شرعت الكويت ببناء ميناء مبارك الكبير وهو ميناء يقع في شرق جزيرة بوبيان الواقعة شمال الكويت، على خور عبد الله الممر المائي العراقي باربعة مراحل و بـأربعة أرصفة مع وجود مخطط هيكلي مستقبلي يصل إلى ستين رصيفا ليكون واحداً من أكبر الموانئ في الخليج العربي.
ومن المقرر ان يرتبط مع “سكة القطار الخليجي” التي تخدم الميناء وهناك افكار وخطط لمد السكة إلى العراق وإيران وتركيا.
لقد أنشأت الكويت هذا الميناء لاهداف عدة أهمها هو جعل هذا الميناء اللبنة الاولى لمشروع القناة الجافة والتي هي القناة التي تربط الخليج العربي بأوربا ذلك أن الكويت ليست بحاجة الى موانئ جديدة لحاجتها المحلية وليست بحاجة الى ميناء يقع الى الشمال الشرقي من أراضيها وبهذه السعة التصميمية.
كما سعت الكويت من هذا المشروع على تأكيد حدودها الدولية مع العراق والتي أقرها مجلس الامن الدولي بشكل جائر تحت طائلة الفصل السابع وبموجب القرار 833 لسنة 1993 والذي أعترف العراق به سنة 1994.
القناة الجافة التي كانت يجب أن تبدأ من ميناء الفاو الى اوربا عبر طرق برية وسكة قطار أصلها ماسمي في حينه قطار الشرق السريع او خط سكك حديد (4B) برلين – بوسفور – بغداد – بصرة وهو مشروع ألماني ويذكر الدكتور هاشم عبود الموسوي على احدى صفحات الانترنت هذه الحقائق عنه نقلتها بتصرف:
(قبل مائة عام بالنسبة للمثقفين الألمان كان اسم “بغداد” يكتنفه سحر رومانتيكي فهناك كان مقر الخليفة الاسطوري هارون الرشيد الذي حكم من 786 وحتى 809 وهناك جرت احداث حكايات وقصص الف ليلة وليلة . كانت بغداد رمزا للشرق الحافل بالاسرار والغني بثرواته مما اثار الرغبة في الاستيلاء عليه وهكذا اثار مشروع بناء خط سكة حديدية من قونية في جنوب غرب الاناضول الى سواحل خليج البصرة عبر بغداد غرائز الطامعين واصحاب البنوك في برلين ولندن وبطرسبورغ واخذ بلبهم.
شرع القيصر الالماني فيلهلم الثاني ومدير البنك الالماني جيورج فون سيمنس خلال زيارتهما للشرق عام 1898 بالتفاوض مع السلطان عبد الحميد الثاني بشأن مشروع مد الخط الحديدي الضخم. وكان السلطان عبد الحميد هو الذي بادر بمشروع بناء ذلك الخط. فقد كان العراق في حينه خاضعا الى حكم السلطان المستبد الماكر الذي كان معنيا جدا بمواصلة مد الخط الواصل بين القسطنطينية اي الاستانة وقونية الذي انجز في الفترة بين 1888 و1896 وربطه بالخليج فقد كان مثل هذا الخط بالنسبةللدولة العثمانية ذا اهمية بالغة في المجال الاقتصادي والستراتيجي العسكري.في عام 1902 حصلت شركة الاناضول للسكك الحديدية التي اسسها البنك الالماني على امتياز لمدة 99 سنة يحق لها بموجبه بناء وتشغيل خط طوله 3200 كيلو متر يربط بين قونية وخليج البصرة يضاف لذلك استخراج الثروات المعدنية في المناطق التي سيمر بها الخط. في عام 1903 تأسست شركة خط بغداد الحديدي بمشاركة رأسمال فرنسي ايضا وكانت ادارة هذه الشركة تحت سيطرة البنك الالماني واصبح آرثور فون جيفيلنر البنك الالماني الجديد رئيسا للشركة .في شهر يوليو/ حزيران من عام 1903 بدأ العمل بالبناء وفي شهر اوكتوبر من نفس السنة شرع بتشغيل قاطع قونية بورغولو وطوله 200 كيلومتر.ورغم تقلبات السياسة الالمانية الدولية ظل خط بغداد الحديدي هو المحور الاساس في مجال نشاطات سياسة المانيا الخارجية التوسعية.
