18 ديسمبر، 2024 9:51 م

هل ستنجح حملة الحرب النفسية ضد الاستفتاء ، وماذا سيجني الكورد من مشروعهم الستراتيجي؟

هل ستنجح حملة الحرب النفسية ضد الاستفتاء ، وماذا سيجني الكورد من مشروعهم الستراتيجي؟

مع اعلان الخامس والعشرين من شهر ايلول المقبل موعدا لاجراء الاستفتاء في اقليم كوردستان بشأن تقرير المصير، اشتدت معها الحملات الدعائية المضادة ضد المشروع الديمقراطي لشعب كوردستان من اطراف محلية واقليمية وجل الحملة تتركز على شن حرب نفسية لترويع وتخويف المواطن الكوردي في الاقليم من تداعيات اجراء الاستفتاء حيث هناك من يروج لصدام مسلح مع الحكومة الاتحادية او اغلاق ايران وتركيا حدودها مع الاقليم وحدوث مجاعة او قيامهما بتدخل عسكري لارغام الاقليم على التراجع عن مشروعه وهناك من يقول ان الاستفتاء حزبي وضبابي ولا يعرف الهدف الحقيقي منه او عدم استعداد اية دولة للاعتراف بنتائجه سوى اسرائيل كما روج لها رئيس التحالف الوطني عمار الحكيم وما الى ذلك من الدعايات المغرضة المدفوعة الثمن التي نسمعها سواء على لسان سياسيين كورد ام عرب ام بعض الفضائيات التابعة لجهات سياسية معادية اساسا لتطلعات الشعب الكوردي وتريده ان يبقى كما كان في السابق من مواطني من الدرجة الثانية و تابع لهيمنة المركز وسلب اراداته.
لاشك في ان الهدف الاساس من تلك الحملة هو خلق حالة من الخوف والرعب في الشارع الكوردي والتأثير على ارادته ومشاركته في الاستفتاء لتقرير وبناء مستقبل زاهر لأبنائه على ارضه و وطنه.
احاول قدر الامكان ان اوجز في هذا المقال بطلان كل تلك الادعاءات، وتوضيح المكاسب التي سيحققها الشعب الكوردي من الاستفتاء.
بالنسبة للصدام المسلح مع الحكومة الاتحادية او التدخل العسكري التركي او الايراني في الاقليم لارغامه عن التنازل عن حقوقه الطبيعية التي اقرتها كل القوانين والاعراف الدولية ومبادئ حقوق الانسان ، ينبغي ان نعلم ان وضع وظروف الشعب الكوردي اليوم يختلف تماما عن ما كان قبل انشاء اقليم كوردستان ، في تلك المرحلة كان الشعب الكوردي وحده اعزلا ليس له داعم معنوي سوى جباله والاعتماد على امكانياته الذاتية البسيطة ، لكن اليوم ظروف العراق والمنطقة والسياسة الدولية ازاء قضايا المنطقة تغيرت بشكل كبير ، لم يعد اقليم كوردستان مجرد كيان على الخارطة من دون امكانيات ، بل على العكس اليوم الاقليم دولة غير معلنة ومعترف بها دوليا وما وجود 37 قنصيلة وممثلية عربية واسلامية واجنبية من ضمنها الدول الخمس الدائمة في مجلس الامن الدولي في اربيل الا دليل على ذلك الاعتراف و محليا معترف به في الدستور بشكل واضح وصريح ، فضلا على وجود دعم دولي وحتى اقليميا له بسبب متغيرات الاوضاع وثقل الاقليم في المعادلات السياسية ودوره في دعم السياسة والمصالح الدولية وبالاخص في قضية مكافحة الارهاب التي اضحت مشكلة عالمية مستعصية حتى على دول كبيرة تمتلك امكانيات وقدرات عسكرية وامنية هائلة ، اذن الاقليم اصبح جزءاً مهما من المنظومة الدولية في المنطقة هذا من جانب ، الجانب الاخر هو ان قوات البيشمركة الدرع الحصين لاقليم كوردستان ايضا اصبحت جيشا نظاميا يمتلك قدرات هائلة من حيث التدريب والتجهيز واكتساب خبرات قتالية حديثة فضلاً على خبراتها السابقة بوساطة الدعم الدولي لها في الحرب ضد الارهاب واثبتت جدارة وقدرة عالية في الحرب ضد الارهاب و دحر تنظيم داعش الارهابي والانتصار عليه ، ناهيك عن حضور المئات من الخبراء والمستشارين من جميع دول العالم في صفوفها ويمكنها التصدي لاي عدوان داخلي وخارجي والحفاظ على الامن والاستقرار ولم يعد الاقليم لقمة سائغة كما يتصورها بعضهم ويمكن ابتلاعه من القوى الاقليمية.
