عندما زحفت قوات تنظيم “داعش” نحو بغداد في يونيو 2014 وشكلت خطورة كبيرة على الحكم الشيعي في بغداد أعلن المرجع الشيعي علي السيستاني حالة استنفار قصوى في المجتمع الشيعي وأصدر فتوى “كفائية” بتأسيس هيئة الحشد الشعبي من عامة الجماهير الشيعية والميليشيات المسلحة العقائدية التي كانت لها دور كبير في الحرب الطائفية التي جرت عامي 2006 و2007، وذلك لمواجهة خطر التنظيم الإرهابي. ورغم شراسة ودموية “داعش” المعروفة فإن بعض الميليشيات الشيعية المنضوية في هيئة الحشد (أكثر من 50 ميليشيا) لا تقل عنه خطورة وشراسة، لاسيما بعد تعاملها الفظ مع أهالي المناطق السنية بعد تحريرها من يد قوات “داعش” وحالات الخطف والقتل الجارية فيها إلى الآن.
وستبقى ميليشا الحشد الشعبي قوى طائفية عقائدية ضاربة جاهزة لمواجهة أي قوة تريد زعزعة الحكم الشيعي، خصوصاً بعد أن أخذت طابعاً شرعياً بعد أن صوت البرلمان العراقي على قانون الحشد الشعبي عام 2016. ومن المفروض بعد تحرير مدينة الموصل من قبضة “داعش” وانتهاء الحرب، أن يحل الحشد الشعبي أو توزع عناصره على القوات العسكرية والأمنية ويبقى السلاح بيد جهة أمنية واحدة دستورية، ولكن يبدو أن قوات الحشد تحضّر نفسها من الآن لمواجهات أخرى مع الأكراد وقوات سنية ولم تنتهِ مهمتها، فضلاً عن توجه بعض أقطابها إلى المشاركة في الانتخابات العامة القادمة ليتولوا الحكم مع احتفاظهم بقيادة ميليشا الحشد!
وبطبيعة الحال فإن المراقبين لا يستبعدون حدوث حرب ضروس في المنطقة بين هذه الميليشيات الشيعية المدعومة حكوميا وإقليميا وقوات البيشمركة، ولاسيما بعد القرار الذي اتخذه إقليم كردستان بإجراء استفتاء للانفصال عن العراق، وقد تكون خطة المواجهة المحتملة القادمة داخلة ضمن الاستراتيجية الغربية في إحداث فوضى خلاقة في المنطقة، التي بدأت بثورات شعبية عارمة سميت بثورات الربيع العربي، ولن تنتهي إلا بسقوط كامل وشامل لشعوب المنطقة في أتون حرب لا تبقي ولا تذر.
وقد مهدت القوى الغربية المتنفذة في الإعداد لهذه المرحلة، وخططت لإحداث دمار شامل في المنطقة من خلال مواجهة بين الشيعة والسنة تصل إلى أقصى مداها، وقد ظهرت بوادر تلك المواجهات العنيفة في سورية والعراق واليمن بأبشع صورها، وأخوف ما نخاف عليه هو أن تنعكس الحالة السياسية المتصارعة القائمة بين “التشيع” و”التسنن” على الجوانب الأخرى الحياتية “الثقافية والاجتماعية والدينية” وتتحول الحرب الباردة الموجودة بينهما الآن إلى حرب حقيقية تأتي على قواعد المجتمعات الإسلامية الهشة من أساسها، كما حدث بين طائفتي “الكاثوليك” و”البروتستانت” في أوروبا بين عامي 1618 و1648 والتي سميت بحرب “الثلاثين” وراح ضحيتها أكثر من (20) مليون إنسان… والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل في نية الدول الكبرى نقل هذه الصورة المأساوية إلى مجتمعاتنا؟ نعم يبدو أنه لا يهمها عدد الضحايا الذين يسقطون جراء هذا الصراع العبثي، وأن هدفها هو إلهاؤنا لفترة أخرى بقتل بعضنا بعضاً بدواع وأهداف طائفية كما قتل بعضنا بعضاً بدواع ونوازع إثنية شوفينية في فترة من الفترات، ولم لا؟! فكل المؤشرات تدل على ذلك! وأهمها استعدادنا التام لخوض هذا الصراع الطائفي وتنفيذ المخطط بحذافيره!