23 ديسمبر، 2024 11:34 ص

هل سيصوت شعب كوردستان على تقرير مصيره؟

هل سيصوت شعب كوردستان على تقرير مصيره؟

الشعب الكوردي من الشعوب القديمة التي سكنت المنطقة ويمتد تاريخه وحضارته لآلاف السنين وفي زمان وجوده على ارضه كوردستان تعرض الى هجمات بربرية وحروب ابادة جماعية واستخدام الاسلحة المحرمة الدولية ، ولكن برغم كل تلك الويلات والكوارث التي حلت به لم يرضخ للمحتلين بل كافح وناضل وقدم التضحيات الجسام من اجل البقاء وديمومة الحياة.
لاشك في ان اهم عناصر تشكيل كيان او دولة مستقلة هو وجود ارض وشعب ولغة وتاريخ وثقافة وحضارة وامكانيات اقتصادية فضلا عن وجود مؤسسات رصينة للسلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية فضلا على الى الدعم الدولي وبالنسبة للشعب الكوردي يحتاج الى دعم اقليمي ايضا بسبب العامل الجغرافي وتقسيمه بين دول وقوميات مختلفة في المنطقة.
ان اقليم كوردستان اليوم يمتلك كل عناصر ومقومات الدولة المستقلة وان لم نقل انه الان دولة شبه مستقلة بكل المعايير والمقاييس بل ربما افضل بكثير من الدول المستقلة وذات سيادة ومعترف بها دوليا ، ولكن ما يفتقد الاقليم امران مهمان وهما تحديد الحدود والاعتراف الدولي.
لكن ياترى هل سيشارك الشعب الكوردي في الاستفتاء وهل سيصوت لتقرير مصيره؟
للجواب عن هذا السؤال المهم لابد ان نلقي نظرة على علاقات اقليم كوردستان مع دول الجوار والعالم على مدى اكثر من عقدين من الحرية والديمقراطية لتتضح لنا الصورة وتكون جزءا من الجواب.
بالنسبة للدعم الدولي لم يخف على احد ان اقليم كوردستان اصبح اليوم محط انظار القوى العالمية الكبرى وجميع الدول الاوروبية والعربية لما يمتلكه من امكانيات اقتصادية هائلة وموقع جيوسياسي مميز وقوة كبيرة لمواجهة الخطر العالمي الذي يشكله الارهاب على الحياة البشرية في سائر المعمورة ، وماالدعم العسكري واللوجستي الذي تقدمه دول العالم لقوات البيشمركة البطلة التي تقاتل الارهاب والضلاميين نيابة عن العالم الحر الا دليل حي على فاعلية تلك القوات وامكانية وقدرات القيادة الكوردية الحكيمة على ادارة الحرب ضد اعتى خطر يهدد العالم ، ووجود اكثر من اربعين قنصلية ومكتب للدول المختلفة ومنها الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن الدولي في العاصمة اربيل الا دليل قاطع للدعم الدولي الذي يحظى به.
والعامل الآخر الذي يحتاجه شعبنا لتقرير مصيره هو الدعم الاقليمي ، وبقراءة مبسطة لعلاقات اقليم كوردستان مع الدولة المجاورة يظهر جليا ان جميع الدول المحيطة قد تغيرت رؤيتها بالنسبة للقضية الكوردية بشكل عام بالمقارنة مع الامس القريب ، على سبيل المثال تركيا التي كانت ترفض ان تعترف بوجود شعب كوردي على اراضيها حتى ثمانينيات القرن الماضي وكانت تسمي الكورد اتراك الجبل ، اليوم لها علاقات سياسية واقتصادية قوية مع حكومة اقليم كوردستان و تتعامل مع اربيل كواقع حال ولها قنصلية وحدود مشتركة منضبطة معها، بحيث وصل حجم التبادلات التجارية مع اقليم كوردستان خلال السنوات الاخيرة ، بين 6 الى 8 مليارات دولارسنويا، فضلا عن التعاون النفطي مع اربيل وتصدير نفطها عبر اراضيها وموانئها التي تدر عليها موارد كثيرة وتشكل نسبة لا بأس بها من الموازانة السنوية لها.
اما ايران ، فهي ايضا تتعامل مع اقليم كوردستان كدولة جارة و هناك علاقات سياسية واقتصادية بين الجانبين ومصالح مشتركة وخلال مدة الحصار الدولي على المنافذ الرسمية الايرانية كان اقليم كوردستان احد المنافذ الرئيسة لتصدير البضائع والمصنوعات الايرانية والتي كانت احد العوامل المساعدة الرئيسة التي حالت من دون انهيار الاقتصاد الايراني ، فضلا عن مجالات تعاون اخرى التي تصب في مصلحة الشعبين الايراني والكوردي.
اما سورية فلم تبق كدولة موحدة كما في السابق ، اذ يسيطر نظام البعث على العاصمة دمشق ومناطق محدودة اخرى فقط ، والمناطق الكوردية تدار من الاحزاب والقوى الكوردية في غربي كوردستان ، وما تبقى هي تحت سيطرة قوى المعارضة السورية بمختلف اتجاهاتها وميولها ، وبشكل عام لم يبق شيء من سورية للتأثير على القضية الكوردية بل ان جميع السوريين منشغلون بمفاوضات شاقة تحت رعاية الامم المتحدة للاتفاق على صيغة جديدة ورسم خارطة جديدة لبلدهم لما بعد نظام الاسد رغم ان الاتفاق فيما بينها صعب وشاق ان لم نقل من المستحيل.
اما بالنسبة للعراق فوضعه سوف لن يكون بافضل من سورية بعد دحر تنظيم داعش الارهابي وستظهر على الساحة العراقية صراعات جديدة للاستحواذ على السلطة والسيطرة على مناطق النفوذ وما شهدته الساحة السياسية والامنية العراقية خلال الشهرين السابقين الا بداية لذلك الصراع ولايمكن التكهن بالمستقبل في ظل الوضع السياسي الشائك والمعقد والتدخلات الاقليمية والدولية في الشأن العراقي ، لذلك فأن الكورد لم يكون امامهم خيار آخر الا ان يرتبوا بيتهم الداخلي واتخاذ قرار جماعي موحد بشأن مستقبلهم في العراق وما الحوارات بين القوى السياسية الكوردية والاستعدادات لاجراء الاستفتاء الا مقدمة لنضوج القرار الكوردي.
اذن وبرأي العديد من المراقبين السياسيين الدوليين والمحليين وبالنظر الى الاوضاع الاقليمية والدولية ، فأن ارضية تقرير المصير بالنسبة للشعب الكوردي في العراق مهيئة اكثر من اي وقت مضى واي تاخير او تهاون في اتخاذ القرار ستكون بمثابة كارثة على القضية الكوردية في الشرق الاوسط برمتها بسبب ما ستؤول اليه الاحداث والتطورات خلال المرحلة المقبلة.
منظمات المجتمع المدني لم تكن هي الاخرى غائبة عن المشهد بل قامت بعدة استبيانات في مناطق مختلفة من اقليم كوردستان واظهرت النتائج ان اكثر من 95% او ربما اكثر يرون في اجراء الاستفتاء وتقرير المصير افضل خيار لهم ولكن على شرط ان يكون القرار بالتفاهم المشترك مع الحكومة الاتحادية واجراء حوارات مع الكتل السياسية الرئيسة.
اذن بهذه القراءة للاوضاع الاقليمية والدولية والمحلية وبالنظر لما عاناه شعبنا الكوردي على يد الانظمة الدكتاتورية السابقة ومايعانيه اليوم من حصار اقتصادي من قبل الحكومة الاتحادية واذا ما اخذنا الدعم الدولي لأقليم كوردستان بنظر الاعتبار يمكن الجزم بان الشعب الكوردي بمختلف شرائحه وتوجهاته السياسية وبرغم مايعانيه من مشكلات اقتصادية ومعيشية سيملأ صناديق الاستفتاء بكلمة نعم ، ليرمي الكرة في ملعب القيادة الكوردية لأتخاذ قرار شجاع مهما كلفها الثمن ، ليعم الامن والاستقرار في المنطقة وتتعايش شعوبها الى جوار بعضها بسلام و وئام وبدء عملية البناء واعمار ما دمرته السياسات الخاطئة التي كانت سائدة خلال القرن الماضي.