18 ديسمبر، 2024 4:51 م

هل ستفكك زيارة اردوغان العقد المستعصية بين بغداد وانقرة؟

هل ستفكك زيارة اردوغان العقد المستعصية بين بغداد وانقرة؟

قبل أيام قلائل, صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أنه سيزور العراق نهاية شهر آذار-مارس الجاري, لبحث جملة من القضايا والملفات الأمنية والمائية والدبلوماسية المشتركة بين أنقرة وبغداد، وكذلك بحث مسألة استئناف تصدير النفط العراقي من اقليم كردستان عبر ميناء جيهان التركي مع مسؤولي إلاقليم.

مصادر خاصة في رئاسة الوزراء العراقية، اكدت خبر زيارة اردوغان، وقالت “ان الزيارة المهمة لأردوغان ستكون، يومي 30 و31 من شهر اذار الحالي، بحسب ما أبلغ به بشكل رسمي الجانب العراقي، وتجري الترتيبات لهذه الزيارة من الآن، كونها تستغرق يومين، كما ستشمل إقليم كردستان، وستتخللها عدة اجتماعات في بغداد وأربيل”.

واشارت المصادر الى “ان زيارة أردوغان إلى العراق ستركز على ملفات خلافية عالقة بين البلدين منذ فترة طويلة، أبرزها ملف المياه، حيث ان العراق يسعى إلى الحصول على كامل حصته المائية العادلة، لمواجهة خطر الجفاف، إضافة إلى إعادة تصدير النفط العراقي عبر ميناء جيهان التركي، خاصة أن هذا الأمر يكلف العراق خسائر بملايين الدولارات بشكل يومي”.

واوضحت المصادر “أن ملف الأمن ستكون له أهمية، خاصة أن أنقرة تريد تحييد وتحجيم تحركات عناصر حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، وان هناك إمكانية عقد اتفاق أمني جديد لضبط الحدود بشكل مشترك، مقابل أن توقف أنقرة قصف الأراضي العراقية وإخراج قواتها من العمق العراقي، وهذا الأمر سيُحسم خلال التفاوض المباشر ولا اتفاق نهائيًا مسبقًا بشأنه لغاية الآن”.

ولعل الرسائل التي انطلقت من انقرة مع قرب موعد زيارة اردوغان لم تكن طيبة ولا ايجابية بالقدر الكافي، فصحيفة “حريت” التركية المقربة من الحكومة، تطرقت في تقرير مفصل لها مؤخرا الى عملية عسكرية واسعة من المقرر ان ينفذها الجيش التركي داخل الاراضي العراقية قريبا، قائلة، “انّ الاستعدادات متواصلة من قبل تركيا لتنفيذ عملية عسكرية برية واسعة في شمال العراق، تؤدي إلى إكمال السيطرة على المنطقة الحدودية بين البلدين، بعمق 40 كم في الأراضي العراقية،

واكدت الصحيفة، “أن من الأهداف المقبلة للعملية، تعزيز القواعد العسكرية هناك، وتأسيس قواعد مؤقتة ودائمة جديدة في المنطقة، وتنفيذ عمليات عسكرية بدعم جوي للقضاء بشكل كامل على مواقع وتحصينات حزب العمال الكردستاني PKK “.

واكثر من ذلك، كشفت الصحيفة نقلا عن مصادر رسمية في رئاسة اركان الجيش التركي، “أن العمليات ستنفذ على امتداد الحدود التركية العراقية البالغة 378 كيلومتراً، على أن يتم إحكام السيطرة بشكل كبير على كل المنطقة الحدودية، كما جرى في سورية على طول الحدود، وينتظر أن يتم اتخاذ إجراءات تناسب هذه العمليات في السليمانية وسنجار ضد مسلحي حزب العمال”.