أن هذا المشروع وفكرة مده إلى الكويت قد لاقى معارضه شديدة من بريطانيا وكذلك روسيا وفرنسا . وأحدث مواجهات دبلوماسيه وصلت إلى حد التوتر وإلى أقامة الصفقات السياسية بين بريطانيا وروسيا وفرنسا ، متجاوزين خلافاتهم وحروبهم التي خاضوها في تلك الفنرة ، من أجل إيقاف المشروع الألماني وفي حقيقة الأمر لم يكن الخوف نابعاَ من المشروع بقدر ما كان خوفاً من التوسع الأستعماري لإلمانيا ضد التوسع البريطاني والفرنسي والروسي
وفعلت هذه الدول كل ما في جهدها لاحباط تلك المساعي. وفي عام 1904توقفت تماما ‘ولفترة طويلة‘ اعمال البناء غير انه في سنة 1911 تجددت اعمال البناء وتم حل مشكلات تقنية وهندسية معقدة منها على سبيل المثال حفر نفق طوروس الكبير.
في عام 1918 وعندما إنهارت الامبراطورية العثمانية ولم يتم بعد مد جزء طوله 300 كيلومترا تأجل انجازه حتى عام 1940‘ وفي يوم 15 يوليو تموز 1940 جرى لاول مرة تشغيل الخط بين اسطنبول وبغداد).
مع تطور وسائط النقل البرية وزيادة سرعة القطارات والناقلات مقارنة بالوسائل البحرية ومع عصرالعولمة ونهوض الصين ودول النمور السبعة في شرق اسيا ومنها كوريا الجنوبية صاحبة مصانع السيارات العملاقة التي تغزو اوربا وازدهار امارات الخليج العربي وموانئها ومع تغير نظام الحكم في العراق بعد 2003 عاد التفكير بأهمية القناة الجافة لربط الشرق بأوربا كبديل استراتيجي عن المرور بالبحر الاحمر وقناة السويس ومنه الى موانئ البحر الابيض المتوسط ولم يكن صدام مهتما بهذا المشروع مطلقا لهذا فكرت الكويت بانشاء ميناء مبارك وأخذت المبادرة من العراق الذي يفتقر للقيادة الوطنية القادرة على التفكير والعمل المنتج وفرضت على حكومة نوري المالكي القبول والسكوت عن هذا المشروع كما عرقلت الكويت بطرق شتى انشاء ميناء الفاو الذي أهملت الحكومات المتعاقبة بعد 2003 المضي به ثم فرضت الكويت على العراق وبتواطئ حكامه اتفاقية تنظيم الملاحظة في خور عبد الله عام 2013 بعد أن أصبح ميناء مبارك حقيقة واقعة بينما أصبحت فرصة نجاح ميناء الفاو وموانئ العراق القديمة متضاءلة.
لقد استطاعت الكويت من أن توعز للمالكي لعزل وزير النقل المهندس عامر عبد الجبار عن منصبه بسبب مناكفته للجانب الكويتي وعدم منحه الربط السككي الذي يمنح ميناء مبارك فرصة الحياة للعمل واستقبال البضائع العراقية ثم نقلها بخط سكة الحديد بين الميناء والبصرة مما يتسبب ذلك الى قتل الموانئ العراقية المتقادمة والبعيدة نسبيا عن المياه العميقة للخليج العربي وقد سمع الوزير عبد الجبار بذلك صراحة من قبل ممثل الكويت في أحدى الاجتماعات بأن الوزير الجديد سوف يوقع اتفاقية الربط السككي بين العراق والكويت وهذا ما حصل بالفعل لاحقا.الان أثارت احدى النائبات قضية خور عبد الله رغم أنها كانت من المقربين للسيد المالكي ولم تقم بواجبها البرلماني في الطعن بالاتفاقية التي صوت عليها مجلس النواب عام 2013 وبعيدا عن التصريحات الفارغة أود أن اقدم رؤية لهذه القضية وفق المعطيات الراهنة.يأمل العراقيون أن تجرى الانتخابات القادمة في عام 2018 باشراف اممي وبمفوضية انتخابات اكثر استقلالية ونزاهة ونظام انتخابي أكثر عدلا وأن تأتي الانتخابات بوجوه جديدة وأنا لي الأمل أن تكون متحررة من ضغوط الدول الخارجية ومنها الكويت لكي تعمل لمصلحة العراق أولا وأخيرا وعند ذلك يمكن للعراق أن يتقدم بطلب الى مجلس الامن والامم المتحدة او محكمة العدل الدولية لاعادة النظر بما فرض عليه من قرارات قبل 2003 ومنها قرارات ترسيم الحدود.
