23 ديسمبر، 2024 9:12 ص

هل سمعت يوما من يسرق أهله ويقتل أهله ويتخورد للجيران

هل سمعت يوما من يسرق أهله ويقتل أهله ويتخورد للجيران

تهريب الدولار لإيران عن طريق العراق

متى كثفت إيران من اعتمادها على العراق كممر للعملة الصعبة؟

بُعيد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران عام 2018 لكسر الحظر والالتفاف على العقوبات الأمريكية.

كم حجم استنزاف إيران لخزينة العراق من العملة الصعبة يومياً؟

تستنزف ما متوسطه 350 إلى 600 مليون دولار عبر صفقات البورصة ومبيعات البنك المركزي العراقي.

ما أبرز أسس الاستراتيجية الإيرانية في استحواذ الدولار بالعراق؟

ضخ عملة عراقية مزيفة بكميات كبيرة إلى أسواق العراق مع الدفع باتجاه الطلب على الدولار.

تحول العراق إلى معبر لعمليات تهريب كبيرة للعملة الصعبة “الدولار” إلى إيران عن طريق “مزاد العملة” وتوصيلها لحسابات بنكية إيرانية، في خطوة منظمة تهدف إلى كسر الحصار الاقتصادي والعقوبات الأمريكية على إيران.

ضباط بالحرس الثوري وعناصر عسكرية في الفصائل المسلحة العراقية، هم أداة لتنفيذ هذه المهمة، بالإضافة لاستخدام طهران شركات وهمية من أجل استمرار نشاطها التجاري من جهة، ودعم المليشيات في أكثر من بلد بالمنطقة، من جهة أخرى، وذلك بحسب تصريحات وتسريبات لضباط ومسؤولين في الحكومة العراقية.

ويؤكد خبراء عراقيون ومصادر خاصة لـ”الخليج أونلاين” أن إيران تبذل كل جهدها لسحب العملة الصعبة من العراق في محاولة للالتفاف على العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، وتعطل من ثم الإجراءات التي يتخذها مصرف العراق المركزي لتعزيز الدينار العراقي.

النشاط الإيراني غير الشرعي قابله فرض وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على 20 كياناً عراقياً إيرانياً تقدم الدعم لقوات فيلق القدس الإيراني، إلى جانب نقل المساعدات إلى المليشيات العراقية الموالية لطهران مثل كتائب حزب الله العراقي، وعصائب أهل الحق، وغيرها من الجماعات المسلحة التي تسيطر على بنوك عراقية وتهرب الدولار من المنافذ الحدودية.

إيران التي تستمر بالمطالبة برفع العقوبات الأمريكية عنها، زرعت المزيد من الشركات الوهمية وطرق التحايل والكيانات في المنطقة على مدى سنوات، وباتت سبباً مباشرة في التأثير في الاقتصاد العراقي بشكل خاص.

مشاريع تجارية وبيع السلاح لتحويل الدولار

منذ إعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران عقب انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي في مايو 2018، بدأت إيران تركز بشكل كبير على العراق؛ بهدف كسر الحظر والالتفاف على العقوبات الأمريكية من خلال علاقات تجارية واسعة، حيث تقوم على نحو واسع بتصدير سلعها وتقبض أثمانها من داخل العراق.

كما تنفذ إيران مشاريع استثمارية برؤوس أموال ضخمة، وتحاول تخفيف الحصار الاقتصادي عليها من خلال فتح بنوك تجارية في العراق، وتصدير الأسلحة للمليشيات، واتباع استراتيجية غسل الأموال عن طريق شركات للبناء والسياحة والنقل والشحن.

بهذا الصدد يتحدث مسؤول في عمليات التحويل المالي في البنك المركزي العراقي ويصرّح لموقع “الخليج أونلاين”، مفضلاً عدم ذكر اسمه: “تستخدم إيران طرقاً مختلفة لسحب الدولار من الأسواق العراقية، فالطريقة الأولى هي عبر شراء العصابات الدولار من الشركات بكميات كبيرة، أما الطريقة الأخرى فهي عبر الشركات الإيرانية لبيع الحديد والإسمنت وقطع غيار السيارات والأجهزة الكهربائية والأغذية، والتي باتت تطرح أسعاراً أقل بنحو 20 أو 25% في حال شرائها بالدولار الأمريكي”.