وقبل حوالي اسبوع، زار مستشار الامن القومي العراقي قاسم الاعرجي تركيا والتقى كبار المسؤولين الاتراك، وفي مقدمتهم وزير الدفاع يشار غولر، وتمحورت مجمل اللقاءات حول سبل تعزيز علاقات التعاون بين البلدين الجارين، لاسيما التعاون في ملفات الأمن وضبط الحدود ومكافحة الإرهاب والمياه وتبادل المعلومات. اذ اكد الاعرجي بحسب البيانات الرسمية “ان التعاون البنّاء في مجال ترسيخ الأمن والاستقرار، وتحقيق مشروع طريق التنمية، يقود بطبيعة الحال إلى الاستقرار في جميع الجوانب، لاسيما الاقتصادية منها، وبما يعود بالمنفعة على الجميع، ويحقق مصالح الشعوب والدول”.

ومن خلال قراءة ونظرة اجمالية عامة لصورة الوقائع والاحداث، يبدو من الصعب تشخيص مؤشرات ايجابية على امكانية حلحلة الملفات الاشكالية والقضايا العالقة بين بغداد وانقرة، وهناك اليوم من يقول ان اردوغان الذي لم ينجح او لم يرغب في التوصل الى حلول ومعالجات حقيقية للمشاكل مع العراق طيلة فترة حكمه التي امتدت عشرين عاما، فأنه اغلب الظن لن ينجح خلال الاعوام القلائل المتبقية له في السلطة، حيث انه اعلن في وقت سابق ان الانتخابات البلدية القادمة ستكون الاخيرة له، علما ان ولايته الرئاسية الحالية تنتهي في عام 2028.

ومعروف أن أنقرة في تعاطيها مع مجمل الملف العراقي تلعب على التناقضات السياسية بين الفرقاء، سواء في بغداد أو في إقليم كردستان، وتراهن على ضعف الحكومات الاتحادية المتعاقبة، وصمت الولايات المتحدة الأميركية والقوى الكبرى حيال مجمل سياساتها ومواقفها، لاعتبارات مصلحية تتجاوز الحالة العراقية، وبالتالي فإنها لا تعير كثيراً من الاهتمام لاعتراضات بغداد الرسمية والشعبية منها.

في ذات الوقت، فإن هناك مصالح سياسية واقتصادية متشابكة بين انقرة وبغداد، تخطئ أنقرة كثيرًا حين تفرط أو تزهد بها، كما أن علاقاتها ومصالحها الإقليمية، بل وحتى الدولية، قد لا تتيح لها فعل ما تريده وحدها، بعيداً عن حسابات الآخرين ومصالحهم، ناهيك عن أن المراهنة على خلافات واختلافات الفرقاء الكرد في الإقليم، وعموم الفرقاء العراقيين، قد تأتي بنتائج إيجابية مرحلية لأنقرة، بيد أن الأمور على المدى البعيد ربما ستكون مختلفة، وخصوصاً أن المشهد السياسي العراقي مشهد فضفاض وخاضع للكثير من المتغيرات والتحولات السريعة والمفاجئة في المعادلات والمواقف والاصطفافات والمصالح.

ورغم انه كان هناك تعويلا كبيرا على الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لتركيا في اذار-مارس من العام الماضي، بحلحلة وتفكيك العقد المستعصية طيلة عقود من الزمن بين بغداد وانقرة، الا ان تطورا وانفراجا حقيقيا وملموسا لم يتحقق، ونفس الشيء بالنسبة للزيارة التي قام بها وزير الخارجية التركي هاكان فيدان للعراق اواخر شهر اب-اغسطس الماضي.

ولا شك أنه من غير المعقول ولا المنطقي تصور أن كل تلك المشاكل المعقدة والشائكة المتراكمة، يمكن أن تجد طريقها الى الحل بيسر وسهولة، مهما كانت النوايا صادقة، والارادات قوية، والمواقف حازمة، إلا أن ما يمكن تصوره هو تحديد مسارات واقعية متفق عليها بين الطرفين، مع اشراك اقليم كردستان بصورة حقيقية، والتباني على تقدير ومراعاة المصالح المتبادلة في إطارها الواسع والشامل. و”زيارة أردوغان لبغداد-كما قلنا في وقت سابق- إذا لم تتمحور حول هذه الأمور فإنها ستكون عبثية، ولن تتعد الاستعراض السياسي والتسويق الإعلامي الشكلي والعابر”.

————————-

*كاتب وصحافي عراقي