لقد شكل الإتفاق النووي بين إيران ومجموعة الخمسة زائد واحد نقطة ضعف لإيران من جهة، ونقطة قوة من جهة أخرى، أما نقطة الضعف فتتمثل بأنها فقدت القدرة على تصنيع السلاح النووي الذي كان يشكل مصدر قلق لأمريكا والدول الأوربية، وبذلك فقدت عنصر الرعب النووي، وأما نقطة القوة فتتمثل برفع العقوبات عنها والتي تضمنت رفع الحضر النفطي والاقتصادي، وبذلك سيكون للجانب الاقتصادي دوراً إيجابيا في علاقاتها مع الخارج، يضاف إلى ذلك أن إيران أصبحت في فسحة اكبر وامتلكت قوة وزخما وانفلاتا وتماديا وتغطرسا تجاه دول الخليج والمنطقة، وبات نظرها شاخصا على تلك الدول بدرجة اكبر مما كانت عليه قبل الاتفاق، وتفاقمت الرغبة الجامحة لإيران في زيادة تمددها وتدخلاتها وممارساتها ونفوذها في تلك الدول وتهديدها لها، وبذلك فقدت دول الخليج والمنطقة الكثير من الفرص التي كان من الممكن أن تستثمرها من أجل حماية أمنها والدفاع عن أنظمتها وقضاياها العربية، ولعل من أبرز الأخطاء التي وقعت فيها هي تخليها عن نصرة العراق وشعبه لتتركه ساحة مفتوحة وفريسة لإيران وأدواتها السياسية والمليشياوية والدينية التي توفر الغطاء الشرعي لها من خلال فتاواها الطائفية، فتحول هذا البلد إلى مصدر دعم لإيران، وتهديد لدول الخليج والمنطقة ولأمنها بعد أن وقع العراق تحت الإحتلال الإيراني الأخطر الأشرس الأكبر، وهذا ما كشف عنه وشخَّصه وحذَّر منه المرجع العراقي العربي الصرخي الحسني في سياق جوابه على استفتاء رفع إليه تحت عنوان: “أضاعوا العراق… تغيّرتْ موازين القوى… داهَمَهم الخطر…!!!”، حيث قال: ((فالدول الآن في وضع خطير لا تُحسَد عليه!!! فبعد الاتفاق النووي اكتسبت إيران قوةً وزخمًا وانفلاتًا تجاه تلك الدول!! وصار نظر إيران شاخصًا إليها ومركَّزًا عليها!! فهل ستختار الدول المواجهة؟!! وهل هي قادرة عليها والصمود فيها إلى الآخِر؟!!)).
فالمشكلة ليست محصورة فقط ومتعلقة بالسلاح النووي بقدر ما هي متعلقة بالمشروع الإمبراطوري الفارسي والتدخلات الإيرانية السافرة والممارسات التي تغذي العنف والتطرف، وهذا يعني أن التحدي والخطر الإيراني لازال قائما، بل وفي ازدياد مضطرد، ومما أدى إلى أن تكون مواجهة ذلك التحدي باتت أصعب من ذي قبل، وهذا يتطلب إلى إعادة النظر في إستراتيجية دول الخليج والمنطقة في تعاطيها مع الخطر الإيراني الذي يداهم تلك الدول، وهو ما تكشف عنه الخطابات والتحركات الإيرانية وخصوصا الأخيرة في العراق واليمن وسوريا عبر المليشيات الخاضعة لها، وينبغي أن تكون من أولويات الإستراتيجية الجديدة هو كيفية تعاطي تلك الدول مع القضية العراقية والسورية التي كان من المفترض أن يكون للعرب الدور الرئيسي والفعال والمؤثر، ولكن…!!!!.القرار الأمريكي القاضي بالسماح لقوات التحالف العربي بقيادة العربية السعودية بالدخول إلى سوريا عبر الأراضي العراقية، حسب ما أعلن عنه وزير الخارجية السعودي الذي صرح بدوره انه سيسحق أي قوة تعترض طريق تلك القوات، ووصول وزير الخارجية الأميركي إلى الرياض لأمر مستعجل، يمكن أن يغير في بعض المعادلات والتوازنات، فيما لو أحسنت تلك الدول توظيفه واستغلاله بما يخدم قضاياها وقضايا الأمة العربية وخصوصا فيما يتعلق بالملف السوري والعراقي، وهنا نتساءل هل ستبادر دول الخليج بقيادة العربية السعودية إلى صولة إستباقية في سوريا لقطع اذرع إيران في الشام؟، وهل ستسعى تلك الدول إلى الحصول على دعم أمريكي أوربي من خلال الضغط عليها واللعب على الكثير من الأوراق التي بحوزتها؟، وبالتأكيد فان قطع اذرع إيران في سوريا سيكون له تأثير كبير جدا على القضية العراقية بما يخدم العراق والعرب، فهل ستستثمر هذه الفرصة التي أتيحت لها، وتغلق باب إضاعة الفرص كما فعلت بالسابق، وتكون أكثر حزم وجدية في مواجهة التحدي الإيراني، وحماية أمنها وشعوبها وإنقاذ الشعب العراقي والسوري القابع تحت سطوة وبطش إيران وأدواتها…؟؟؟، كما قال المرجع الصرخي في نفس الجواب: )) هنا يقال: هل يمكن تدارك ما فات؟!! وهل يمكن تصحيح المسار؟!! وهل تقدر وتتحمّل الدول الدخول في المواجهة والدفاع عن وجودها الآن وبأثمان مضاعفة عما كانت عليه فيما لو اختارت المواجهة سابقًا وقبل الاتفاق النووي…)).