و أن “هناك عدة شركات متورطة بعمليات غسل الأموال بهدف الحصول على العملة الصعبة، ومن بين أبرز أصحاب هذه الشركات يظهر اسم ضباط في الحرس الثوري الايراني وأهمهم (حسن بُلارك)، الذي يتعاون مع شخصيات عراقية سياسية مثل نوري المالكي، وبالتنسيق مع مسؤولي الحرس الثوري الإيراني بنقل الصواريخ والمتفجرات والأسلحة الصغيرة إلى العراق”.

و أن “بُلارك تمكن من تحويل ملايين الدولارات إلى شركة أخرى ، وبهذه الأموال تُشحن الأسلحة والذخيرة إلى المليشيات العراقية الموالية لإيران، التي تمتلك مقرات في بغداد، إلى أن كشفت الخزانة الأمريكية الأمر ووضعت شركة الكوثر على اللائحة السوداء بالولايات المتحدة”.

ويكمل: “هناك اسم ثانٍ وهو (علي رضا فاداكار)، قائد الحرس الثوري الإيراني في النجف بالعراق، ومن ملاك شركة الكوثر، وهو متورط مع مسؤولين آخرين بإيداع مالي عملاق في فرع بنك ملى الإيراني في العاصمة العراقية بغداد؛ حيث نقل الأموال إلى بنوك إيرانية في طهران، وهذا مرصود من قبل الموظفين المسؤولين في قسم البيانات في البنك المركزي العراقي”.

ويؤكد المسؤول في البنك المركزي العراقي: “يظهر في قوائمنا نشاطات مالية كبيرة، تحت اسم (حسن سبری نژاد)، والمعروف أيضاً باسم المهندس مرتضى، وهو مسؤول عن الشؤون المالية في شركة (الخمائل للملاحة البحرية)، وبصفته ممثلاً للشركة عمل على تسهيل دخول الشحنات الإيرانية إلى الموانئ العراقية لحساب الحرس الثوري الإيراني وبيع النفط الإيراني بالدولار، كما شارك في الأنشطة المالية والاقتصادية للحرس الثوري الإيراني بين إيران والعراق وسوريا، ومن ضمن ذلك أنشطة تهريب العملة الصعبة لصالح بنوك إيرانية”.

ندى شاكر، عضوة لجنة الاقتصاد والاستثمار في البرلمان العراقي، تؤكد أيضاً وجود عمليات تهريب كبيرة للعملة الصعبة إلى خارج العراق، عن طريق مزاد العملة، وصرّحت لـ”الخليج أونلاين” قائلة: إن “البنك المركزي يبيع يومياً كميات كبيرة من الدولار، لكن هذه الأموال تدخل ضمن خانة الفساد، فهناك الكثير من الوصولات والشركات الوهمية التي لا وجود لها، ومن ثم فإن هناك تسرباً وتهريباً للعملة الصعبة إلى خارج البلاد”.

وأوضحت شاكر: أن “البنك المركزي العراقي يمتلك خزيناً كبيراً من الدولار، ويبيع كميات كبيرة يومياً من أجل السيطرة على سعر الصرف، على الرغم من توتر العلاقات الإقليمية بين الولايات المتحدة وإيران بعد فرض العقوبات الأمريكية على إيران”.

إغراق السوق بالدينار وتهريب الدولار عبر الحدود

استغلت إيران وضع العراق الحرج والتخبط السياسي الداخلي، واستخدمت الأراضي العراقية كممر لنقل الأموال المهربة بالعملات الصعبة فيما يسمى بصفقات البورصة، أو مبيعات البنك المركزي العراقي للعملات الصعبة، التي كانت تستنزف ما متوسطه 350 مليون دولار إلى 600 مليون يومياً في مبيعات المزادات للعملات الصعبة المستنزفة من البنك المركزي العراقي.

في المقابل يتم الشراء الوهمي بتمرير أطنان من العملة الورقية العراقية المزورة التي كانت تطبع في لبنان وسوريا ومطابع طهران لتبدل عبر حسابات بنكية لبنانية وعراقية وسورية، ويُضاف لذلك عمليات تهريب النفط وبيعه للعراق مقابل الحصول على الدولار.

