23 ديسمبر، 2024 1:39 ص

هل سيتمخض الجبل ومن جديد ؟

هل سيتمخض الجبل ومن جديد ؟

إن هذا المثل العربي القديم والشهير ” تمخض الجبل فولد فأرا ” أي أن الجبل الكبير يخرج من أحد شقوقه فأر صغير, فكأن الجبل العظيم أنجب هذا الفأر الصغير, وهذا المثل يُضرب لمن يـُـتوقع منه الكثير لكنه يأتي بالشئ القليل والحقير الذي لا يتناسب مع حجمه الحقيقي أو مايُنتظر منه نسبة الى ذلك الحجم .
تضاربت الآراء بعد المعلومات التي كشفها نتينياهو حول الوثائق السرية الايرانية الخاصة بتطوير قدراتها النووية واحتمالية امتلاكها لخمسة قنابل ذرية مشابهة في قوتها لقنبلة هيروشيما, ويقال أنها وثائق قديمة تعود الى ماقبل الاتفاق, يرى البعض انها أكدت التزام أيران ببنود الاتفاق وليس العكس, وربما هذه المسرحية كما سماها البعض, قد أعطت رد فعل معاكس للغرب من خلال الابقاء على بنود ذلك الاتفاق وأعطت إيران شهادة حسن سير وسلوك كما وصفها آخرون .
ومن المحتمل ايضا ان تؤثر بالسلب على رغبة بعض اطراف الاتفاق اضافة ملحق له يدعو للحد من تجارب الصورايخ وتحرير الفترة الزمنية لوقف الانشطة النووية وامتلاك ايران للسلاح النووي الى ماهو ابعد من عام 2025 وهو ما إعلنه الرئيس الفرنسي ماكرون “إعلامياً” بضرورة التاكيد على منع امتلاكها لمثل هذا السلاح نهائيا .
ومهما يكن الامر من خلال التزام ايران من عدمه في واقع الحال , فالذي يهمنا بالدرجة الاولى ويهم المجتمع الدولي الآن, هو الموقف العجيب وغير المستغرب للوكالة الدولية للطاقة الذرية التي دافعت عن الاتفاق النووي وأشارت إلى أنها لم تسجل ومنذ عام 2009 أي دلائل حقيقية على أن إيران تعمل على تطوير الأسلحة النووية ! .
وهنا تجدر الاشارة الى موقف هذه المنظمة وغيرها, والتي روجت لاكذوبة امتلاك العراق لقدرات نووية واسلحة دمار شامل لغرض تدميره من خلال الغزو المباشر. هنا يكمن التباين في الاختلاف فالعالم اليوم برمته ومن دون استثناء يعلم بان ايران ورغم الاتفاق النووي فهي لم تلنزم بوقف انشطتها وان برنامج المراقبة والتفتيش ما هو سوى مسرحية لاضفاء الشرعية ومصداقية الالتزام من الجانب الايراني, ولكن ورغم ذلك فلا بد من حماية ايران وعدم ادانتها وهذه هي الحقيقة المجردة واسبابها كثيرة لامجال للخوض فيها ولكن دلائلها وتداعياتها واضحة للعيان حولنا في العراق وسوريا واليمن وممتدة الى الكثير من البلدان كان آخرها محاولات التمدد الايراني في المغرب من خلال دعم جبهة البوليساريو .
الاتحاد الاوروبي ومن خلال الممثلة العليا للشؤون الخارجية ” فيديريكا موغريني” أكدت وبعد وثائق نتنياهو ان ايران طبقت وبشكل كامل لالتزاماتها وحسب ما مذكور في الكراس “الاتفاق النووي” وان الاتحاد الاوروبي لايخوض في النوايا أو الفرضيات ولكن يلتزم بما ورد في بنود الاتفاق وان الوكالة نشرت عشرة تقارير تبين وتؤكد فيها إلتزام ايران الكامل .
الفرنسيون والالمان ربما لازالوا يفاضلون بين خياراتهم وبين مايدعو اليه ترامب, وربما تسرع الرئيس الفرنسي قليلا في تصريحاته الحماسية الاخيرة والتي تتماشى مع رغبته في التواجد بشكل اكبر في الملف السوري عن طريق تفاهمات مع الرئيس ترامب, المستشارة ميركل تواجه ازمات حكم داخلية وإئتلافات ربما تجعلها أميل لبقاء الامور على ماهي عليه سابقا .
الوحيدون الذين يغردون خارج السرب هم الامريكان فحسب وزير الخارجية بومبيو الذي اكد ان الوثائق التي كشفها نتنياهو تؤكد ان الايرانيين يخفون شيئا غير الحقيقة, والبيت الابيض يقول ان البرنامج الايراني في حقيقته اكبر مما اظهرته ايران خلال الاتفاق وهو ما ظهر من خلال وثائق نتنياهو الاخيرة .
