دعني أحدثك عن بطل عراقي, بل عن أسطورة يفوق بحجمه كل شخوص الأحزاب العراقية, المنشغلة بالصراعات والسرقات, أحدثك عن رجل عراقي فقط, قد عجن ولائه للأرض التي يحمل اسمها, وليس مزدوج الجنسية كالمتحولين بل الزومبي العراقي من برلمانيين ووزراء وسياسيين وقادة, والذي جبلوا على التغذي من الدم العراقي, وعلى العيش في مستنقعات نتنة وضحلة, فاغلب الطبقة السياسية “مستنقعية”, وهذا ما لا يرضاه بطل مقالتنا عبدالله عذاب, الذي يملك نفس عظيمة ترغب بالعيش في قمم الجبال, ولا تستهويه شهوات المستنقع.
عبدالله عذاب عامل نظافة من محافظة واسط, متعسر الحال, بالكاد يعيش, عثر أثناء عمله بجمع القمامة على مبلغ كبير, كانت فقط ستة عشر مليون دينار, مبلغ يمكن أن يحل كل مشاكل عبدالله عذاب, وهو لم يسرقه بل وجدها في القمامة, لكن الطريق لصاحب المال متوفر, فهل يهمل الطريق ويأخذ المال ويحل مشاكله؟ لم يكن عبدالله في صراع نفسي, بل كان قراره سريعا, بحث عن صاحب المال وأعاد أمواله له, من دون أن ينتظر مكافئة على عمله, لأنه رجل حقيقي وتصرف حسب قيمه العالية, التي تدعوه لإقامة العدل, والعدل هنا يكتمل بإعادة المال لصاحبه.
بعدها انتشرت القصة بين الناس في واسط, وكلها تثني على عبدالله عذاب, ووصلت القصة الى محافظ واسط, الذي أدهشته القصة, وقرر أن يكافئ عبدالله عذاب, فاستدعاه الى ديوان محافظة واسط, وكان عبدالله متفاجئ من الاستدعاء, فأوعز محافظ واسط بمكافئته بشقة سكنية في المجمع السكني في واسط, لأمانته ونزاهته, ولكونه لا يملك بيت للسكن فهو يسكن في العشوائيات, فكان تصرف جميل ويستحق الإشادة من محافظ واسط.
هكذا قصة يجب أن يسلط الأعلام عليها, كي يكون عبدالله عذاب مثال راقي للمجتمع, ولكي يتم الاقتداء بفعله.
لكن مع الأسف كان خافتا صوت الإعلام, وقابلته القنوات الإعلامية المحلية بتجاهل تام, فقط لأنه صدر من مواطن بسيط, وليس حدث فضائحي, وهي قد اعتادت على الاهتمام فقط بالفضائح والتملق والكذب وتوافه الأمور, وقصة عبدالله لا تنتمي للمنهج الإعلامي المحلي, والأغرب انه حتى شعب مواقع التواصل الاجتماعي تجاهل الحدث, فهو شعب تلك الفضائيات, التي ربته على تداول الفضائح والأكاذيب والأخبار الطائفية والقومية وتوافه الأمور, فنشاهد انجراره وراء تفاهات احمد الخفاجي وشيماء, أو تداوله لفضيحة كقصة الدارسين قبل فترة, أنها الفوضى التي ترتكز على الأكاذيب والفضائح والتوافه, هكذا تم تأسيس العالم الخاص بنا, كي يموت الوعي وتختفي القيم.
شكرا للمواطن الصالح عبدالله عذاب الذي أعاد الروح لقيمة النزاهة والأمانة في مجتمعنا, وشكرا لمحافظ وساط والتفاته الرائعة.