استبعد حصول صدام عسكري مع المركز ، لان ستراتيجية الاقليم للاستقلال ليس الحرب بل اعلن مرارا ان الاستقلال سيتم بالوسائل والطرق السلمية وعبر حوارات مستفيضة وجادة مع بغداد ودول المنطقة فضلا على المجتمع الدولي بحيث يكون لصالح جميع المكونات العراقية.
بالنسبة لفرض حصار محتمل من ايران وتركيا على الاقليم وغلق حدودهما فهذا من المستحيل ، لان ايران اليوم هي تحت حصار دولي خانق من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بشكل عام بسبب برنامجها النووي ودعمها لتنظيمات موالية لها في بعض الدول وهي تحاول قدر الامكان البحث عن منفذ بري او بحري بسيط لتصدير فائض منتجاتها للحصول على العملة الصعبة والاقليم كان وما يزال احد اهم المنافذ لايران من حيث التبادل التجاري والعبور نحو العالم الخارجي واذا اقدمت ايران على غلق حدودها على الاقليم ، يعني ذلك انها تضيق الخناق على نفسها قبل اقليم كوردستان لانها بحاجة ماسة الى هذه البوابة المهمة لاقتصادها المنهار.
اما تركيا فاوضاعها الداخلية وعلاقاتها الخارجية وبالاخص مع الولايات المتحدة واوربا ليس افضل من ايران ، اذا اخذنا بنظر الاعتبار الاوضاع الداخلية والتدخل التركي السلبي في القضية السورية فضلا على الحرب الاستنزافية التي تخوضها ضد الشعب الكوردي هناك التي تكلفها اثمان باهظة في المال والرجال ، الاوضاع الامنية والسياسية المتفاقمة في تركيا جراء الصراع السياسي الداخلي والحرب المستمرة على طول حدودها مع ايران والعراق وسوريا ضد الكورد انهكت الاقتصاد التركي ، اذا اضفنا لها التأثيرات المباشرة لتدني النشاط السياحي التي تجني تركيا منها سنويا ما يقرب من عشرة مليارات دولار ، الامر الاهم الاقليم اصبح موردا مهما لانقرة من حيث تصدير البترول والتبادل التجاري واليوم تجني تركيا منها مليارات الدولارات لان الاقليم يعد المنفذ البري الوحيد لتركيا على العراق برمته وهناك مئات الشركات التركية التي تعمل في العراق وتدر لها سنويا مبالغ كبيرة لانعاش اقتصادها ، اتصور انقرة لن تجازف بغلق حدودها بوجه احد اهم المصادر الحيوية لأقتصادها هذا اذا اضفنا له تدهور علاقاتها السياسية والاقتصادية مع دول الاتحاد الاوربي بشكل عام وبالاخص مع المانيا.