ورغم هذا وذاك يبقى العامل الاكبر تأثيرا وقوة والذي عرفناه من تجاربنا السابقة ان الغرب ومعه الولايات المتحدة لم يقفوا يوما ضد ايران وهو ماتؤكده الشواهد الكثيرة وواقع الحال على الارض, ايران ومنذ عام 1990 وهي تعلن للعالم عن انشاء المزيد من المحطات النووية ورغبتها في امتلاك سلاح نووي والعالم الغربي واسرائيل تكتفي بالشجب والتهديد, لم يحدث قط ان تعرضت ايران لاسرائيل من قريب او بعيد ولا للمصالح الامريكية بشكل جدي ومؤثر ومباشر وفعال كما يتوعدون دوما, عدا بعض المناوشات الكلامية المستهلكة, ولم نرى اي تعرض أو تهديد فعليضد ايران عسكريا خلال العقود الثلاثة الاخيرة سوى الكلام, وربما لن نرى ذلك لا في الحاضر ولا في المستقبل , ومواقف كل الاطراف ومنذ بداية التسعينات من القرن الماضي خير شاهد .
كل الحكومات الغربية المتعاقبة كانت تعتبر ايران الحليف الحقيقي وبعيدا عن التهديدات المتبادلة والشعارات الخاوية وخير شاهد على حسن العلاقات تلك هو الاتفاق النووي في 2015 , واستمر الحال حتى مجيء ترامب, والذي لم نرى منه ومن قبل تسلمه السلطة سوى الكلام والابتزاز والتهديد, هو يبيعنا الكلام فقط, فالتهديد مقابل ثمن, والوعيد مقابل ثمن, والسلاح والمزيد من السلاح مقابل اثمان باهظة, فهو يعمل بعقلية بائع متجول في سياسته الخارجية .
أيران لن توافق على تعديل الاتفاق إلا في حالة وجود صفقة كبيرة تعطيها زخما مضافا لمزيد من الهيمنة والسيطرة والتمدد في جوارها العربي ولم نعلم لحد الآن معالم هذه الصفقة إن وجدت, نعلم جيدا ان ايران تمتلك الكثير من الاوراق تستطيع ان تلعب وتناور بها ومن خلالها, أبسطها التهديد المباشر للوجود الغربي وقوات التحالف في العراق وسوريا على الارض, وهو نفس السيناريو الذي حدث سابقا وأدى الى خروج القوات البريطانية والامريكية من العراق في 2011 وحسب تصريحاتهم كلا الطرفان وبالتناوب والتناغم معا وكأنها فصول في مسرجية يتبادلون فيها الأدوار , ايران لن تستخدم صواريخها في هجوم مباشر وسافر, بل ستعمد الى ماتتقنه وبرعت فيه في حروب العصابات والمدن والحروب الأهلية, من خلال مليشياتها, لتقوم بدورها الذي صنعت من أجله .
سيستمر الحال على ماهو عليه وسيستمر التهديد الايراني وسيزيد وهو الذي سيؤدي وبالنتيجة الحتمية والضرورة الملحة الى السعي لامتلاك سلاح نووي من قبل قوى عربية واقليمية مجاورة “وهو الهدف الحقيقي وراء التمدد والتهديد الايراني المستمر وكل من وقف وراءه كل هذه السنوات”, وهو بالضرورة سيؤدي الى المزيد من الابتزاز لثروات المنطقة من خلال المزيد من الانفاق العسكري وبرامج التسليح, مع ضرورة التاكيد والإلتزام بالحفاظ على أمن اسرائيل في المنطقة, وهو الأمر الذي تلتزم به ايران ومنذ قيام الثورة في 1979, وهو ما ستلتزم به كل الاطراف التي ستسعى الى امتلاك سلاح نووي مستقبلا, وهو ليس خيار .
اليوم نحن أمام تحد كبير وخطير ولابد لنا ان نقف قليلا أمام موقف المصالحة التاريخية بين الكوريتين وكل ماترتب وسيترتب عليه مستقبلا لخير الشعب الكوري والانسانية والسلام, في آسيا والعالم, وهو مافوت الفرصة لخيارات وبدائل تبتعد عن السلم, وتدعو الى الحرب والتهديد والابتزاز , التاريخ والجغرافيا تؤكدان أننا شعب واحد وأمة مترامية الأطراف, رغم كل الحدود, كما هو واقع الشعب الكوري الذي ينتصر اليوم لهذه الحقيقة وكما انتصر لها الشعب الألماني منذ ثلاثة عقود,عسى أن نقف قليلا عند هذه التجارب والدروس وكيفية تعاطيها مع الواقع والمعطيات, لكي نفم وندرك ونسعى الى إسقاطها على واقع معاش نعاني منه, من خلال الفعل والعمل ومن دون شعارات, حينها سنرى الإنحسار الايراني كحقيقة على الأرض . هل نستطيع ؟ .