7 أبريل، 2024 6:44 ص
Search
Close this search box.

هل ستسحب الولايات المتحدة قوّاتها من العراق ؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

بعد قرار ترامب بسحب قوّاته من شمال شرق سوريا الذي لم يكن مفاجئا ، بقدر ما كان مؤجلا، فقد سبق وأعلن هذا القرار في كانون الاول من العام الماضي ، الاّ انه اضطر الى تأجيله تحت ضغط مستشاريه العسكريين . وفي ذات الوقت من أواخر العام الماضي أيضا ، بدأت ادارة ترامب مفاوضاتها مع حركة طالبان للتوصل الى اتفاق سلام مع الحكومة الافغانية يؤدي الى انسحاب آمن للقوات الأمريكية من افغانستان ، وكان من المتوقع ان يعلن عن هذا الاتفاق في نهاية شهر ايلول الماضي لولا تعثر المفاوضات ، الاّ ان كل الدلائل تشير الى أنها ستنتهي قريبا وستنسحب القوات الامريكية من أفغانستان . وهنا يتساءل الكثيرون ، اذا كانت ادارة ترامب قد أعلنت عن سحب قوّاتها من شمال شرق سوريا ، وهي عازمة على سحب قواتها من أفغانستان، فما الذي يحول دون سحب قوّاتها من العراق! وللأجابة على هذا التساؤل ، ربما يكون مفيدا ان نتعرف على موقف ترامب شخصيا من الحرب على العراق عام 2003 .
عند ترشحه لرئاسة الولايات المتحدة وفي المناظرة العلنية التي ضمّته مع احد عشر مرشحا جمهوريا في 16/9/2015 ، وفيما يتعلق بموضوع العراق قال ما مضمونه : انه وقف بشكل عنيد جدا ضد ذهاب الولايات المتحدة الى العراق . وفي المناظرة العلنية التالية التي ضمته مع خمسة من المرشحين الجمهوريين في 13/2/2016 قال مخاطبا مناظريه من الجمهوريين : قلتها واضحة وبصوت عال انكم ستزعزعون استقرار الشرق الأوسط . ومن المعروف ان عودة القوات الآمريكية الى الوطن كان من ضمن وعوده الأنتخابية وخطابه الشعبوي .ومنذ دخوله البيت الأبيض ، وخلال السنوات الثلاثة الماضية ، لم يغيّر ترامب من موقفه ، بل كان في كل مناسبة يؤكد عليه ويتخذ قرارات لتنفيذه عمليا . ولكنّ البعض ، وبخاصة من الديمقراطيين ، يشيرون الى ان موقف ترامب من هذا الموضوع ، أي موضوع الحرب على العراق ، لم يكن كذلك قبل غزو العراق عام 2003 ، وانه كان مؤيدا لها ، ولم يلاحظوا تغيّرا في موقفه الاّ بعد سنة من وقوع الحرب. غير ان الذاهبين بهذا الاتجاه لم يقدّموا دلائل دامغة ، بل اعتمدوا على اجابتين مترددتين لترامب في مقابلتين تلفزيونيتين على سؤال فيما اذا كان مؤيدا للحرب على العراق ، الأولى كانت بتاريخ 11/9/2002 مع مقدم البرامج المشهور هيوارد ستيرن ، والثانية بتاريخ 31/1/2003 مع قناة فوكس الاخبارية .
الثابت ان ترامب كان معارضا لغزو العراق ، وموقفه هذا يتناسب مع مصالحه كأمبراطور عقارات عالمي له مصالح في أنحاء العالم وفي داخل الولايات المتحدة ، وان هذه المصالح لابد ان تتأثر بشكل ما عند دخول الولايات المتحدة في حروب وبخاصة في منطقة الشرق الاوسط حيث يوجد ثلث احتياطي النفط العالمي ويوفر 30 % من احتياجات العالم النفطية . ولهذا نجد من المنطقي ان يكون موقفه رافضا لتلك الحرب . واستنادا الى خلفيته المالية والتجارية فهو يدير الولايات المتحدة بعقلية مدير تنفيذي لشركة كبيرة مهمّة ذات فروع متعددة في ارجاء العالم، اسمها الولايات المتحدة . لذا فهو يوازن بين الارباح والخسائر ، واي فرع لايوفّر ارباحا معقوله ، فمن مصلحة الشركة الأم ان تعالج الامر ، واذا ما وجدت ان العلاج صعب أو مكلف ، ستلغي ذلك الفرع وتوفر موازنته لمشاريع مربحه في فروع اخرى ، أو في المقر الرئيسي للشركة. ولهذا فهو لايتردد ابدا في القول ان تلك الاموال التي صرفت في العراق لو تمّ انفاقها في نيويورك أو في اية ولاية أمريكية لكان ذلك افضل .
