28 ديسمبر، 2024 10:58 م

هل سيفتك المرض الهولندي بالعراقيين؟

هل سيفتك المرض الهولندي بالعراقيين؟

عندما تكون الدولة غنية ومواطنيها فقراء فاعلم أن عدوى المرض الهولندي انتقلت الى تلك الدولة، تعد لعنة الدخل ذو المورد الواحد من أخطر أنواع التحديات التي يوجهها العراق بعد مجازر القتل ومآسي التهجير وانتشار الفساد المالي والاداري والتي احدثت شرخاً كبيراً وفجوة يصعب ترميمها ما بين المواطن العراقي ونظم الدولة.
تم استخدام عبارة المرض الهولندي كمصطلح علمي اقتصادي لأول مرة عام 1977 في هولندا ويمكن تعريف المرض الهولندي بأنه مجموعة من التأثيرات السلبية التي تؤثر بشدة على إقامة اقتصاد سليم.
أعراض المرض الهولندي وتأثيراته في المجتمع العراقي:
1-  ان تفشي المرض الهولندي في العراق يجعل من نظام الحكم المركزي أكثر حضوراً من الحكم اللامركزي، بسبب مرجعية الجميع الى المتجر الرئيسي لبيع النفط المتمثل بالحكومة المركزية، ومن يحاول ان يكسر هذه القادة سيواجه عقوبات لا تخدم مصالحه إطلاقاً، وهذا يفسر الصدام الحاصل بين بغداد وكردستان حول مستحقات الاقليم التي انكرتها بغداد وواجهتها من خلال قطع رواتب الموظفين في الاقليم بسبب تصدير الاقليم للنفط دون الرجوع الى الحكومة المركزية.
2-  إن حكومات البلاد المنتجة للنفط لا ترتبط بمواطنيها، لأنها ليست بحاجة إليهم، لأن معظم مصادر دخل تلك الحكومات تأتى من الموارد الهائلة لصناعة النفط، وهذا ما يجعل الوضع أكثر سوءاً، بسبب الاهمال الحكومي المتعمد لكافة شرائح المجتمع الحرفية والصناعية والزراعية وغيرها.
3-  دول غنية تتمتع بعوائد مالية كبيرة، وفرص عمل محدودة، ومواطنون فقراء، هذا ما نراه الآن في العراق من خلال انتشار البطالة والاعتماد بالدرجة الأساس على التعينات الحكومية التي تأمن رواتب موظفيها من عائدات النفط العملاقة.
4-   يتزايد تصدير النفط والذي يؤدي بدوره إلى ارتفاع قيمة العملة المحلية مما يجعل الصناعة الوطنية أقل قدرة على منافسة البضائع المستوردة، بدليل أن المنتجات والبضائع المستوردة تغزو السوق العراقية، “بكلفة أقل وكفاءة أعلى وإقبال أكبر”، على العكس تماماً من المنتوجات والبضائع المحلية العراقية.
5-  يؤدي المرض الهولندي إلى خلق مناخ سياسي غير حضاري يتسم بالنزعة الديكتاتورية، بسبب تزاوج الثروة والسياسة من خلال سيطرة أصحاب رؤوس الاموال الكبيرة على صنع القرار في البلد.
منذ عام 2003 الى يومنا هذا يعاني العراق من سياسة اقتصادية غير مدروسة أوصلته الى ذروة المرض الهولندي الذي يعتمد أولاً وأخيراً على تصدير النفط، وأن الغالبية العظمى من الشعب العراقي يعيشون على فتات النفط المصدر بعكس الفئات المشتركة والمقربة والموالية للحكومة الذين يتمتعون بهبات كبيرة من أموال النفط العراقي.
إن التخلص من المرض الهولندي الذي أصاب الاقتصاد العراقي وأطاح بقيم النظام السياسي، تتطلب العديد من الحلول بما في ذلك تنويع الصادرات وتشجيع الاستهلاك المحلي وتطبيق نظام التصدير اللامركزي للصناعات الغير نفطية مما يؤدي الى تشجيع التنافس بين المحافظات العراقية في تطوير وصناعة المنتوجات التي تمتاز فيها كل محافظة مثل صناعة الزجاج في الانبار وتعليب التمور الفاخرة في البصرة وغيرها الكثير حتى يصبح الاقتصاد في حالة شفاء تدريجي من الإعتماد على مصدر واحد للدخل وهو النفط، كما يحصل الآن في بلد النفط.