18 ديسمبر، 2024 7:48 م

هل سينقذنا العلم من الشعور بالإهانة لغياب غاية الوجود ومعناه ؟

هل سينقذنا العلم من الشعور بالإهانة لغياب غاية الوجود ومعناه ؟

(( تصفعني بالإهانة حقيقة أننا مخلوقات وجدنا من دون غاية عاقلة ومعنى ، أرفض المشاركة في مهزلة هذا الوجود )) كان الصديق خالد مروان يتكلم بمرارة ووجع أصابني بالعدوى ، والرعب من مستوى الحساسية الحادة لكرامته بوصفه كائنا عاقلا يبحث عن الجدوى والمعنى لحياته ، خالد بلغ مرتبة قصوى في مساءلة بديهيات الوجود ، وأخذ يرفض حتى قوانين الضرورة !

– ما الذي جرى عزيزي خالد ؟

– لم أعد أشعر بالإنتماء للحياة والبشر .. وعندي رفض للكون وطبيعته ، أنا لست خروفاً كي تستمر الحياة بعلفه بالأوهام والأحلام والإنشغالات لغاية مجيء لحظة الموت ، أرفض هذه المهزلة .

فقد خالد الإرتباط بكل شيء ، المسكنات المضادة للشعور بتفاهة الحياة وغياب المعنى أصبحت بلا فائدة ، لم يعد يستمتع بالقراءة والبحث والتفكير في مكتبة المتحف البريطاني ، حاول ان يغرق في الجنس وعوالمه ومغامراته ، لكنه تعرض الى مشكلة غريبة ، بعد كل ممارسة جنسية كان يشعر بالإشمئزاز من نفسه والندم ، وكانت صديقته تتهمه بالوحش الباحث عن ملذاته دون مراعاة مشاعرها فقد كان يطبق عليه الصمت والإكتئاب وهي تشعر بجانبه كما لو انها عاهرة وليست شريكة محترمة .. إعتزل الجنس ، ودخل في فراغ فظيع !

سألت خالد :

– في الطب النفسي توجد حالة الامراض (( النفسية – الجسدية )) فالحالة النفسية ونوعية الأفكار تؤثر بالجسد وبما ان الجهاز العصبي والدماغ جزء من الجسد ألا يحتمل ان أفكارك الوجودية تتحول الى طاقة مادية مضرة للدماغ وينتج عنها مشاعر الإكتئاب والعبث وإنعدام الجدوى ؟

صدمني خالد مروان بجوابه ، لم أكن أتوقع منه سرعة البديهية هذه والحضور الذهني وهو في تلك الحالة ، إذ أجابني :

– وما الذي سيتغير من الحقيقة لو كانت أفكاري متفائلة وصحتي النفسية والعقلية سليمة .. هل ستتبدل حقيقة الوجود ونكتشف له غاية ومعنى ؟

كان معه حق وفق معتقداته ، ولايمكن مصادرة الوعي بمصطلحات الطب العقلي ، إذ يوجد فراغ لمبرر وجودنا نحن البشر ، وأيضا لوجود الكون ، لاتوجد جهة ما تخبرنا عن مبرر حياتنا ، لماذا نحن هنا فوق الأرض مع الحشرات والحيوانات سجناء ننتظر لحظة موتنا ، وأي إنسان يحترم منطق العقل بعيدا عن الترهيب .. لايقتنع بمبررات الأديان حول سبب تواجد البشر من أجل العبادة وغيرها ، من أجل الرب ، ومن مصلحة الشخص العابد وفق صفقة متبادلة .. لعل محدودية الفكر البدائي الديني لاتمتلك غير هذا الجواب بشأن قصة الخلق الأسطورية ، وربما يُطرح سؤال هنا : لو كان البشر خُلقُ من قبل الله – إن وجد – مع هذا هم صناعة فاشلة أخفقت في نشر الخير والعدالة والمساواة على الارض ، وبدل هذا نشرت الظلم و الجرائم والحروب وسفك الدماء ، فكيف الرب الذي يدعى الكمال المطلق ينتج عنه هذه المخلوقات المشوهة ؟!

ان أملنا الوحيد في تقدم العلم ونجاحه في وقف الموت وجعل حياة البشر دائمة أبدية ، وخلق إنسان متطور يخلو من الأنانية والشر ويحب الخير والعدالة .. عندها تصبح حياة البشر الخالدة هي المعنى والغاية بما توفره لنا من سعادة دائمة في وجود الخير .

خالد مروان لم ينتظر مجيء لحظة موته .. إختار هو تحديدها وغادرنا منتحراً وذهب من العدم الذي كان يشعر به الى عدم الموت .. بقيت مدة طويلة كلما أفتح جهاز الكمبيوتر وأشاهد إسمه ورسائله … تتلبسني حالة شوق له وأناديه .. خالد .. ياخالد .. وتسكتني دموعي المنهمر على غيابه المأساوي ، وشعوري بالخجل من العيش في حياة بلا معنى !