23 ديسمبر، 2024 3:26 م

هل ستطلق الكويت شرارة التصحيح؟

هل ستطلق الكويت شرارة التصحيح؟

الكويت المفجوعة بأبنائها لن تؤثر على ردود فعلها مساحتها الجغرافية و لا عدد سكانها و لا تسلسلها على مقاييس التنمية أو التطور أو غيرها من المقاييس. فدولة الكويت تحظى بتأييد واسع على المستويين الأقليمي و الدولي. و منشأ هذا التأييد ركنان أساسيان أولهما سياسة الأعتدال التي تمارسها الكويت على المستويين الخارجي و الداخلي و دعمها النسبي للحريات و التعددية, و إسهامها الكبير نسبيا في المساعدات الانسانية و المشاريع العامة التي تخفف العبئ عن الكثير من الدول المتقدمة.

الكويت ضمن منظومة دول مجلس التعاون الخليجي تغلها ديون و التزامات أخلاقية و مادية خصوصا في علاقتها مع المملكة العربية السعودية التي وقفت موقفا ايجابيا (مهما كانت دوافع ذلك الموقف) في عملية تحريرها بعد اجتياح نظام صدام الدكتاتوري لدولة الكويت عام ١٩٩٠. و قد تحولت تلك الالتزامات فيما بعد الى قوانين ملزمة تسير عمل المنظومة الخليجية. دائما ماتحبذ المملكة العربية السعودية  ممارسة دور الأخ الأكبر بين شقيقاتها دول الخليج الأخرى الأصغر حجماً و الأصغر إمكانات و موارد. ربما باستثناء سلطنة عمان التي قد تضاهي دولة الكويت في اتزان سياستها الداخلية و الخارجية, و تتفوق عليها في كثير من الجوانب الأخرى.

 يعلم الخليجيون كيف يتم توزيع الأدوار بين دول المنظومة الخليجية, و يعلمون ديناميكيات المواقف و العلاقات البينية و الخارجية و يعلمون جيدا أن منظومة العلاقات الخارجية و متانتها خصوصا مع الولايات المتحدة الأمريكية و دول أوربا و على رأسها بريطانيا تمنح دولة خليجية ما قوتها و امتيازاتها بين الدول الأخرى. و حكومات الخليج و شعوبه تعلم أن رأس المال و قوة الاقتصاد (وبعبارة أخرى الغنى) سبب أساسي آخر يمنح دولة خليجية ما مكانتها الداخلية و الأقليمية و الخارجية. وهذا يتجلى في صراخ اليمنيين المعترضين على الحرب التي تشنها السعودية و حلفاؤها عليهم أن سياسة المملكة قد أفقرت اليمن و جوعته. و أن جبروت السعودية منشؤه تكدس الأموال و الغنى الفاحش الذي بات يحرك الكثير من سياسات المملكة.

وضمن هذه المقاربات ستتميز حكومة المملكة العربية السعودية بكثير من النقاط الإيجابية التي ستشكل امتيازات تجعلها تتصدر مكانة الأخ الأكبر بين دول المجموعة الخليجية. يضاف الى ذلك الإرث التاريخي و المكانة الدينية التي و إن كانت عوامل مهمة جداً لكنها بدأت تفقد اهميتها في موازين العلاقات الدولية, و الدليل على ذلك الدور الذي تلعبه دولة قطر و ما اكتسبت من  اهمية أقليمية متنامية و مثلها الإمارات العربية المتحدة. فتجربتهما لا ترتكز على أي إرث تاريخي أو مكانة دينية بالمقارنة مع مصر و العراق مثلا.

الأخ الأكبر لدول الخليج هو ذاته المرجع الديني و المستشار العقائدي و مدرسته الفقهية  المهيمنة المتشددة تتمتع بنفوذ كبير على المستويات الشعبية و مستويات صنع القرار في معظم دول الخليج العربي, بل امتد ذلك التأثير الى أفريقيا و دول آسيا و أوربا. متمثلا بالفكر السلفي المتشدد و بنسخته الوهابية في كثير من تمظهراته.

الكويت اليوم أفضل من يمكن أن يطلق شرارة الحرب على التطرف و التكفير و التشدد. فعلى الرغم من أن العراقيين كانوا و مازالوا منذ عام ٢٠٠٣ بل حتى قبل ذلك يتصدون لوحدهم لدحر التفكير الظلامي المتطرف بشتى الوسائل و دفعوا لقاء ذلك مئات الآلاف من الأرواح و المليارات من الدولارات و فقدت الأمتين العربية و الإسلامية بل الإنسانية بذلك شريكا حضاريا مهما كان يمكن له أن يمولهم و يمول  العالم بطاقة إضافية في التنمية و التطور, لكن تعقيد الوضع العراقي و ساحته المكتضة بالمتغيرات و بعوامل الإصطراع حالت دون أن يحسم العراق تلك المعركة رغم جدية النزال و دمويته.

تستطيع الكويت اليوم وهي وجميع دول المنطقة ليست بمنأى عن ارتدادات الفكر الداعشي التكفيري  و موجاته التي قد تجتاح أي منطقة لتفعل مافعلته في سوريا و العراق, تستطيع أن تقود التغيير داخل المنظومة الخليجية لما لها من قبول محلي  و دولي. و تستطيع أن تسهم في التغيير الإيجابي الداخلي عن طريق إيجاد معادل موضوعي نوعي يقف بوجه الغلو و التطرف, الأمر الذي قد لا تستطيعه المملكة العربية السعودية أو أي دولة خليجية أخرى لعدة عوامل أهمها العوامل الجغرافية و السياسية.

الكويت جارة العراق الجنوبية و لصيقة محافظة البصرة تدرك أن خطر التطرف عليها وجودي و واقعي و مواجهته لن تتطلب فقط غلق الحدود او تعزيز الأمن عددا وعدة. فالمواجهة هي مع عدو من الداخل و عدو شرس لا يتورع عن أي فعل, و عدو هدفه تأسيس دولة خلافة مزعومة على أنقاض دول المنطقة. و الخطورة في هذا السيناريو أن جزءاً كبيراً منه يتساوق مع رؤية أميركا للشرق الأوسط الكبير ضمن مفهوم النظام العالمي الجديد.

في هذا السياق الجيوسياسي المعقد تندرج زيارة سماحة السيد مقتدى الصدر الى الكويت فور انهاء عوائل ضحايا التفجير الإجرامي في جامع الإمام الصادق مراسيم دفن الشهداء في أرض النجف الأشرف. الزيارة لم تكن أبداً لنقل التعازي فقط و لم تكن بروتوكولية. فزيارة السيد مقتدى الصدر سبقتها قبل أعوام زيارات الى قطر و المملكة العربية السعودية و تركيا و كذلك الكويت كلها كانت تتبنى مفهوم وحدة المسلمين و التنبيه الى خطر الطائفية و شبحها الذي كان يحوم حول المنطقة قبل داعش بسنوات. لكن معظم الدول التي تحدث السيد الصدر مع قادتها لم تتخذ أي إجراءآت حقيقية كفيلة بمحاربة الإرهاب و التطرف.

أما الكويت اليوم فلا خيار أمامها سوى رفد جهود العراقيين في القضاء على الدواعش و الفكر الذي يقف وراءهم. و زيارة سماحة السيد مقتدى الصدر تحمل جملة مضامين أهمها أن الكويت يجب أن لا تشعر بخلوها من العمقين الحضاري/التأريخي و الجغرافي/السكاني عندما تعزم على الحديث مع الأخ الأكبر فهي كذلك يجب أن تشعر بأنها أخ أكبر لوقوف العراق معها ومع أي دولة من دول المنطقة تريد أن تتحرر من سطوة الفكر التكفيري المتطرف. خلاف ذلك ستجد معظم دول المنطقة نفسها يوما تقف مع الدواعش بشكل أو آخر و تبرر  أفعالهم  وربما تتبنى آيديولوجيتهم و منهجهم.

