23 مايو، 2024 11:40 م
Search
Close this search box.

هل سيندثر العراق أطلالاً كما اندثرت بابل

Facebook
Twitter
LinkedIn

منذ كنّا أطفالاً ولغاية مراحل النضوج ثمّ الرجولة لا زالت عالقة في ذاكرتنا الكثير من الحِكايات الّتي كان يحدّثنا بها كبار السنّ لا زلنا نستعيد ها عند كلّ مناسبة .. وكثيراً من تلك الحكايات لحوادث اكتشفنا عندما كبرنا وخضنا غمار التقصّي العلمي أنّها لم تصدر عن فراغ إنّما لها أسانيد وأوّليّات تمّ النسج عليها بمرور الزمن حتّى تغلغلت في الذاكرة الشعبيّة تنتقل كعبر ومآلات إلى ما أصبحت عليه اليوم أطلال وركام ومعالم مبهمة قبل أن يكشف عنها علماء الآثار ويميطون اللثام عن ألغازها .. ومنها ألغاز بابل الّتي دخلت أطلالها ومعالمها المكتشفة في الوعي الطفولي المبكّر للكثير منّا إحداها أنّها “انتقام ربّاني” من أهل بابل “وأنا أشكّ انّ مثل هذا التبرير الشعبي المتوارث وراءه القوّة الّتي أسقطت بابل واحتلّتها” وسبب الانتقام الربّاني ذاك , بحسب الأساطير الشعبيّة , هو زواج ملك بابل من اخته !” ولو دقّقنا سنجد ملامح زرادشتيّة في تلك الرواية ! , ممّا استدعى الربّ أن ينزل غضبه على الحضارة البابليّة ويحيلها تراباً ويخسف بها الأرض ..

وظاهرة العقاب الجماعي “الّذي ينزله الله” جرّاء ارتكاب المعاصي والفواحش صفة قرآنيّة مسطّرة في الكتاب الكريم عن “أهل القرى” آيات لنا وعِبر عن أمم أتاها عذاب الفجأةً جرّاء ما ارتكب أهلوها من آثام وبعد أن صدّوا عن الإنذار ..

والكذب والتحريف واستغلال السذاجة في الناس تجرّ حتماً إلى عواقب اجتماعيّة وخيمة على المدى البعيد ينطبق عليها النصّ القرآني في هذا المجال بعد أن تطمس العقول ويُيأّس منها في مجاهيل غيبيّات لا أساس من واقعيّتها قد تنعكس على سلوكيّات الكثير من السمّاعون لها في حياتهم اليوميّة بالجنوح إلى الاتّكاليّة في كل شيء وإلى التعاطي الساذج بين أفراد المجتمعات وإلى محاربة الحقائق العلميّة ومسلّمات نواميس الكون الثابتة لأجل عيون معلومات يستهويها السامعون لا يريدونها تتلاشى وتذوب في الواقع ؛ فتكتمل عندها شروط “العذاب” فيتفجّر المجتمع من داخله ولا حاجة لعذاب من خارجه ! ..

من يستمع لبعض من ضعيفو الحيلة من أصحاب الرغوة المعرفيّة من المحسوبون على مهام التوجيه الديني , كما في الرابط أدناه , في توصيل المستمع إلى النقطّة الّتي تستحوذ على ملكاته ليسيطر عليه ويحنّطه تماماً كما يسيطر العنكبوت على فريسته بقذف سائل من فمه يحنّط به الفريسة في الحال ؛ بابتداع أقاويل ومختلقات يظنّها هذا النوع من المحدّثين ترفع من شأن من يدعو الناس للتعجّب من “مناقبه” لا يعلم هذا البعض أنّه يهين الرمز الّذي يروّج له , لمن برأسه ملمح من منطق ممّن يستمع إليه , بدل أن يسمو به في أعين أولئك السذّج المستمعون ..

عندما يبتعد الزمن عن حقب وأحداث لها وقعها المزلزل وتأثيرها الكبير في الزمن الّذي حدثت فيها ؛ يبدأ بريقها يهفت ويهفت أكثر كلّما تقادم الزمن عليها وتفقد تأثيرها بعد أن تفقد بريقها الفعلي ويكاد يتلاشى في أعين المجتمعات الّلاحقة , وتلك إشكاليّة يعاني منها المتأثّرون بتلك الحقب وعادةً ما يكونون منتفعون من تلك الأحداث بالتوارث “سيّد وما إلى ذلك” إن لم يكن الانتفاع مادّيّاً فوجاهةً اجتماعيّة , لذلك يلجأ المنتفعون لترويج بضاعتهم القديمة بعناية فائقة يغلب عليها التلميع ونحت الألفاظ والتعابير المنمّقة مع إسباغ قدرات خارقة عن العادة مع إلقاء مؤثّر وممتع الأداء بعد أن يجنح بها خياله المريض ليضفي بظنّه على  تلك الشخوص هالة من القدسيّة توصلها لحدود الألوهيّة بما يحصّنها ويحفظها من كلّ نقد أو شكّ .. ومع ذلك قد لا يقتنع بها المتلقّي الّذي عادةً ما يكون من شريحة السذّج بما يلقي عليه الخطيب أو المحدّث ولكّنه يوافق على ما يستمع كمسلّمة ليست بحاجة إلى تمحيص أو بشكل أدقّ “يخاف أن يفقد خاصّيّة متوارثة “منعشة” تخفّف عن كاهله هموم المعيشة فيما لو نشرها أمام سيل مكبوت من كم هائل من التساؤل الحتمي المعتلج في فطنته” .. ومثل هؤلاء الخطباء أو المحدّثون نجد لهم ما يقابلهم من طوائف أخرى “السنّة” مثلاً ؛ وبما أنّ غالبيّتهم لا يستطيع النفاذ خارج القوالب النمطيّة لطريقة توصيل ما يريد للمستمعين بسبب الرقابة النصّيّة الصارمة من داخل النصّ نفسه “عن فلان وعن الخ” الّتي تحدّ الخطيب , وهي نمطيّة متوارثة عن عصور الانحطاط والتبلّد الفكري .. لذلك كثيراً ما نرى المتلقّي المستمع يغلبه النعاس والملل والاستسلام الكامل لمعادلة “إسقاط الفرض” ..

في بلد مثل العراق .. إذا ما استمرّ تصدّر مجالسه مثل هذا الدعيّ بترويجه لمختلقات غير منطقيّة فإنّ نتائجها الكارثيّة إذا ما تُرك حبلها على الغارب ستدفن البلد وتخسف به الأرض ولا لوم بعد الضياع يوجّه لهذه الحكومة الطائفيّة الغبيّة الّتي إن استمرّت بغضّ طرفها عن انتشار مثل هذه الخزعبلاّت , إذا لم تكن هي من يشجّعها , دون أن تعمل لصدّها بطرق سليمة لا تترك آثار جانبيّة ؛ والاهتمام بشكل جاد بدلاً عن ذلك ببناء شخصيّة المسلم المتعايشة مع الواقع والّتي تحيل حوادثه إلى العقل وإلى المنطق وعلى احترام سير آل البيت واحترام إمكانيّاتهم الذاتيّة في صيانة أنفسهم باجتهادهم بالتخلّق بالخلق الحسن وفي الصبر على تحمّل النتائج الجانبيّة والأضرار الجسيمة والقتل أحياناً والّتي حلّت بهم جميعها جرّاء تضحياتهم وهم يحثّون الرعيّة على التخلّق بالآداب الإسلاميّة والبحث والتحرّي عنها وعن الحقّ وعدم التنازل عنه مهما كان الظلم طاغياً .. إن لم تعمل هذه الحكومة الّتي وصلت الحكم هي نفسها بالصدفة وبقراءة فنجان من ترسّبات قهوة نسكافيه والمتّهمة بتعمّدها عكس رزاياها على الشعب فلا يرى غير الصدفة تقوده والفنجان والأفلاك تخطّط له مستقبله سيفقد هذا الشعب أحاسيسه بالعالم الخارجي شيئاً فشيئاً وستتحطّم على ضفافه ما تبقّى من وطنيّة لديه وسيفقد بالتدريج أيّ إحساس بانتماء وطني وبالتالي سيفقد الإحساس بالعلاقة بينه وبين ثروات بلده الهائلة ممّا يعرّض البلد للنهب أكثر من الحاصل الآن بكثير وإلى فتح أبواب الاستيلاء المفتوح لهذه الثروات من جهات قادمة من وراء الحدود تعرف كيف تستقرئ “السماوات” تحرّكهم كالدمى
..
http://www.youtube.com/watch?v=BVaqopOBMWo

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب