19 فبراير، 2025 11:57 ص

هل سيصمد النظام الكوبي في وجه ترامب؟

هل سيصمد النظام الكوبي في وجه ترامب؟

بعودته إلى البيت الأبيض، يبدو أن دونالد ترامب عازم على ترويض كوبا. فبعد تنصله من سياسة باراك أوباما برمتها خلال فترة ولايته الأولى، يستغل الرئيس السابع والأربعون للولايات المتحدة حياد خليفته جو بايدن بشأن هذه القضية، لإقامة توازن جديد للقوى مع السلطة في هافانا.
بعد أيام قليلة من قرار الرئيس الديمقراطي السابق رفع كوبا من قائمة الدول الداعمة للإرهاب (إلغاء مؤقت لقرار معاكس لدونالد ترامب في يناير 2021)، أعاد الملياردير الجمهوري الجزيرة الكاريبية الدولة إلى هذه القائمة السوداء، بمجرد عودته إلى السلطة، خلال سلسلة مراسيمه بمناسبة تنصيبه في 20 يناير. لذلك، لدى القادة الكوبيين أسباب للقلق، خاصة أن أوضاع البلاد قد تدهورت بشكل كبير منذ عام 2020.
إن تعيين ماركو روبيو وزيرا للخارجية لا يترك مجالا للشك في السياسة التي سيتم اعتمادها تجاه كوبا في السنوات المقبلة.
ينبغي علينا تذكر أن ماركو روبيو هو أحد أولئك الذين سلك آباؤهم طريق المنفى من كوبا للاستقرار في فلوريدا، وخاصة في ميامي. لقد نشأ في ظل شكل من أشكال الكراهية لنظام كاسترو، الذي اجتث هؤلاء المنفيين من أراضيهم بسبب موقعهم السياسي. اعتمد ماركو روبيو على الجالية الكوبية في فلوريدا -المعادية للغاية للنظام الكوبي- لبناء نجاحه، مستفيدا من نفوذه الكبير. ومن خلال تعيين ماركو روبيو وزيرا للخارجية، يضمن دونالد ترامب ليس فقط دعم المنفيين الكوبيين، بل وأيضا دعم المحافظين، خاصة وأن وزير خارجيته، بالإضافة إلى كونه من أصل كوبي، معروف بأصوليته.
وفي هذا السياق، من المثير للاهتمام ملاحظة دور الجالية الكوبية التي تعيش في فلوريدا. شعرت الأجيال الأولى من الكوبيين الذين وصلوا إلى الولايات المتحدة بعد سقوط نظام فولجنسيو باتيستا عام 1959 بمرارة عميقة تجاه نظام كاسترو. سعى المنفيون الكوبيون المقيمون في فلوريدا، المجهزون بموارد مالية كبيرة، والذين يعيشون على بعد 150 كيلومترا فقط من ساحل بلدهم الأصلي، إلى استخدام كل ثقلهم في الحياة السياسية الأميركية لإضعاف هافانا.
إن إنشاء اللوبي الكوبي، من خلال المؤسسة الوطنية الكوبية الأميركية (CANF)، يوضح الديناميكية التي ترسخت في ميامي في الثمانينيات، وكان هدفها واضحا للغاية: التأثير في مواقف الكونغرس الأميركي فيما يتعلق بكوبا، بغض النظر عن الحساسيات الديمقراطية والجمهورية. ماركو روبيو هو نتاج التاريخ السياسي الكوبي وعملية تسييس فلوريدا، تحت تأثير هجرة مئات الآلاف من الكوبيين.
وقد أعلن ماركو روبيو بالفعل أنه سيتم تشديد العقوبات ضد كوبا، مستعرضا الإجراءات القليلة غير الكافية التي اتخذها جو بايدن وإدارته ضدها. كما أوضح أنه لن يذهب إلى كوبا -طالما بقي الكاسترويون في السلطة- إلا من أجل مناقشة سقوطهم.
وفي كوبا، لا يطمئن الوضع السياسي الداخلي الزعماء، الذين يواجهون تحديات اقتصادية عميقة بسبب الحصار الأميركي ومجموعة العقوبات المصاحبة له.
في يوليو 2021، ترنح الأرخبيل، عندما هزت البلاد مظاهرات على نطاق غير مسبوق، فقد أدى الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، ونقص الأدوية والغذاء، والإجراءات التقييدية التي اتخذتها الحكومة الكوبية إلى إنهاك الشعب. ولم ترد حكومة الرئيس ميغيل دياز كانيل – الذي أعيد انتخابه في أبريل 2023 لولاية ثانية – إلا بالقمع لخنق مطالب الكوبيين.
الظروف المعيشية في كوبا متدهورة. هناك المزيد والمزيد من المرشحين للهجرة. إنهم يائسون لعدم رؤية أي تغييرات ملحوظة في المجتمع. ففي السنوات الأخيرة، اختار مئات الآلاف من الكوبيين مغادرة البلاد: بين عامي 2022 و2023، اتخذ ما يقرب من 533 ألف كوبي قرارا بالوصول بشكل غير قانوني إلى الولايات المتحدة. وهذا يبين بوضوح الصعوبات التي تواجهها كوبا.
تذكرنا اللحظة السياسية الحالية بفترة التسعينيات، التي شهدت معاناة كوبا من أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة منذ ثورة كاسترو عام 1959، في أعقاب تفكك الاتحاد السوفييتي. ولم تتحسن ظروف كوبا إلا بعد وصول هوجو شافيز إلى السلطة في فنزويلا في عام 1999، حيث استفادت كوبا من الدعم المالي الذي ساعدها على المستويين الإيديولوجي والاقتصادي.
لا أستبعد أن يكون الوضع الذي تعيشه كوبا حاليا أشد سوءا من الوضع الذي خبرته خلال تسعينيات القرن الماضي السوداء التي عانى منها نظام كاسترو.
هل يسمح لي كل ما ذكرته تخيل سقوط النظام الكوبي؟ لا ينبغي أن تكون لي توقعات خيالية، ولكن وفقا لبعض القادة السياسيين الكوبيين، لا ينبغي استبعاد هذا السيناريو. إنهم مجمعون على أن الأزمة التي تعاني منها كوبا غير مسبوقة.
إن فكرة الانخراط بنشاط في قضايا أميريكا اللاتينية ليست جديدة في الولايات المتحدة، إذ تجد جذورها في القرن التاسع عشر، مع مبدأ مونرو، قبل أن يقدم ثيودور روزفلت (1901-1909) في بداية القرن العشرين. هذه السياسة، التي بدأها الرئيس الخامس للولايات المتحدة جيمس مونرو (1817-1825)، حددت مسار عمل البلاد في علاقاتها مع أميركا اللاتينية. من هنا، يمكنني اعتبار الولايات المتحدة شرطيا إمبرياليا يرى أنه من حقه التدخل في جميع أنحاء القارة الأميركية.
في خطاباته التي ألقاها منذ بداية هذا العام، يحشد دونالد ترامب هذا الخيال بانتظام ويعتبر نفسه جزءا من التراث السياسي الذي أشرت إليه في الفقرة السابقة. إنه يعتزم إعادة اكتشاف “العصر الذهبي” للسياسة الأميركية، مثل الفترة التي تحمل نفس الاسم والتي أعقبت الحرب الأهلية الأميركية (1861-1865)، مستلهما رئيسا أميركيا آخر، أقل شهرة بالتأكيد، ولكنه لا يقل تأثيرا في الفكر الترامبي، وهو ويليام ماكينلي (1897-1901). يُعرف هذا الرئيس الخامس والعشرون للولايات المتحدة حتى يومنا هذا بسياساته الإمبريالية في أميركا اللاتينية.
يريد دونالد ترامب تأكيد استراتيجيته الجيوسياسية في قارة أميركا الجنوبية. إننا نرى ذلك مع فنزويلا وبنما وكولومبيا والمكسيك وبالطبع كوبا. إنه يسعى إلى إعادة تموضع الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية، كما كانت في القرنين التاسع عشر والعشرين. وتحت تأثير سياسة العقوبات العدوانية وإثارة التهديدات من جانب ماركو روبيو ودونالد ترامب، ليس من المستحيل أن نرى حلما قديما للقادة الأميركيين يتحقق.