7 أبريل، 2024 6:55 ص
Search
Close this search box.

هل ستعود سامراء عاصمة للعراق “العلوي”

Facebook
Twitter
LinkedIn

هذا الشعار ليس بالضد من أهل السنة والجماعة في العراق -كما قد يتوهم- ولذا وضعته بين علامتي أقتباس. هو لا يصف العراق “مذهبيا” “كمتشيع” بقدر ما هو يصف التوجه السياسي العام والغالب للعراق خلال العديد من مراحله التاريخية منذ عهد الخلافة الراشدة الى ستينيات القرن العشرين. هذا العنوان مناظر للقول بأن سوريا أو الشام كانت “أموية” و أيران “صفوية” و مصر كانت “فاطمية” و اليمن دولة “زيدية” والحجاز أمارة “هاشمية”. فكل هذه “يافطات” عريضة لا تحدد مذاهب الدول بل تحدد توجها أيدلوجيا كان سائدا أو حاز أغلبية واضحة أو بسيطة في فترة ما من حياة تلك الشعوب, وهي كوصف دولة معينة بأنها شيوعية أو ديمقراطية مع وجود توجهات سياسية مختلفة فيها أو وصفها بأنها تتبع الكنيسة الكاثوليكية البابوية مع كونها تحوي مواطنين من مذاهب وأديان مختلفة.
بعض هذه التسميات محيت أوتبدلت منذ مئات السنين وبعضها ظل قائما الى فترة الثورات القومية العربية في خمسينيات وستينات القرن الماضي. هذا الوصف العام يترافق طبعا مع وجود فئات محايدة وفئات بالضد من هذا التوجه أعلاه, بشرط أن يكون لدى المحايدين رضا عام من تولي “الاخرين” توجيه البوصلة الأيدولوجية للبلد وألا فلن يكون ممكنا وضع يافطة واحدة لوصف بلد ما. والشرط الاخر, هو أن تكون هذه الأغلبية مختلطة الأعراق, أي أن لا تقتصر على فئة واحدة (قومية أو دين أو مذهب ) وتترك جميع الفئات الأخرى كلها للمعارضة كأقلية فكرية. كذلك أمكن وصف العراق بالعلوي لان جميع فئاته المذهبية (ولكن بنسب متفاوتة طبعا) في أغلب فتراته كانت مع خط أهل البيت من العلويين أو من الهاشميين عموما في مواجهة التيارات الأخرى مع وجود حياد أيجابي لدى باقي الفئات. وفي هذا المقام, تأتي سامراء أو “سر من رأى” التي كانت لمئات السنين, ولفترة قريبة رمزا للعراق “العلوي” كتوجه سياسي في مقابل النجف التي مثلت الخط العلوي دينيا (أو مذهبيا لو أردنا التخصيص) و الكوفة التي مثلت العراق العلوي أداريا حين كانت حاضرة الخليفة علي بن أبي طالب. لذا فالخط العلوي في العراق ذاتي أصيل وليس وافد بتأثير سلطة الحاكم كالتشيع في أيران أو في مصر الفاطمية. فلنتعرف على سامراء كما أراها أنا والكثير من العراقيين ومن ثم نعود للمحور الأساسي للمقال.
سامراء, كمدينة, تأسست بقرار من المعتصم بالله , الخليفة العباسي, كعاصمة بديلة أو أضافية لبغداد. وهي شيدت تحت مسمى “سر من رأى” ومن أسمائها الاخرى معسكر أو عسكر ومنها جاء لقب الأمام الحسن العسكري وما زال كثير من أهلها يفتخرون بنسبهم العلوي أو الهاشمي عموما. لكن “سر من رأى” تبوأت لاحقا مكانة لا تليق بها كعاصمة سابقة لدولة مترامية الأطراف , أذ تحولت لتصير “ساء من رأى” بسبب هجرة الكثير من أهلها بعد تحول الخلافة الى بغداد مرة أخرى ولصعوبة الوصول لماء دجلة كونها على مرتفع و عوامل أخرى ناقشها المؤرخون – فأسم سامراء الحالي هو ليس تحويرا لأسم “سر من رأى” بل هو أتى من “ساء من رأى” أو “ساء من راء”, ولأن العرب وخصوصا في الشام والحجاز تميل لعدم لفظ الهمزة المتأخرة كما في “صحرا”. لذا, سقطت همزة “ساء” ومن ثم أدغام نون “من” و الراء التي بعدها عند النطق بها متصلة وتعوض بتشديد الراء لتصبح “سا مرّاء”. ولا أدري كيف لم يعمل العراقيون وأهل سامراء خصوصا على أرجاع الأسم القديم.