غلق الحدود الايرانية والتركية بوجه الاقليم هو بمثابة انتحار لهما قبل ان تؤثر على الاقليم ، صحيح الاقليم ايضا سوف يتأثر بذلك ان حدث ، ولكن الشعب الكوردي تعود على تحمل الازمات والصعاب وحرب الابادة الجماعية منذ عشرات السنين من اجل نيل حقوقه المشروعة المتمثلة في بناء كيانه المستقل ويمكنه الصمود وتحمل الاوضاع الصعبة لمدة من الزمن لتجاوز الازمة ولكن في المقابل سيحقق حلماً طال انتظاره اكثر من قرن وقدم له تضحيات جساماً.
موقف الحكومة العراقية و دول الاقليم والمنظومة الدولية برمتها من الاستفتاء ليس سلبيا بالمعنى المجازي اي لم نسمع لحد الان اي صوت رافض ، الولايات المتحدة والغرب تؤكدان ان الاستفتاء شأن داخلي وينبغي طرحه مع الحكومة الاتحادية في بغداد فضلاً على اعلان تمسكهما بوحدة العراق ، هذا الموقف طبيعي جدا ولا يمكن ان نعده موقفا رافضا للاستفتاء وحتى الاستقلال ، لأن في العرف الدبلوماسي كل كلمة لها معنى وتفسير خاص ، المطالبة بالحوار مع بغداد والتمسك بوحدة العراق لا يعني بالتحديد رفض واشنطن لعملية الاستفتاء ، لو كانت الولايات المتحدة والغرب بشكل عام رافضة ، لاعلنت رفضها بصراحة لانها لا تجامل ولا تخشى اي من دول المنطقة بقدر ما تخشى على مصالحها، اذن هذا الموقف طبيعي جدا وسيتغير حين يصبح الاستفتاء امرا واقعا ، اما موقف تركيا وايران الجارتان لاقليم كوردستان ايضا فليس سلبيا اطلاقا فهما ايضا تؤكدان ضرورة الحفاظ على وحدة الاراضي العراقية نظرا لما تعانيانه من مشاكل داخلية ، المهم انهما لا تلوحان بتدخل عسكري او غلق الحدود وبالتأكيد عند فرض امر الواقع ليس لديهما خيار آخر سوى القبول به مع خلق ربما بعض التعقيدات السياسية والمضايقات الامنية للأقليم بوساطة القوى السياسية التي تدور في فلكهما.
وبشأن من يروج على ان الاستفتاء حزبي والهدف منه ضبابي ، فينبغي ان نكون عقلانيين و واقعيين ، الاستفتاء هو مشروع وطني قومي ديمقراطي حضاري لأخذ التفويض من الشعب لتقرير مصيره وهو لايختص بحزب معين ولذلك الحزب الديمقراطي الكوردستاني يسعى جاهدا لمشاركة جميع القوى السياسية من دون استثناء في هذا الكرنفال الوطني وفي الشهرين الاخرين قدم تنازلات كبيرة في مسار الحوار مع حركة التغيير من اجل انجاح المشروع الستراتيجي لبناء دولة مستقلة تحتضن الجميع ، اما من يريد ان يعرف الهدف الحقيقي من وراء الاستفتاء ليستمع الى اجابة الرئيس مسعود بارزاني في اجتماعه الاخير بنواب البرلمان الاوربي في بروكسل التي اعلن فيها صراحة ان الاستفتاء هو لانشاء دولة مستقلة للشعب الكوردي في جنوبي كوردستان ولكن هذا لا يعني اعلانه فور اعلان نتائج الاستفتاء بل باجراء مفاوضات وحوارات جدية مع بغداد والدول الاقليمية والمجتمع الدولي واعداد الارضية المناسبة لتلك الدولة التي ستكون عاملا لبسط الامن والاستقرار في المنطقة.
