تسعى الكثير من الدول الإقليمية وخاصة المحيطة بالعراق (الكويت، إيران، تركيا والسعودية) الى تقسيم العراق لمصالحها المتباينة، وحيثُ تلتقي على هدفٍ واحد وهو تجنب عودة العراق القوي الواحد الموحد.
كذلك أصبح لدى البعض من الدول الكبرى القناعة التامة لإعادة تقسيم دول المنطقة، ومنها العراق، وإعادة رسم الخارطة الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط ولأسباب عديدة لا تخفى على أحد، ومن أهمها الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
فلو قسّم العراق لا قدر الله الى ثلاث أقاليم، فسيكون هنالك إحتمالين لا ثالث لهما، احلاهما مر.
الإحتمال الأول: هو إستمرار الحروب الى ما لا نهاية بين الأقاليم على أراضي متنازع عليها وإن كانت صغيرة، حيثُ من المستحيل تحديد حدود للأقاليم سترضي جميع الأطراف وذلك للتداخل الديموغرافي بين طوائف المجتمع العراقي، وكمثال بسيط فأن الموصل قبل مائة عام كانت بأكثرية كردية والآن بأكثرية عربية ولا يزال الكرد يدّعون أحقيتهم بالموصل، وستبقى عيونهم متجهة الى الموصل في حالة شمولها بالإقليم السني، وستكون بؤرة توتر دائمي بين السنة والكرد، وهنالك عشرات القصبات الأخرى بين الإقليم الكردستاني والإقليمين الشيعي والسني ستكون كقنابل موقوتة لإثارة الحروب بين الأقاليم، كذلك بغداد كانت قبل عشرات السنين بأكثرية سنية والآن بأكثرية شيعية، فهل ستصبح بغداد بطرفيها الكرخ والرصافة كبرلين الشرقية وبرلين الغربية اللتان كانتا تتأثران بالحرب الباردة بين قطبي الصراع الدولي الشرقي والغربي مع إختلاف جذري لهذا الأمر في تقسيم بغداد، إذ ستشجع الدول الكبرى الصراع بين طرفي بغداد لمصلحتها وليس كحالة برلين التي لم تدخل الحرب الفعلية بين طرفيها، وإنما كانت هنالك فترات حرجة تبعاً لتأثيرات الحرب الباردة، أما في الحالة العراقية فان الحرب بين الأقاليم ستكون هي الحالة الطبيعية وسيكون السلام هو الحالة الإستثنائية، وسيعتمد على قوة الإقليم وترسانته العسكرية والظروف السياسية الدولية، وسنرى حروباً مستمرة تتخللها سنوات سلام لا تلبث أن تنهار ويتجدد القتال، خاصة وان حاضنة هذه الحروب ستكون متواجدة دائمة بسبب الإختلاف المذهبي بين الأقاليم (شيعة وسنة) أو الإختلاف القومي (كرد وعرب)، إضافة الى ان تغذية هذا الصراع سيتم تحت رعاية الدول الإقليمية المحيطة بالأقاليم (تركيا،أيران) لمصلحتهما في إقناع الأقاليم للإنضمام اليهما كلاً حسب مذهبه، وكذلك الكويت التي تبدو ظاهرياً بعيدة عن المشهد العراقي، لكن في حقيقة الأمر لديها حصة الأسد في دعم تقسيم العراق وإبقاءه في حالة الفوضى وعدم الإستقرار ومحاولتها بدفع سياسيي الدول الكبرى (امريكا وبعض الدول الأوربية ذات التأثير السياسي الدولي) والمدفوعي الثمن على دفع العراق الى الهاوية أو تقسيمه وجعل الأقاليم تتصارع فيما بينها لإبقائها في حالة ضعف لتفادي شرورها!!، وحيثُ سيعود هذا الأمر بالفائدة الى الدول المصنعة للأسلحة التي ستجد سوقاً دائمياً رائجاً لها لبيع السلاح للأقاليم المتصارعة خاصة وأن الأقاليم الثلاثة ستكون غنية بالثروات النفطية والمعادن الأخرى وستبقى الأقاليم في حالة إنهيار إقتصادي ونزيف بشري مستمر!!.
وأما الإحتمال الثاني فهو: إنضمام الأقليم السني الى تركيا والإقليم الشيعي الى إيران وبأسرع وقت بعد إعلانهما الإنفصال، وسيكونان مجرد تابعين ذليلين لإمبراطوريتين عنصريتين هما الفارسية والعثمانية وسيعاني سكان الإقليمين مدى الدهر من التمييز العنصري، ولنا في هذا المجال تجارب عديدة ماثلة، منها أقليم عربستان في إيران ومناطق تواجد الأكراد في جنوب شرق تركيا.
فسياسيو هاتين الدولتين (ايران وتركيا) لديهما تطلعات توسعية بإعادة أمجاد الإمبراطوريتين الفارسية والعثمانية ولا يهمهما كثيراً الإنتماء الديني أو المذهبي، وإن يظهروا الآن تعاطفهم وحرصهم وتباكيهم على شيعة وسنة العراق ولأسباب سياسية توسعية واضحة للبصير قبل المبصر.
وللعراقيين تجارب مريرة تحت الحُكمين الفارسي والعثماني، أما أقليم كردستان فسيكون من بين أسوأ الأقاليم الثلاثة لأنه سيكون بين كماشتي الأمبراطوريتين اللتين سوف لن تتركانه ينمو ويقوى بتطلعاته الوحدوية لقيام دولة كردية تضم المناطق الكردية في إيران وتركيا، وسيكون لعائلة البرزاني المتمثلة برئيس إقليم كردستان/العراق مسعود البرزاني المسؤولية التاريخية الكبرى في إبادة الشعب الكردي وتعرضه للتنكيل من قبل الفرس والأتراك بدلاً من بقائها (أي العائلة) الآن في نظر الكرد في المنطقة كرمز لتحقيق الكثير من المكاسب لكرد العراق، وربما لم يدرك مسعود البرزاني قواعد اللعبة السياسية الدولية بعد، فصديق اليوم في السياسية من السهولة أن يصبح عدو الغد وينقلب عليه حلفائه بلمح البصر لمصلحة بلدانهم، أو لتغير الإتفاقيات بين الأقطاب الرئيسية في السياسة الدولية، عندها ربما ستعطي هذه الأقطاب الضوء الأخضر لإيران وتركيا لضرب الكرد ولجم جماحهم، وسوف لن تفيدهم حتى إسرائيل لأنها ستبحث عن مصلحتها أيضاً.
وبإعتقاد المحللين السياسيين فأن تردد مسعود البرزاني في إعلان الإنفصال عن العراق هو تخوفه من المجهول القادم مع المستقبل لمصير الكرد في المنطقة والذي ستحدده السياسات الدولية وليس إرادة الشعب الكردي فقط، لذا نراه يستخدم كارت الإنفصال للإبتزاز السياسي في ظروف الفوضى السياسية الذي يعيشها الطرف الآخر من حكومة المركز.
ومن المؤكد من أن السنوات القادمة ستكون حبلى بالأحداث المثيرة التي ستحدد المستقبل السياسي والإجتماعي لدول المنطقة ومكوناتها، وأملنا كبير بالوطنيين لتفادي الإنجرار وراء اللعبة الدولية التي ستطيح بشعوب المنطقة وتجرها الى الويلات والمآسي أكثر بكثير مما هي عليه الآن.