في هذا السياق يتحدث نائب في البرلمان العراقي وعضو في لجنة النزاهة قائلاً لـ “الخليج أونلاين”: “تحاول إيران الالتفاف على العقوبات الأمريكية، وتتبع خطة جديدة لتوفير احتياجاتها من عملة الدولار الأمريكية، فالاستراتيجية الإيرانية تقوم على ضخ عملة عراقية مزيفة بكميات كبيرة في أسواق العراق، والدفع باتجاه زيادة الطلب على الدولار الأمريكي من قبل متعاملين محليين”.

وأضاف عضو لجنة النزاهة النيابية، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن “فصائل مسلحة موالية لإيران هي التي تتولى مهمة تهريب الأموال من المنافذ الحدودية، وذلك من خلال استخدام سطوتها لإدخال العملة العراقية المزيفة إلى البلاد، ويبدو بأن لجوء إيران إلى إغراق السوق العراقية بالعملات المزيفة جزء من خطتها لمواجهة النقص في العملات الصعبة بالسوق الداخلية؛ من أجل ألا يشهد الريال الإيراني مزيداً من الخسائر في سعر الصرف”.

ويحذر قائلاً: “نشير في هيئة النزاهة إلى خطورة هذه الاستراتيجية التي تنتهجها إيران، فقد تؤدي إلى إجبار البنك المركزي العراقي على ضخ كميات مضاعفة من الدولار إلى أسواق البلاد، للحفاظ على قيمة العملة المحلية، ما يتيح سيولة في الدولار بشكل أكبر، حيث تتم الصفقات مع سياسيين تابعين لتحالف الفتح وكتلة صادقون، الذين يضغطون على البنك المركزي العراقي، ويهربون الدولار إلى إيران، لتوفير حاجتها من العملة الأمريكية”.

كما يصرّح أن “العراق يمتلك أربعة منافذ برية مع إيران هي زرباطية في واسط، والشلامجة في البصرة، والمنذرية في ديالى، والشيب في ميسان، بشريط حدودي طوله أكثر من 1500 كيلومتر، والحكومة العراقية تحاول تشديد الإجراءات الرقابية كما أعلنها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، لكن لضعف الإدارة العراقية لن تستطيع مواجهة سيطرة الفصائل المسلحة على المنافذ الحدودية، والإجراءات الحكومية لن تثني طهران عن مواصلة هذه الاستراتيجية، التي يمكن أن تكون من بين الوسائل المهمة لحصول طهران على حاجتها من الدولار الأمريكي”.

وبخصوص فساد المنافذ الحدودية وتهريب العملة الصعبة لإيران، تحدث النائب في البرلمان العراقي، همام التميمي، لـ “الخليج أونلاين” مبيناً: “حذرنا رئاسة الوزراء من عمليات استنزاف العملة الصعبة في العراق عبر عمليات استيراد وهمية، وأوصلنا مناشداتنا السياسية إلى البرلمان عن وجود شبهات فساد وتهريب في معابر المحافظات الحدودية مع إيران”.

وتابع التميمي: “لا يمكن إنكار وجود ملفات فساد في هيئة المنافذ الحدودية، كغيرها من المؤسسات الحكومية، فهناك مسؤولون بوظائف رفيعة المستوى متورطون بإخفاء عمليات تهريب الدولار والنفط عبر الحدود مع إيران، وقد رفعنا شكاوى لمجلس القضاء الأعلى العراقي، لكنهم لم يستجيبوا لمطالباتنا”.

وعلى ذات الصعيد تحدث محامٍ في البنك المركزي لـ”الخليج أونلاين” قائلاً: إن “البنك المركزي العراقي أصدر بياناً بعد يومين من نشر وثائق رسمية من اللجنة المالية في البرلمان العراقي عن عمليات تهريب منظمة لمليارات الدولارات جرت عبر مزاد بيع العملة الصعبة لعدد من المصارف والشركات المالية بين 2006 وحتى 2014، حينما كان نوري المالكي رئيساً للوزراء، تضمنت إحدى الوثائق قيام (بنك الهدى)، وهو مصرف محلي، بشراء العملة الصعبة من البنك المركزي للأعوام 2012، و2013، و2014، باستخدام وثائق مزورة، وقد جرى تحويل نحو 6.5 مليار دولار إلى بنوك وشركات في الأردن”.