عدم الاعتراف بنتائج الاستفتاء هو ايضا من ضمن الحرب النفسية المعلنة على الشعب الكوردي ومشروعه الوطني الستراتيجي ، وفي هذا الخصوص ينبغي ان نعي تلك الحقيقة ان جميع الدول لا يمكنها الاعتراف بمشروع كبير كالاستفتاء والاستقلال قبل ضمان نجاحه لان اعلان موقفها او اعترافها المسبق بذلك المشروع يعد خرقا للسيادة وبالتالي تعرض مصالحها لاشكاليات معينة ، لذلك بتصوري المجتمع الدولي الان بانتظار نتائج الاستفتاء واذا لم تعترف به على الاقل فلن تقف بوجه ارادة و تطلعات الشعب الكوردي في انشاء كيانه المستقل في المنطقة.
اما ماذا سيجني الشعب الكوردي من مشروع الاستفتاء على تقرير المصير يمكن تلخيصها كالآتي:
1-الاستفتاء بحد ذاته هو تفويض الشعب لقيادته بتقرير مصيره على وفق ما تقتضيه المصلحة القومية العامة ومتطلبات المرحلة التي يمر به العراق والمنطقة برمتها وسيكون ورقة قوية بيد اقليم كوردستان في اية حوارات مستقبلية مع بغداد او دول المنطقة لنيل حقوق الشعب الكوردي سواء في انشاء دولته المستقلة او ضمان مستقبله ومشاركته في القرار ان بقي ضمن العراق الفدرالي ام الكونفدرالي.

2-سيكون الاستفتاء عاملا لحلحلة الخلافات السياسية بين الاطراف في الاقليم ، بوصفه مشروعا وطنيا لتحقيق حلم طال انتظاره بعد قرن من الحروب والكوارث والويلات ، ومن هذا المنطلق وبغية ترتيب البيت الكوردي وترطيب الاجواء السياسية لانجاح الاستفتاء اعلن الرئيس مسعود بارزاني في اجتماعه الاخير مع اعضاء البرلمان الاوربي في بروكسل انه ليس متمسكا بمنصب رئاسة الاقليم ودعا مرة اخرى كما في السابق القوى السياسية الى اختيار شخص اخر محله ليسلمه المنصب في اليوم التالي او انتظار الانتخابات المقبلة بعد اشهر التي لن يرشح نفسه فيها لاي منصب، وبالتاكيد الاطراف الاخرى سوف تكون مرغمة تحت الضغط الجماهيري لابداء مرونة ازاء حل المشاكل والخلافات.
3-على المستوى الاقليمي سيكون للاقليم دور اكبر من الماضي للمشاركة الفاعلة في حسم قضايا المنطقة وبالاخص في القضية السورية التي ستكون محور المتغيرات في المنطقة و سيكون اهتمام اكثر من ايران وتركيا بالاقليم بسبب تداخل وتلاقي المصالح الامنية والاقتصادية والسياسية المشتركة.
4-اتصور اكبر مكسب في الاستفتاء سيكون في الجانب الاقتصادي وذلك بسبب استقرار الاوضاع السياسية والامنية بعد الاستفتاء و مجيء شركات من مختلف الدول للمشاركة في مشاريع اعادة الاعمار واستكمال البنى التحتية التي ستكون عاملا لحركة اقتصادية واسعة في جميع المجالات مع تعافي اسعار البترول في الاسواق العالمية نتيجة التزام الدول المصدرة بالاتفاق على تخفيض الانتاج و زيادة الطلب عليه ، وكل هذا سيؤثر بشكل مباشر على زيادة ايرادات حكومة الاقليم ويمكنها من دفع مستحقات الموظفين والشركات النفطية واستكمال المشاريع المعطلة بسبب قطع موزانتها من بغداد و هبوط اسعار البترول وتكلفة الحرب ضد الارهاب في السنتين الماضيتين.
لذلك الحرب النفسية التي تقودها الجهات المعادية ستواجه الفشل الذريع وسيخرج الشعب الكوردي بنجاح كبير في هذا الاختبار الوطني والعرس القومي المتمثل باجراء الاستفتاء وما سيتمخض عنه من نتائج ايجابية ستكون لصالح الشعب الكوردي وجميع شعوب المنطقة.