عموما ,ما ساهم بالحفاظ على سامراء من الأندثار نهائيا كحال العديد من المدن القديمة التي بقيت مجرد أطلال هو وجود مرقد الأمامين الحسن العسكري وعلي الهادي ومقام الأمام المهدي ومراقد علوية أخرى. هذه الحضرة الواسعة والتي ظلت عامرة البنيان لمئات السنين قد جذبت الزوار لسامراء وترتب عليها حركة تجارية بررت لأهلها البقاء و الأهم أن الحضرة العسكرية كانت العلة لوجود مدرسة دينية شيعية “حوزة مصغرة” جذبت لها طلبة علوم دينية الى فترة العشرينيات وكان من أبرز المراجع الشيعة فيها انذاك الميرزا محمد الشيرازي صاحب فتوى التنباك الشهيرة والذي عاصر أحداث ثورة العشرين و تشكيل نواة الدولة العراقية. التسامح الديني لدى أغلب السامرائيين أنذاك و التفكير البراغماتي لبعضهم و الحياد الأيجابي للبعض الاخر (المتحفظ) جعلهم يحتضنون هذه العتبة في داخل سور مدينتهم بينما لفظوا خارجه جامع المتوكل الكبير ومأذنته الملوية الشهيرة التي مثلت أطلال السلطة والذي ظل مهجورا لعصور خارج السور(سلطة مؤقتة زالت بزوال حاكمها وليس طابعا فكريا أزليا).
من ناحية الجغرافية السياسية, فأن فضل أحتضان سامراء -وهي في شمالي بغداد- للحضرة العسكرية ولمدرسة دينية له تميز جيوبوليتيكي على وضع النجف و كربلاء أو حتى الكاظمية. قد يكون الكلام ليس دقيقا تاريخيا لوجود عوامل أخرى مؤثرة ولكن هو تحليل واقعي لابد أن يصل اليه من يتأمل الصورة في الرابط أدناه لسامراء في عشرينيات القرن المنصرم – أنتبه أنها ليست لصورة تعود لمئات السنين بل لأقل من قرن من الزمن. https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B3%D8%A7%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%A1#/media/File:Photography_Q27441.jpg
أرجو التامل في هذه البلدة الدائرية أو البيضاوية التي لايتجاوز نصف قطرها 400 مترا وتشغل الحضرة العسكرية قطب الرحى منها. هل يستطيع منصف أن يصرح بأن العتبة العسكرية هامشية الدور في وجود هذه المدينة. داخل سور هذه البلدة كان يوجد مراقد الأئمة ومسجد المدينة وبيوت أهالي سامراء فقط ولم يكن هناك مقرات جيش للحماية ولا وقف شيعي لأدارة العتبة وطبعا لم تكن هناك مجاميع مسلحة “مليشيا” شيعية ولا حكومة أحزاب أسلامية شيعية لفرض الأمر الواقع. لذلك قلت أن الولاء العلوي في العراق هو ذاتي أصيل ينبع عن أختيار ورغبة وليس دخيلا قد فرض بقوة سلطة. عندما حارب علي بن أبي طالب (بجيش عراقي) أهل الشام بقيادة معاوية لم يكن أهل العراق شيعة بالمعنى الفقهي التعبدي كما لم يكونوا سنة أيضا. وكذلك في حرب خلافة الحسن بن علي القصيرة. وفي كل المحن والفتن التي مرت على العراق حين كانت السلطة الأموية ترسل أقسى الولاة و أغلظهم لأهل العراق ومن ثم أختار أهل العراق الوقوف
مع الدعوة العباسية التي كان شعارها الرضا من أل محمد وكان ظاهرا أنها تخطط لعودة الخلافة لأبناء علي أو أحد أبناء عمومتهم. وأحتضن العراق عاصمة العباسيين (الكوفة و الهاشمية أولا ومن ثم بغداد) دونا عن باقي ولايات الدولة الاسلامية.
الصورة في الرابط أعلاه أبكتني سابقا وأنا أتامل بها قبل عقد من الزمن في أيام التفجير المشؤوم الذي أذن بتحول العراق الى ساحة صراع بين خط علوي أصيل وأخر أموي وافد بعد أن سبقته عدة تحولات مفصلية في التواريخ التالية: 1968 , 1980, و 2003 وما تبعها من كوارث سوء أدارة الأمور الذي جعل سامراء تنسلخ من هويتها الأصلية. هذه التحولات مماثلة لتحول ايرلندا من دولة كاثوليكية بالعموم الى أيرلندا شمالية بروتستانتية بنخبتها الحاكمة التابعة لسلطة ملك بروتستاني بالممارسة والى أيرلندا الجمهورية التي أحتفظت بالطابع الثقافي والديني القديم.
الحديث في هذا الشأن هو ذي شجون ولكن أعود لأقول أن سامراء ممكن أن تعود قبلة للعراق المتاخي لو أستطاعت أحتواء العتبة العسكرية والزوار الشيعة أختيارا لا فرضا كما كانت من قبل. بالمقابل ستعود أيرلندا موحدة متاخية اذا اصبحت بلفاست هي العاصمة الثانية الموازية لدبلن. وهكذا, فأننا نحتاج لأعادة زرع الثقة وترتيب الأولويات. نحتاج بدل الأنشغال بالصراع القومي و التنازع على كون كركوك قدس كردستان أم قدس العراق العربي بأن نغير الشعار الى “سامراء قدس العراق ——“
ملاحظة: أذا لم يعمل الرابط الخاص بالصورة فيكفي كتابة “سامراء قديما” في محرك البحث لتجد عدة صور مماثلة.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب