لماذا يدافع (العراقي) عن (ديكتاتور) فاشل وسارق..؟ لماذا نتحدث بلغة الضيف الاجنبي..؟ ولماذا نستورد الافكار والاحزاب والقيادات..؟ كان، هذا حديث اليوم، مع عدد من الاخوة المثقفين والاطباء.. و لاجل فهم المشكلة، وحيثيات القضية.. يفترض مراجعة الاوليات والمقدمات التاريخية التي سببت مسخ (الهوية) وترسخ (الذيلية) في عمق الفرد..
وذكرت ما كتبه أ. فالح عبد الجبار في كتاب (العمامة والافندي).. عن اول المحاولات لبلورة الدولة العراقية، الملكية، في هذا القرن 20.. وهي اجراءات لاجل ايجاد ارتباط بين ارض (العراق) وبين القبائل الرحل، وقد شكلوا، حينها، حوالي 70% من سكان العراق..! واقصد محاولات التوطين، وهي عملية تحويل القبائل الرحل الى (مزارعين)..
ويبدو ان محاولات الملك، لايجاد ارتباط موضوعي وعاطفي بين القبائل الرحل ..والارض العراقية، هي خطوة لتاسيس الدولة، العراقية، وهي الخطوة الاولى، منذ عام 1258م ..اي بعد دخول هولاكو في بغداد .. او منذ الغزو المغولي، ونهاية الدور السياسي لبغداد، ونهاية عصر الحكم العراقي، وتحول العراق الى مستعمرة يديرها المغول .. ثم الحكم الصفوي .. ثم العثماني.. ثم الاحتلال الانكليزي..
أي، اكثر من 800 عام من الاحتلال الاجنبي مرت على العراق، وفيها تعرض شعبنا الى الاضطهاد، وقبول الذل والخضوع للسلطان..!
ثم كانت ثورة العشرين وانتاج نواة للدولة العراقية.. وبعدها محاولات اخرى.. لبث روح (الوطنية) من قبل حكومة (عبد الكريم قاسم).. ولم تدم الا سنوات قليلة، ليرجع العراق الى حكم مستبد، متذلل للاجنبي .. ومستأسد على الشعب.. وكما قال الشاعر: أسد علي.. وفي الحروب نعامة..
لقد كان الحكم الهدام، ابشع الانظمة البوليسية، وقد بالغ في استخدام اجراءات قمعية صارمة ضد ابناء شعبنا. اثرت تلك القيود المفروضة على حرية التعبير، وعلى النشاط المجتمعي والفردي عموما، والثقافي خصوصا.. اثرت هذه القيود سلبيا على روح (المواطنة) .. وانتج سلوك جمعي، يقر بشرعية الديكتاتور.. ويجد ان الشعب في خدمة (الديكتاتور)..!
سقط (الصنم) عام 2003.. لكن روحه بقيت تحكم العراق حتى عام 2014، حيث انتهت حكومة (الهدام) فعليا… واليوم.. صار لزاما العودة الى (الذات).. وتاسيس حكومة عراقية (القرار).. تخدم شعبها وتعيد (الثقة) للمواطن بنفسه، وتنزع (الخوف) و (الذل) من احشائه..!
لقد نطقت افواه، تحشد نحو دولة عراقية ذات سيادة.. وحسب فهمي، والانسان لا يمكن له ان يتجاوز حدود فهمه.. ان مشروعا وطنيا قد بدأ مع بداية المقاومة الشريفة ضد الاحتلال.. هو مشروع العودة الى (الذات).. التي فقدناها منذ مئات السنين من الاحتلال ومن حكومات (بلا سيادة)..
و نطقت افواه، تحشد نحو حكومة (خدمة).. وتؤسس لسيادة (الشعب) وقدسية (المواطن.. ان مشروعا وطنيا قد بدأ مع اتفاق (اربيل).. وهو مشروع الحكومة (الابوية) الخادمة للشعب.. واقتبس ما قاله السيد مقتدى الصدر ، ضمن تحشيده، لهذا الاتجاه، في خطابه يوم 10 ايلول من هذا العام ..في كلمته الى الشعب العراقي بشأن الوضع الامني والسياسي، يمكن ان اطلق عليها كلمة (العودة الى الذات)..وقد قال فيها سماحته :
بعدَ الجهودِ المضنيةِ من قبلِ الاخيارِ فقد زالَ التهميشُ والاقصاءُ والتفرد بالحكمِ، والفضلُ كلهُ للهِ سبحانهُ وتعالى. واليومَ. نحنُ امامَ منعطفٍ جديدٍ يحتاجُ الى وقفةٍ جادةٍ وحازمةٍ لإنهاء الازماتِ التي وقعَ فيها العراقُ
في ماضي الأيامِ. اليومَ يجبُ ان لا يكونَ العراقُ أسيراً بيدِ الطائفيين والمتشددين والاحتلالِ بل يجبُ ان يأخذَ الاعتدالُ زمامَ الامورِ فيه من خلالِ حكومةٍ أبويةٍ ترعى الجميعَ بلا تفرقةٍ بل بالعدلِ والانصافِ الذي يصبو إليه الجميعُ بلا استثناء..(انتهى)..
ان الدولة والحكومة الابوية هي التي ترعى الشعب، وتمنحه الحرية والثقة بالنفس، ليكون مضيافا، لكنه لا يتحدث بلغة (الضيف).. بل يعتز بلغته وعراقيته وتراثه وحضارته.. وتمنح الانسان العراقي فرصة (العودة الى الذات).. وللحديث بقية.