وأردف، مفضلاً عدم نشر اسمه لأسباب أمنية، أن “عمل بنك الهدى استمر دون مقاضاة مسؤوليه، وذلك بسبب تعرض هيئة النزاهة النيابية لتهديدات، وبعد كشف التسريبات فصل مديرو البنك المركزي بعض الموظفين والقانونيين في الشهور الماضية من عام 2020؛ بسبب إعادة فتح ملف الفساد وتسريب المعلومات للإعلام”.

أحزاب ومليشيات متورطة بالفساد والتهريب

عملية سحب العملة الصعبة من العراق إلى إيران تتم عبر فواتير وهمية بمساعدة أحزاب وفصائل مسلحة من الداخل، حيث تشير التسريبات إلى وجود مؤسسات رسمية عراقية متورطة بعملية التهريب، وتُدار تلك المؤسسات من قبل شخصيات تُعينها الأحزاب والمليشيات الموالية لطهران، وليس هذا فحسب، بل تقوم تلك الأطراف بتأسيس مصارف أهلية تقوم بعمليات التحويل عن طريق البنك المركزي العراقي.

وحول هذا الأمر يتحدث ضابط برتبة عميد في جهاز الاستخبارات العراقية ويقول لفريق تحقيق “الخليج أونلاين”: إن “حزب الله العراقي يتصدر قائمة أكبر الجماعات المسلحة والمنظمة في العراق، ويجني أموالاً طائلة، من مصادر مشبوهة وتجارة غير مشروعة، على رأسها تجارة المخدرات وعمليات التهريب وتبييض الأموال، وخاصة التهريب للعملات الصعبة من العراق عبر عدد من البنوك التي يديرها ويشرف على توجيهها رجال أعمال عراقيون ولبنانيون”.

ويتابع العميد: “يقوم حزب الله العراقي بممارسة النشاطات التجارية عن طريق شركات يملكها الحزب كواجهة تجارية لأعماله، وتشمل اللحوم المثلجة والمواد الأولية والسيارات المستعملة والتبغ، والمنتجات الإلكترونية”.

ويضيف ضابط الاستخبارات، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه: “يعتبر العراق الممر الرئيسي لتحويل الدولار إلى إيران؛ عن طريق تجارة وتبييض الأموال عبر مطار بغداد وبقية المطارات العراقية، فالعمليات التجارية المشبوهة، وصفقات الفساد لحساب إيران، تمثل نسبة 90٪، لكون إيران مسيطرة سياسياً وعسكرياً على الحكومة العراقية”.

فالمنافذ الحدودية الواقعة بين الجانبين تشهد سيطرة إيرانية كبيرة تتمثل في وجود ضباط من فيلق القدس الإيراني الذين يشرفون على عمليات سحب العملة، وكذلك يديرون عمليات تهريب النفط والمخدرات والمواد الغذائية والصناعية والأدوية الفاسدة والأسلحة والنفط وخردة الحديد، بحسب الضابط.

ويؤكد أيضاً: “هناك شخصيات سياسية بارزة متورطة؛ مثل هادي العامري وقيس الخزعلي وأحمد الجبوري، ومليشيات متنفّذة في الحكومة العراقية مثل كتائب الإمام علي وحركة العصائب، وهي من تقف وراء خطة التهريب والفساد، والتي تتمثّل بعملية كبيرة لشراء الدولار من الأسواق وتهريبها إلى إيران مقابل الحصول على السلاح والعتاد”.

وأن العراق “يشهد أزمة حادة بسبب الأموال المهربة، حيث تتم العملية وفقاً لسياسة المزاد العلني للبنك المركزي العراقي، والذي يتحمل مسؤولية فقدان 347 مليار دولار خلال 17 عاماً مضت، بعد إنفاقه قرابة 408 مليارات دولار بنسبة استيرادات فعلية من هذه الأموال على شكل سلع وخدمات، لا تشكل سوى نسبة 15% من المبلغ المذكور، وبهذه الحالة يتورط نوري المالكي بدعمه لمحافظ البنك المركزي، علي العلاق، الذي يتولى المنصب ضمن حصة المالكي في مناصب الدولة”.