هل ستطلق الكويت شرارة التصحيح؟
الكويت المفجوعة بأبنائها لن تؤثر على ردود فعلها مساحتها الجغرافية و لا عدد سكانها و لا تسلسلها على مقاييس التنمية أو التطور أو غيرها من المقاييس. فدولة الكويت تحظى بتأييد واسع على المستويين الأقليمي و الدولي. و منشأ هذا التأييد ركنان أساسيان أولهما سياسة الأعتدال التي تمارسها الكويت على المستويين الخارجي و الداخلي و دعمها النسبي للحريات و التعددية, و إسهامها الكبير نسبيا في المساعدات الانسانية و المشاريع العامة التي تخفف العبئ عن الكثير من الدول المتقدمة.

الكويت ضمن منظومة دول مجلس التعاون الخليجي تغلها ديون و التزامات أخلاقية و مادية خصوصا في علاقتها مع المملكة العربية السعودية التي وقفت موقفا ايجابيا (مهما كانت دوافع ذلك الموقف) في عملية تحريرها بعد اجتياح نظام صدام الدكتاتوري لدولة الكويت عام ١٩٩٠. و قد تحولت تلك الالتزامات فيما بعد الى قوانين ملزمة تسير عمل المنظومة الخليجية. دائما ماتحبذ المملكة العربية السعودية  ممارسة دور الأخ الأكبر بين شقيقاتها دول الخليج الأخرى الأصغر حجماً و الأصغر إمكانات و موارد. ربما باستثناء سلطنة عمان التي قد تضاهي دولة الكويت في اتزان سياستها الداخلية و الخارجية, و تتفوق عليها في كثير من الجوانب الأخرى.

 يعلم الخليجيون كيف يتم توزيع الأدوار بين دول المنظومة الخليجية, و يعلمون ديناميكيات المواقف و العلاقات البينية و الخارجية و يعلمون جيدا أن منظومة العلاقات الخارجية و متانتها خصوصا مع الولايات المتحدة الأمريكية و دول أوربا و على رأسها بريطانيا تمنح دولة خليجية ما قوتها و امتيازاتها بين الدول الأخرى. و حكومات الخليج و شعوبه تعلم أن رأس المال و قوة الاقتصاد (وبعبارة أخرى الغنى) سبب أساسي آخر يمنح دولة خليجية ما مكانتها الداخلية و الأقليمية و الخارجية. وهذا يتجلى في صراخ اليمنيين المعترضين على الحرب التي تشنها السعودية و حلفاؤها عليهم أن سياسة المملكة قد أفقرت اليمن و جوعته. و أن جبروت السعودية منشؤه تكدس الأموال و الغنى الفاحش الذي بات يحرك الكثير من سياسات المملكة.

وضمن هذه المقاربات ستتميز حكومة المملكة العربية السعودية بكثير من النقاط الإيجابية التي ستشكل امتيازات تجعلها تتصدر مكانة الأخ الأكبر بين دول المجموعة الخليجية. يضاف الى ذلك الإرث التاريخي و المكانة الدينية التي و إن كانت عوامل مهمة جداً لكنها بدأت تفقد اهميتها في موازين العلاقات الدولية, و الدليل على ذلك الدور الذي تلعبه دولة قطر و ما اكتسبت من  اهمية أقليمية متنامية و مثلها الإمارات العربية المتحدة. فتجربتهما لا ترتكز على أي إرث تاريخي أو مكانة دينية بالمقارنة مع مصر و العراق مثلا.

الأخ الأكبر لدول الخليج هو ذاته المرجع الديني و المستشار العقائدي و مدرسته الفقهية  المهيمنة المتشددة تتمتع بنفوذ كبير على المستويات الشعبية و مستويات صنع القرار في معظم دول الخليج العربي, بل امتد ذلك التأثير الى أفريقيا و دول آسيا و أوربا. متمثلا بالفكر السلفي المتشدد و بنسخته الوهابية في كثير من تمظهراته.

الكويت اليوم أفضل من يمكن أن يطلق شرارة الحرب على التطرف و التكفير و التشدد. فعلى الرغم من أن العراقيين كانوا و مازالوا منذ عام ٢٠٠٣ بل حتى قبل ذلك يتصدون لوحدهم لدحر التفكير الظلامي المتطرف بشتى الوسائل و دفعوا لقاء ذلك مئات الآلاف من الأرواح و المليارات من الدولارات و فقدت الأمتين العربية و الإسلامية بل الإنسانية بذلك شريكا حضاريا مهما كان يمكن له أن يمولهم و يمول  العالم بطاقة إضافية في التنمية و التطور, لكن تعقيد الوضع العراقي و ساحته المكتضة بالمتغيرات و بعوامل الإصطراع حالت دون أن يحسم العراق تلك المعركة رغم جدية النزال و دمويته.

تستطيع الكويت اليوم وهي وجميع دول المنطقة ليست بمنأى عن ارتدادات الفكر الداعشي التكفيري  و موجاته التي قد تجتاح أي منطقة لتفعل مافعلته في سوريا و العراق, تستطيع أن تقود التغيير داخل المنظومة الخليجية لما لها من قبول محلي  و دولي. و تستطيع أن تسهم في التغيير الإيجابي الداخلي عن طريق إيجاد معادل موضوعي نوعي يقف بوجه الغلو و التطرف, الأمر الذي قد لا تستطيعه المملكة العربية السعودية أو أي دولة خليجية أخرى لعدة عوامل أهمها العوامل الجغرافية و السياسية.

الكويت جارة العراق الجنوبية و لصيقة محافظة البصرة تدرك أن خطر التطرف عليها وجودي و واقعي و مواجهته لن تتطلب فقط غلق الحدود او تعزيز الأمن عددا وعدة. فالمواجهة هي مع عدو من الداخل و عدو شرس لا يتورع عن أي فعل, و عدو هدفه تأسيس دولة خلافة مزعومة على أنقاض دول المنطقة. و الخطورة في هذا السيناريو أن جزءاً كبيراً منه يتساوق مع رؤية أميركا للشرق الأوسط الكبير ضمن مفهوم النظام العالمي الجديد.

في هذا السياق الجيوسياسي المعقد تندرج زيارة سماحة السيد مقتدى الصدر الى الكويت فور انهاء عوائل ضحايا التفجير الإجرامي في جامع الإمام الصادق مراسيم دفن الشهداء في أرض النجف الأشرف. الزيارة لم تكن أبداً لنقل التعازي فقط و لم تكن بروتوكولية. فزيارة السيد مقتدى الصدر سبقتها قبل أعوام زيارات الى قطر و المملكة العربية السعودية و تركيا و كذلك الكويت كلها كانت تتبنى مفهوم وحدة المسلمين و التنبيه الى خطر الطائفية و شبحها الذي كان يحوم حول المنطقة قبل داعش بسنوات. لكن معظم الدول التي تحدث السيد الصدر مع قادتها لم تتخذ أي إجراءآت حقيقية كفيلة بمحاربة الإرهاب و التطرف.

أما الكويت اليوم فلا خيار أمامها سوى رفد جهود العراقيين في القضاء على الدواعش و الفكر الذي يقف وراءهم. و زيارة سماحة السيد مقتدى الصدر تحمل جملة مضامين أهمها أن الكويت يجب أن لا تشعر بخلوها من العمقين الحضاري/التأريخي و الجغرافي/السكاني عندما تعزم على الحديث مع الأخ الأكبر فهي كذلك يجب أن تشعر بأنها أخ أكبر لوقوف العراق معها ومع أي دولة من دول المنطقة تريد أن تتحرر من سطوة الفكر التكفيري المتطرف. خلاف ذلك ستجد معظم دول المنطقة نفسها يوما تقف مع الدواعش بشكل أو آخر و تبرر  أفعالهم  وربما تتبنى آيديولوجيتهم و منهجهم.