وبموازاة ذلك لابد للحكومة العراقية أن تعمل على تفعيل مشروع القناة الجافة ودعوة الكويت وتركيا وألمانيا للدخول في معاهدة رباعية تتضمن انشاء البنى التحتية اللازمة للقناة عن طريق الاستثمار وتضمين ذلك انشاء الطرق الجديدة وخطوط السكك والمحطات خارج المدن العراقية الحالية مع مناطق الاستراحة والخدمات مما يوفر فرص عمل كبيرة للايدي العاملة في العراق كذلك عقد اتفاقيات لانشاء شركات مشتركة لادارة وتشغيل القناة ودعم القطاع الخاص في هذا المجال بالاستفادة من الخبرات الاوربية .أما بشأن ميناء مبارك فأنه يمكن فرض شروط على الكويت يضمن لها استثمار ميناء مبارك لعدد من السنين مثلا مع ايجاد نهايات محددة تضمن مصلحة مستديمة للعراق أو الاستغناء عن الميناء في حالة اصرار الكويت على تحقيق مصالحها على حساب العراق والتعجيل ببناء ميناء الفاو وتحديث الموانئ الاخرى عن طريق الاستثمار بمساهمة مع تركيا وألمانيا.ان الفوائد الاقتصادية والاجتماعية لتفعيل القناة ستكون هائلة للعراق خاصة ونحن نشهد تراجعا سوف يستمر في الايرادات النفطية كما ان للمشروع أبعادا سياسية وأمنية ايجابية حيث سيكون للبلدان المشتركة ولسائر الدول المستفيدة مصلحة في استقرار العراق وسوف يعزز مكانة العراق الاقليمية والدولية و تعم الفائدة على جميع أنحاء العراق من شماله الى جنوبه ويمكن الاطلاع على محاضرات الوزير المهندس عامر عبد الجبار للتعرف على حجم الفوائد الاقتصادية المرجوة من هذا المشروع الاستراتيجي الوطني مع ملاحظة أن الاخ المهندس عامر لايؤيد فكرة ضم الكويت الى مجموعة الدول المساهمة فيه.ان ضم الكويت للمشروع وانتظار نتائج العمل الديبلوماسي فيما بخص الحدود المشتركة يؤمن تكاملا بين الدولتين الشقيقتين ويساعد على معالجة اثار الماضي وما خلفه غزو صدام عام 1990 او ما خلفه الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 والذي جاء بارادة كويتية مؤثرة ومانتج من ذلك من اثار مدمرة على العراق والمنطقة بشكل عام ويعيد صياغة العلاقة وفق مصالح مشتركة طويلة الامد.من الطبيعي ان يواجه هذا المشروع تحديات ومعرقلات قد تؤخر أو تمنع من تنفيذه بسبب تأثيره على دول أخرى بشكل مباشر كما ان هناك عدة دول لاترغب بأن ترى العراق وهو يمتلك خطوط التجارة العالمية والمكانة والموارد الاضافية الا أن مكانة الكويت خليجيا وتركيا اقليميا والمكانة التي تحظى بها ألمانيا اوربيا ودوليا سوف تكون عاملا مهما في انجاز المشروع .
[email protected]