23 ديسمبر، 2024 9:14 ص

هل سنخجل من انفسنا ؟!

هل سنخجل من انفسنا ؟!

الحقبة التي امتدت من سقوط البعث الى يومنا هذا – والله اعلم الى متى ستستمر- تعتبر ابشع واظلم حقبة مرت بتاريخ العراق بعد فترة البعث الصدامي الاسود ، لم نر في تاريخ الامم ان وزارات ومدراء عامون ومراكز انتخابية تباع وتشترى ، ولم نشاهد وزراء بدون علم ولا شهادة ولا تجربة تتسلم وزارات مهمة وحساسة في الدولة ، وان 250 مليار دولار الخسارة الناتجة عن الفساد والتي منبعها واساسها الامانة العامة لرئاسة الوزراء حسب ما قال موسى فرج الرئيس الاسبق لهيئة النزاهة والتي ذكرت وقتها في صحيفة الحياة اللندنية ، ويضيف ان السفارة الاميركية في العراق منعت مبعوثي هيئة النزاهة من زيارة منصات النفط في البصرة حيث تلقوا تهديدات بقصاصات ورقية من يدخل البصرة الفيحاء سيقطع راسه وغيرها من اعمال الفساد التي يشعر الانسان عندها انه يريد ان يحطم كل شيئ تناله يده ويشعر بحالة امتعاض عارمة.
لصوص يسرقون في وضح النهار ويمشون على طول قاماتهم ، رئيس وزراء ينصب الذباحين ، والقتالين ، والجاهلين ، رئيس وزراء يستقبل رئيس اللصوص ، والانفصاليين ويقول الشعبين الكردي والعربي اي كارثة هذه التي اجتاحت العراق بدخول هؤلاء وظهورهم على ساحة الاحداث ، اي لهجة هذه التي يتكلم بها عبد المهدي هل ان المسؤول الايراني عندما يتحدث عن دولته يقول الشعب الفارسي او التركي او العربي او اللري او الكردي ام يعبر بالشعب الايراني وحسب ، ام ان مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا عندما يتحدث هل يعبر بالشعب الصيني او الملاوي او الهندي ام يقول الشعب الماليزي فقط اي رقاعة وفظاظة هذه التي يحملها المسؤول العراقي .
لا اريد استعراض حالات الفساد ولكن اذكر حقيقة وهي اما نستحي مما نحن عليه الان من فساد فاق التصور والخيال ، وماذا نقول للاجيال ، وكيف سكتنا وسمحنا لهؤلاء اللصوص بسرقة البلد بهذه الطريقة العلنية الفاضحة ؟هل سيكتنفنا الحياء كشعب من هذه الاوضاع التي يمر بها البلد ؟ وهل بامكاننا ان نعيش تلك الحالة من الخجل الان وفي الوقت الحاضر لتكون لنا حافزا قبل ان تتوسع دائرة الفساد اكثر ونطفأ نارها قبل ان يحترق بها الجميع ؟.
ماذا نقول عندما نذكر لهم ان العراق دائما في ذيل القائمة في شتى المجالات العلمية والامنية والمعيشية الا في حالات السرقة والفساد فانه حائز على المرتبة الاولى بامتياز . هذه الامور اذا تكررت من دون رادع ومانع ستصبح طبيعية ومعتادة وتشجع على السرقة يقولون ان المال السائب يشجع على السرقة وهذا ما يريده القراصنة واصحاب المافيات في البلد وخارجه عندما تصبح حالات الفساد مالوفة نتيجة لتكرارها كمظاهر التفجير والاغتيال والاختطاف شبه اليومي في البلد بحيث اصبحنا نمر عليها كصورة مالوفة عندما نبحث في محطات التلفاز.
عندما نعرف هذه الحقيقة المرة هل بامكاننا ان نوقفها قبل ان تتسع وتدمر الحاضر والمستقبل ام اننا عاجزون عن هذا واصابنا الاحباط والفشل وتوقفنا عن المسير دون ذلك ؟ لقد لبس الفساد صفة رسمية من اعلى المستويات الى ابسط عامل في الدولة حتى التلميذ في المدرسة والفلاح في الحقل والحارس في باب المبنى ام انه اصبح ثقافة لدى الشعب وان الشخص النزيه اصبح اعجوبة دهره هل من سبيل للتخلص من هذا الداء الذي حل بالوطن نتيجة تواكل الشعب وفساد الدولة . حكومة تسرق وشعب يسكت فهل ننتظر من يحررنا من الخارج ونقع في الخطأ مرة اخرى ، هل لا زلنا غير فاهمين ان الاصلاح يققوم به ابن البلد وان الحمل لا يحمله الا اهله ، هل لا زلنا لم نفهم ان الكلمة الفصل هي للشعب .
هل سيقوم الشعب بدوره ويقول قولته ويحطم هذا الجمود والسكوت ويخرج الى الشارع ليقول لا من غير خوف ولا وجل ويستفيد من اخطائه ويسير هذه المرة بتنسيق وتخطيط ونظام بقيادة الوجهاء الشرفاء والعقلاء والمثقفين والواعين الذين لا يخافون من تهديد الاحزاب واصحاب المصالح . هل نستفيد من تجربة بقية الشعوب عندما علقت السراق على الاعمدة احياء لينكشفوا وتسقط اقنعتهم او عندما القوهم في حاويات القمامة لتحسيسهم بمستواهم ، ام يبقى المسؤول السارق في بلدي معززا مكرما وتتعالى الهوسات والهتافات والتمجيد المثير للغثيان .
هل اصبح الفساد حالة عامة اعتادها المواطن كما اعتادتها الحكومة واصبحت حالة من الاسترخاء ؟ ام انه مرض سرى في بدن الشعب لا يعرف خطورته ومتى يقضي عليه هل نبقى نسير الى الخلف في الوقت الذي تسير البلدان الى الامام بسرعة وثبات وهل ان راواندا وتنزانيا هذان البلدان الافريقيان الفقيران فهما اللعبة وسارا نحوا الاصلاح والتغيير وانتشلا نفسيهما من وحل الفساد الى نظام الحياة الكريمة بعد ان انهكهما الفساد واحرقتهما الحروب .
متى يفهم الشعب ان الفساد موجود في كل خبئة وزاوية من زوايا البلد وفي كل مفصل من مفاصل الحكومة ، نحن شعب لا يخجل من السرقة ويتغاضى عنها ، نحن شعب لا يخجل من سرقة نفسه والتباكي على الوطن من جراء حكومات بعضها اخبث من بعض ، كلمات كالعلقم في فمي ولكن الحقيقة مرة وثقيلة الا على الشرفاء . فما شان من يرضى بالذلة الا ان يكون ذليلا .