ويعتقد المستشار الاقتصادي، مفضلاً عدم ذكر اسمه، أن “المشكلة الحقيقية تبدأ من القطاع المالي والمصرفي، وعلى رأسه البنك المركزي العراقي، وقد كانت حجة البنك غير المهنية تمويل البورصة العراقية بالدينار بأسعار زهيدة لتحويله إلى الدولار لضبط سعر الصرف ومحاربة التضخم، خصوصاً بعد بداية انهيار أسعار النفط المعروفة بسبب جائحة كورونا، في وقت طالب فيه الاقتصاديون بإيقاف مزاد العملة، وكان من الممكن وجود آليات أخرى للحفاظ على سعر الصرف”.

ويرى أن الإصرار الواضح جداً على استمرار مزاد العملة كان لغرض تهريب الأموال وإفادة بعض المصارف الإيرانية؛ بدليل تصاعد عمليات تبييض الأموال وانهيار الدينار العراقي بسبب سياسات البنك المركزي العراقي، خصوصاً بعد اشتداد العقوبات الأمريكية على إيران”.

وأوضح قائلاً: “العراق هو ثاني أكبر بلد يشتري الغاز الإيراني، حيث يستورد نحو 14 مليون متر مكعب يومياً، بالإضافة إلى الكهرباء، أي بتكلفة تصل إلى ما يعادل 400 مليون دولار، بالرغم من أن العراق استقطب شركات صينية وأخرى تركية وأمريكية، حيث حصلت الحكومة على عروض بأسعار أقل بكثير من إيران، لكن بسبب الضغوط السياسية من أحزاب عراقية، كحزب الدعوة والتيار الصدري، الذين يعملون لمصلحة إيران، توقفت التفاوضات، وهُددت الشركات الأحنبية الأخرى، مع الإبقاء على عروض إيران، وهذا يشير إلى الفساد من أجل تمويل إيران بالعملة الصعبة”

وإن “الحكومة العراقية تسعى منذ سنوات طويلة لتشكيل لجان مختصة لمتابعة ومراقبة قضية تهريب العملة الصعبة إلى إيران، وهذا الإجراء هو من أجل الحفاظ على العملة الصعبة في البنك المركزي العراقي، وهذه اللجان ستتابع مع الشعبة الاقتصادية في مديرية الأمن الوطني قضايا ومحاولات تهريب العملة، وستتخذ جميع الإجراءات الحازمة بحق من يحاول تدمير الاقتصاد في العراق”.

“إيران عملت خلال الـ 17 سنة الماضية على سحب العملة الصعبة من العراق بطرق متعددة لتجاوز الحصار والعقوبات الدولية التي فُرضت عليها سابقاً، وتُفرض عليها في الوقت الحالي، وقد رصدت الحكومة تحرك مئات الملايين من الدولارات التي سُحبت من الأسواق العراقية خلال العامين الماضيين ولم تعد إليه، وهذه الشركات تعمل في مجالات وهمية مختلفة؛ كالإنشاءات والمقاولات الهندسية في البناء، وبعض الشركات تعمل في نشاطات السياحة والسفر، وكلها تستثمر أموالها في العراق، وتعتبر واجهات إيران لسحب الدولار العراقي وتهريبه لإيران”.

مصارف إيرانية تدفع فوائد عالية

يعاني الاقتصاد العراقي ركوداً حاداً منذ عام 2014 بسبب خوض بغداد حرباً دامية على تنظيم “داعش”، وتعقدت مشاكل العراق المالية بعد انهيار أسعار النفط بسبب جائحة كورونا التي ظهرت نهاية عام 2019 وما زالت أضرارها مستمرة، وقد سبّبت عجزاً اقتصادياً في ميزانية الدولة قُدر بـ 32 مليار دولار، بحسب خبراء اقتصاديين.

تلك الأحداث المريرة أدخلت العراق في غيبوبة اقتصادية عميقة، رافقها تصاعد المديونية العامة تزامناً مع غياب السياسات الاقتصادية الوطنية لتفادي حجم الأضرار الناجمة من جراء العجز المالي، وتهالك النظام المصرفي العراقي، وهو ما انعكس سلباً على حالة السوق في عموم المحافظات العراقية؛ ما أدى بالمستثمرين ورجال الأعمال العراقيين إلى وضع أموالهم في بنوك إيرانية داخل وخارج العراق للحصول على أرباح.

