من الصعب جدا تفسير مجمل الواقع العراقي المتردي امنيا وسياسيا وخدميا بشكل مقلق مع حالة البرود ولا أبالية التي تشكل جوهر سلوك المالكي وردود فعله تجاهها ، في وقت تتصاعد فيه كل الأصوات على تحميله مسئولية ما يحدث . بقاء المالكي على موقفه هذا مع قرب فترة الانتخابات البرلمانية القادمة ليس في صالحه ، كما أن تحقيق تحسن في موجة الانهيار الأمني المتصاعدة والغضب الشعبي المتنامي يبدو غير ممكن دون تحقيق تغيير جذري في وضع المنظومة الأمنية الحالية وهذا ما لا يلوح في الأفق ما يدلل عليه . فهل سيعزف المالكي لإحداث تغيير في وضع أمني من صنيعته ، يجيًّر لصالحه يقصي من خلاله خصومه من الشركاء وينفرد بالسلطة ؟ .
واضح جدا أن المالكي متمسك بالسلطة إلى ابعد الحدود وهو غير مستعد للاستقالة أو التنحي ، وعملية سحب الثقة من حكومته أصبحت أمر مستعصٍ في مشهد الصراع بين الكتل المختلفة وفي تقييم المرحلة وفقا لمصالحها السياسية .
رئيس الجمهورية الطالباني مغيّب بتعمد وبعذر جلطة دماغية استنفذت الفترة العلاجية التي يمكن طبيا أن تسفر عن تحسن ملموس بعد مرورها يؤهله للمنصب ( بل أصبح ذلك محالا علميا كوني طبيب) ، ومجلس النواب أصبح عاجزاً عن تحقيق تشريعات جديدة ذات تماس مع حلول الأزمة فيما يجد المالكي وفق تصريحاته أن مجلس النواب أصبح جزءا من تأصيل الأزمة لا حلها .
لنظام طهران تأثير مباشر على واقع العراق بذريعة شرعية ( حماية المذهب من مسئولية الولي الفقيه ) ويكرس دوره المعلن هذا بلا تستر حينما يعلن عن استعداده لإرسال قوات عسكرية قادرة على تثبيت أركان النظام في العراق ويجد نفوذه في العراق مهماً طالما أن الأزمة السورية قائمة بلا حل لصالحه (ضمانات بقاء الأسد بالحكم ) فيما ترى الولايات المتحدة الأمريكية أن المشكلة في العراق لا تشكل أسبقية التدخل في شرق أوسط متأزم بعد أحداث مصر وسوريا ، وبالتالي فان عدم استقرار العراق لا يمكن حاليا أن يتم من خلال قلب الطاولة أو سحب البساط من تحت أقدام سلطة الإسلام السياسي الشيعي الحاكمة فيه مهما ساءت الحال بل ربما تحسب بقائها في وضعٍ متردٍ في الوقت الحاضر إيجابيا لفرصة تغيير بالوقت المناسب لها وفقا لمعايير الربيع العربي الجديد التي أصبحت تشرعن للتغيير حتى خارج الشرعية الانتخابية (كما حدث في مصر ).
ربما يجد المالكي نفسه انه لن يبال في مستقبله السياسي وهو الذي أدى دوره المطلوب والمخطط له لمرحلة زمنية مرّت ، لكنه وبسبب تعقيد الأزمة قد يجد
أن في بقائه ضمانة وفرصة لاستمرار السلطة أكثر مما لو أتيح لغيره استلامها حتى لو كان من داخل أطراف التحالف الشيعي الذي نصبًّه (وهذا هو سرًّ الشرخ الحاصل في صفوف التحالف) ويجد أن بقاء الخيط ممتداٍ مهما استطال واستدق بتوافق أيراني أمريكي على بقائه هو الضمانة لاستمراره دون المبالاة بمعاناة العراقيين ومحنتهم .
أمام هذا التشبث والتفرد بالسلطة وقد يجد المالكي نفسه مضطرا وبتوافق أمريكي وإيراني على إعلان حالة الطوارئ وتجميد البرلمان والرئاسة بذريعة التدهور الأمني الحاصل وبوجود برلمان فاشل وغياب الطالباني (المسكوت عنه لا دستوريا ) وحينها قد يجد في نفسه انه بطل التغيير المنشود ! وانه الدكتاتور المنتظر الموعود لصيف عراقي لاهب قاتل ، وهو الأجدر من غيره في الإنقاذ من جحيم المناخ . لن يجد المالكي صعوبة في ذلك فموقف المحكمة الجنائية الدستوري لصالحه مضمون ! كما أن إيجاد قادة للدفاع ولقوى الأمن من ضمن البطانة العسكرية في ذهنيته حاضرة من صنيعته، أما وزارات الصحة والبلديات والعمل والبيئة وغيرها فهي وزارات طائفة لا فائدة منها وفق ما صرح به مؤخرا ، أليست هذه مؤشرات لحكومة الطوارئ المالكية القادمة ؟ هكذا حكومة طارئة لن تشكل الا كارثة أخرى وأزمة سياسية كارثية جديدة للعراقيين لكن المهم فيها ان يبقى المالكي (الرجل الأفضل بالتوافق) في السلطة بانتظار حلول لأزمات المنطقة ذات الأسبقية على أزمة العراق وفق منظور الإدارة الأمريكية ! والله أعلم .