23 ديسمبر، 2024 4:05 ص

هل سيكون أردوغان البطل السياسي لتحرير الموصل؟

هل سيكون أردوغان البطل السياسي لتحرير الموصل؟

من المعلوم أنّ لتركيا بحزبها الحاكم الآن “حزب العدالة والتنمية” وبجذوره وتوجهاته الدينية (تأسس من إنشقاق البعض من نوّاب حزب الفضيلة الإسلامي) أطماع لم تعد خافية لإحياء الإمبراطورية العثمانية أو جزءاً منها، وحيثُ وجد اردوغان الفرصة مواتية للبدأ بمشروعه إبتداءً من الموصل ولأسباب تاريخية وجيوسياسية، مستغلاً ديموغرافيتها الفريدة وضعف الدولة العراقية وحكومتها المركزية والصراع الطائفي الذي سعت تركيا مع جارها وعدوها التاريخي إيران إلى تغذيته ومدّه بوسائل الديمومة لتحقيق هدف إسترجاع الحكم العثماني أو الفارسي على المنطقة.  
وما تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على هامش إجتماعات الأمم المتحدة يوم الأحد المصادف الخامس والعشرين من أيلول الماضي بتحديده لساعة الصفر لإنطلاق عمليات تحرير الموصل في التاسع عشر من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وإعلانه لأسم القطعات المشاركة في التحرير بالإسم (القوات المسلحة العراقية والبيشمركة الكردية) كما نقلتها وسائل الإعلام وعلى ذمّتها الخاصة، إلا التأكيد على التدخل السافر في الشأن العراقي من دول الجوار، ولإستفزاز قطعات الحشد الشعبي التي ربما إنصاعت للنداءات المتكررة من جهات عديدة لعدم الإشتراك في دخول الموصل لحساسية وطبيعة التكوين المجتمعي فيها والإكتفاء فقط بالدعم اللوجستي، وهذا ما لا يرضي أردوغان وسياسته، وحيثُ يرغب في عدم إنصياع الحشد الشعبي لنداءات عدم دخول الموصل، ليكون لقواته المبرر لدخولها بحجة حماية المكوّن السنّي فيها.كذلك رغب أردوغان في إرسال رسالة أخرى إلى رؤساء الدول المشاركة في إجتماعات الأمم المتحدة على ان تركيا هي صاحبة القرار، وإرسال رسالة ثالثة لِمن يهمه الأمر على أن الموصل أصبحت بحكم المنتهي من أنها تابعة لتركيا، وبأنّ رئيسها أردوغان هو صاحب القرار لإعلان ساعة الصفر لتحريرها وتحديد مَنْ سيشترك من القطعات لتحريرها، بالإضافة إلى تعمده تجاهل السيادة العراقية على الموصل بتجاهل رئيس وزرائها حيدر العبادي كقائد عام للقوات المسلحة، بغض النظر عن ضعف إدارته وعدم سيطرته على مجمل القرارات والأوضاع لظروف العراق السياسية المتدهورة، وتشعب مراكز القوى فيه، مع فقدان المركزية في إدارة الدولة.
 من جانب آخر أراد أن يبعث أردوغان برسالة للموصليين على انه الجانب الأقوى في المعادلة، وانه يعطيهم المعلومة لأخذ الحيطة والحذر لضمان ارواحهم.
 كما ان أردوغان أعطى الضوء الأحمر لداعش للإستعداد للمنازلة والتهيّأ لها بكافة وسائلهم، لاغياً مبدأ المباغتة في إعلان ساعة الصفر وكما هو معروف في الدراسات العسكرية، ولربما تساهل معه الدواعش لإخلاء الموصل بعد مقاومة بسيطة!!!، ليدخل هو دخول الفاتحين المنتصرين اليها، وليكسب قلوب وتأييد المحاصرين من أبناء الموصل، وليؤكد للجميع رسائله السياسية التي بعثها في جميع الإتجاهات.لقد تطرقتً في مقالات سابقة الى ضرورة إفشال اهداف المتصيدين في المياه العكرة، وها هو أردوغان يعلن عن نفسه بأنه أحدهم، عازفاً على أوتار الطائفية في مقابلة تلفزيونية مع قناة “روتانا خليجية”، كما اوردتها شفق نيوز، حيثُ عزف عزفاً نشازاً لا تستسيغه مسامع العراقيين الوطنيين قائلاً: “يجب أن يبقى في الموصل عقب تحريرها من العناصر الإرهابية، سكانها من السنة التركمان، والسنة العرب، والسنة الكورد”، إنتهى التصريح.الله وأكبر يا أردوغان ما هذا الإهتمام بالبعض من مكونات الشعب العراقي وأطيافه في الموصل، وما هذا التصريح (الخطير) الذي أطلقتهُ؟، وهل جئت بشيءٍ جديد؟؟؟ – – بالطبع يا حامي حمى المسلمين إنهم سيبقون شئت أم أبيت، أنت وأي متآمر آخر على وجودهم، فهم أهل الدار، ليسوا بحاجة الى تصريحك الهزيل للبقاء، فهم بالتأكيد يعلمون كيف يحافظوا على وجودهم، فلا تزال رائحة الطائفية تخرج من فمك ولا تستطيع حجبها، لأنها وببساطة تسري في جوفك كسريان دمائك الزرقاء كما تعتقد انت (يطلق في الوقت الحاضر مصطلح “أصحاب الدماء الزرقاء” على المتكبرين على شعوبهم بمختلف مكوناتها، وقد أُخِذ المصطلح مما كان يُطلقه على أنفسهم النبلاء في إسبانيا).
 فقد أراد أردوغان ان يعزف على وتر المكوّن السني (الديني المذهبي)، لكنه عزف خطئاً وبدون أن يدري على الوتر الطائفي القومي، فخرجت معزوفته بنوتاتها الطائفية القومية بدلاً من الدينية المذهبية.
 فلماذا قدمت يا من تحمل لواء الدفاع عن المذهب المكوّن السني التركماني في الموصل كأفضلية في حرصك على حقوقهم قبل المكوّن السني العربي وهم الأكثرية المطلقة في الموصل؟؟؟!!، ولماذا وضعت المكوّن السني الكوردي في آخر إهتماماتك وتسلسلك؟؟!!!، الم يكن من الأجدر أن تعطي لهذه المكونات حقوقها الكاملة في تركيا قبل أن تجعل نفسك حاميهم المقدام في الموصل؟؟، فلماذا لا تعطي حكماً ذاتياً للعرب والكورد في أقاليمهم المعروفة داخل تركيا؟؟؟!!!، ولماذا أسقطت من حساباتك بقية المكونات المتضررة كالمسيحيين واليزيديين والشبك وغيرهم؟؟؟، وحتى إخواننا التركمان هل تعتبرهم مواطنين اتراك أم مواطنين عراقيين؟؟؟، ولماذا لا تمنح من يرغب منهم الجنسية التركية؟؟!!. وسأقف لحظة هنا لسرد حادثة حدثت أمامي سنة 1993م أمام السفارة التركية في بغداد حين كنّا واقفين في طابور طويل للحصول على الفيزا الى تركيا، وكان واقفاً أمامي أحد إخواننا من التركمان، وحيثُ كان فرحاً ومزهواً بنفسه من ثقته بأن موظف الإستعلامات في السفارة سيعطيه الأفضلية والضوء الأخضر للحصول على الفيزا عندما يعلم بأنه تركماني، وحال وصوله إلى الموظف بدأ بالتكلّم معه باللغة التركية وهو مبتسم، فتفاجئنا جميعاً كما تفاجأ هو أيضاً حين صرخ بوجهه موظف الإستعلامات قائلاً له: “تكلّم بالعربي، فانا أفهم وأتكلم اللغة العربية”!!، فأجابه المواطن العراقي التركماني من أنّ أصله تركي!!، فصرخ في وجهه موظف الإستعلامات ثانية قائلاً له: “كلا، أنت ليس تركي، انت عراقي، ونحن لا نرضى ان تأتي إلى تركيا لتبقى فيها كمواطن وليس كزائر”، ورمى امامه جوازه رافضاً إعطائه الفيزا وسط دهشة الشاب العراقي التركماني ودهشتنا جميعاً!!، لكن الموظف أخذ جوازاتنا العراقية جميعاً ما عدا أخينا التركماني، وطلب منّا ان نأتي في اليوم التالي لإستلام الفيزا، وهذا ما حصل. 
وللذي يرغب من القرّاء الكرام الإطلاع على ما جاء في تصريح رئيس جمهورية تركيا في تلك المقابلة فسيجدها على الرابط أدناه:  http://algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/qosqsah/26203-2016-10-03-07-01-43.html وفي تصريح آخر لأردوغان في يوم السبت المصادف الأول من تشرين الأول الجاري، وخلال إفتتاحه للدورة التشريعية في تركيا للعام الحالي، تكلم بلهجة المتحدي “من ان قوات بلاده سيكون لها دور في عملية إستعادة مدينة الموصل التي تخضع لسيطرة تنظيم “الدولة الاسلامية” داعش منذ حزيران 2014، مشيراً إلى أن لا يمكن لأي جهة منع ذلك”. فهل يحاول أردوغان بتصريحاته النارية هذه إستثارة الحكومة العراقية والحشد الشعبي لتوريطهم في مقابلة عسكرية مع الجيش التركي المتواجد بالقرب من بعشيقة، والمعروفة نتائجها سلفاً لتخفيف الضغط عن حليفه داعش، وليعطي المبرر للعالم أجمع بخطته لإحتلال الموصل وتوابعها!!.
الرابط أدناه يوضح تصريح أردوغان بهذا الخصوص:
https://www.kitabat.com/ar/page/01/10/2016/85919/%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%88%D8%BA%D8%A7%D9%86–%D8%B3%D9%86%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D9%83-%D8%A8%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B5%D9%84-%D9%88%D9%84%D9%86-%D9%8A%D9%85%D9%86%D8%B9%D9%86%D8%A7-%D8%A7%D8%AD%D8%AF-%D8%B9%D9%86-%D8%B0%D9%84%D9%83.html
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل ان مشاركة القوات التركية ستأتي لإنقاذ قادة داعش قبل سقوطهم بيد الجيش العراقي ومن ثمّ فضح إرتباطاتهم مع اردوغان؟؟، ام لأجل تهريب ما تبقى منهم للبدأ بتكوين تنظيم آخر للمرحلة المقبلة؟؟، أم للبقاء في الموصل بحجة حماية التركمان وسنّة الموصل كما يدعي؟؟، أم لإعادة تقسيم جغرافية المنطقة وضم الموصل عنوة الى تركيا على الرغم من الإرادة الدولية والقرار الأممي الصادر عن اللجنة الأممية في سنة 1925م؟؟، أم جميعها معاً؟؟؟. 
وسنرى هل أن أردوغان كان مصيباً بحركته أو لعبته السياسية هذه؟؟، وسيظهر مرة أخرى بمظهر المنتصر بعد أن فعلها سابقاً بسحق خصومه وغربلة الجيش التركي من قادته العسكريين الغير موالين لسياسته وسياسية حزبه بالقضاء على الإنقلاب العسكري المشكوك بجديته وهدفه، أم إنها ستنعكس عليه وتصيبه في مقتل؟؟، إذ لم يبقى على الموعد الذي حدده أردوغان إلا أيام معدودة، وإنّ غداً لناظره لقريب.