقية، فهل أن الفرصة ضاعت أمام هذه (الوسطية)؟. لنترك الجواب عن هذه التساؤلات لنقدم عرضاً مختصراً بمحتويات الكتاب.. ضم الكتاب ثمانية فصول وفي الفصل الأول بحث المؤلف عن: النجف والفرصة الواعدة بعرض البيئة الثقافية والفكرية والسياسية والدينية التي نشأ فيها سعد صالح. وفي الفصل الثاني وحسبما يذكر المؤلف فأنه انتقل وهو يتحدث عن سعد صالح من النجف الى العراق من خلال فرصة حالمة وذلك بدخوله المعترك الوطني والاجتماعي والاداري، سواء بتسجيله ذاكرة الرمستقبل أو من خلال ارهاصاته الأولى للاصلاح الذي ينشده. وكان الفصل الثالث بعنوان: الفرصة الوطنية ((أهلك وطنك)). وكرس المؤلف الفصل الرابع لدور سعد صالح الأدبي وكان بعنوان:(البلاغة الفرصة الحائرة). وخصص الفصل الخامس لابداع سعد صالح فيما تناول الفصل السادس: الفرصة الشخصية بفحصها سسيولوجياً وتاريخياً..وتناول الفصل السابع سعد صالح وأبناء جيله : الفرصة الصادقة. وكان الفصل الثامن بعنوان: المواطنة والفرصة الضائعة واشتمل الكتاب على فهرس للاعلام والمدن والأمكنة ويقول المؤلف انه وضع اضمامة للكتاب هي أقرب الى الملاحق. ومن الواضح ان الباحث الدكتور عبدالحسين شعبان قد بذل جهداً كبيراً وعناءً في تأليف الكتاب وتعزيزه بالمصادر والهوامش العديدة ذات الصلة. انه كتاب يسد فراغاً مهماً في التاريخ العراقي السياسي المعاصر.