بهذا السياق “لا بُد أن نعترف بأن إيران لديها دهاء في استغلال العملة الصعبة الموجودة بالعراق، فقد تمكنت من وضع آليات مدروسة لسحب النقد الأجنبي العراقي، وأعطت نسبة فوائد كبيرة جداً تتجاوز الـ 22% للزبائن، حيث إنها تستفيد من العملة الصعبة لإنقاذ عملتها الوطنية التي تدهورت بسبب العقوبات الأمريكية”.

و”منحت إيران فوائد عالية لكبار التجار العراقيين، دفعهم لقبول حجم الفائدة المترتبة على المبالغ المودعة في المصارف الإيرانية، وأبرزها مصرف ملي، وكثير من العراقيين قاموا بإيداع أموالهم في تلك المصارف مقابل الحصول على فائدة مالية مع ضمانات باسترجاع المبلغ المودع بعد الاتفاق على عقد سنوي بين الطرفين”.

وإن “مصارف إيرانية تعمل في العراق منذ سنوات، أبرزها مصرف بارسيان، وبنك إيران، وملي إيران، إلى جانب 6 مصارف أخرى مشتركة مع رجال أعمال عراقيين غالبيتهم يرتبطون بعلاقات مع سياسيين وزعماء أحزاب عراقية، فضلاً عن أكثر من 70 مكتباً وشركة للتحويل المالي بين البلدين”.

ولقد “استصدر البنك الإيراني الخاص التراخيص القانونية من البنك المركزي العراقي لافتتاح 7 فروع، حيث أنشئ فرعان منها برأس مال 50 مليون دولار لكل واحد. وقد كانت نسبة الفائدة المترتبة عن كل مبلغ يودع بالدولار، كانت كفيلة بتحويل المليارات من الدنانير العراقية إلى العملة الصعبة ووضعها في خزينة البنوك الإيرانية”.

ويكمل المسؤول في وزارة المالية: “يعاني العراق من ركود اقتصادي خطير، وانعدام في السيولة النقدية في السوق، وأغلب رؤوس الأموال تكون خائفة من السوق المحلية بسبب تذبذب الوضع الأمني والسياسي أو البحث عن البديل الآمن للاستثمار المصرفي، حيث تسلمت مصارف إيران حصة الأسد، واستنزفت الدولار الأمريكي من البورصة العراقية”.

“فشل النظام المصرفي العراقي وقدمه، وعدم اعتماد نظام الفائدة الجيدة لتشجيع المواطن العراقي على إيداع أمواله في المصارف الحكومية، وعوامل أخرى اجتمعت لتكون سبباً في تزايد حدة الأزمة الاقتصادية، فإفراغ السوق العراقية من العملة الصعبة له أبعادهُ الاقتصادية السيئة، والحكومة مضطرة إلى غض البصر عن عمليات المصارف الإيرانية كي تنقذ عجزها الاقتصادي في ميزاينة الدولة”.

وأن “هناك مشكلة أخرى ربما لا ينبته إليها المستثمرون، وهي خطورة وقوع المستثمر العراقي ضحية تلاعبات مالية، كما يحدث في الدول التي تصر على إيداع الأموال بمصارفها بالعملة الصعبة، وعند رغبة العميل ف سحب جزء من أمواله تكون بعملة البلد وبسعر صرف يختلف عن سعر صرف الإيداع، فضلاً عن المستثمر العراقي في أي بلد لا يستطيع اللجوء للسفارة العراقية لحماية استثماره وأمواله، فالسفارة العراقية بعيدة كل البعد عن هذا المجال”.

ملف تهريب وتحويل الدولار إلى إيران ربما سيسبب فرض عقوبات على الحكومة العراقية أيضاً ما لم تلتزم بإبلاغات الولايات المتحدة بإيقاف عمل المصارف الإيرانية داخل العراق، وإيقاف التعاملات المصرفية والنقدية مع الشركات الإيرانية التي تبيع السلع وتنفذ مشاريع تجارية لتحويل الأرباح بالدولار إلى إيران، لذلك يبدو أن الحكومة تعيش في وضع حرج، فهي لا تريد خسارة حليفتها إيران، وبذات الوقت تتعرض لخطر خسارة دعم واشنطن.