في تغريدتين نشرهما يوم الاربعاء 9/10/2019 على حسابه في موقع تويتر ، يقول : في تاريخ بلدنا ذهبنا الى حرب تحت افتراض خاطىء وغير صحيح وهو اسلحة الدمار الشامل ، ولم يكن هناك شيئا ، والآن نحن نهيء ببطء وعناية لعودة جنودنا العظماء الى الوطن ، سنركز على الصورة الأكبر ، الولايات المتحدة أكبر من اي وقت مضى . ان الولايات المتحدة أنفقت ثمانية تريليونات دولار للقتال ولعب دور شرطي الشرق الأوسط. لقد مات وجرح آلاف من جنودنا العظماء ، فيما قتل في الجانب الآخر ملايين من الناس . الذهاب الى الشرق الأوسط هو اسوء قرار على الأطلاق . وفي السياق ذاته ذكر انه لايريد خوض هذه الحروب التي لانهاية لها ومن دون معنى ، وبخاصة تلك التي لاتفيد الولايات المتحدة ، وانه لا يريد توريط الولايات المتحدة في حروب غبية ومن دون نهاية في الشرق الأوسط .
بعد كل هذا الكلام ، وعلى أفتراض ان ما يقوله الرئيس الأمريكي ترامب هو ما يتطلع الى تنفيذه من دون مواربة أو مخادعة ، ألا يقودنا هذا الافتراض الى أنّ فرع الشركة في العراق أصبح عبئا كبيرا على الشركة الأم ، وينبغي ان يغلق بعد تلك الخسارات الكبيرة التي مني بها ، وان الأموال المخصصّة في الموازنة لهذا الفرع ينبغي ان تذهب الى مكان آخر !
انّ الاستنتاج المنطقي يقود الى ذلك . وربما لو ترك الأمر للسيد ترامب لفعلها . بيد أن موضوع العراق أخطر من ان يترك لمفاجئات الرئيس ، فهو ليس مثل سوريا من حيث طبيعة الصراعات التي وقعت ولا تزال فيها ، وليس مثل أفغانستان من حيث الجغرافية السياسية . لذا يصعب التصور ان تغادر الولايات المتحدة العراق بمثل هذه السهولة ، وهي التي تعتقد انها شيدت عمليته السياسية والدستورية ورعتها ، بدماء الاف القتلى والجرحى من الجنود الامريكيين وثمانية تريليونات من الدولارات . فهل يمكن أن تغادر العراق بمثل هذه البساطة ، وكأنك يا أبو زيد ماغزيت!
دعونا قبل كل شيء ان نفهم الهدف من وجود ما يقارب ستة الآف جندي أمريكي منتشرين في قواعد في الوسط والغرب وفي أقليم كردستان . ما هو معلن ، ان القوات الأمريكية موجودة بطلب رسمي من الحكومة العراقية للمساعدة في التدريب وتقديم الاستشارة والتعاون مع حكومة العراق لدحر ما سمّي بدولة الخلافة وتنظيم داعش . الآن دولة الخلافة انتهت ، والرئيس ترامب أعلن اكثر من مرة أن التحالف الدولي بقيادة امريكا قد قضى على تنظيم داعش مئة بالمئة . هذا يعني ان جانبا مهمّا من الاسباب التي دعت الى وجود القوات الآمريكية لم يعد موجودا . واذا كان الأمر كذلك فينبغي تقليص عديد هذه القوات الى الحجم التي تتطلبه مقتضيات التدريب وتقديم الاستشارة . هذا لو كان الهدف من هذه القوات على النحو أعلاه .
هل لوجود هذه القوات علاقة باحتمالات المواجهة الامريكية – الايرانية المزعومة ! لا يعتقد ذلك . فمثل هذه المواجهة بعيدة الاحتمال لأسباب عديدة وغير خافية على أحد . كما أنّ ترامب نفسه لايريد حربا مع ايران ، ليس الآن فقط بل حتى لو أعيد انتخابه لفترة رئاسية ثانية ، لأنه بعقليته كمدير شركة تنفيذي ناجح يريد ان يؤسس فرعا للولايات المتحدة في طهران . والتجارة أكثر من السياسة أعتمادا على المصالح وليس المبادىء وعلى قاعدتي ان لم تستطع هزيمتهم فكن معهم ، وان ليس هناك صداقات دائمة ولا عداوات دائمة بل هناك مصالح دائمة . فضلا عن ذلك فأنّ ترامب ليس بمثل هذه الحماقة ليخوض حربا مع ايران بستة الاف جندي في العراق ، بل العكس هو الصحيح ، ان وجود هؤلاء الجنود هو الذي يبعد احتمالات اية مواجهة عسكرية مع أيران .
أنّ الولايات المتحدة لا تزال مقتنعة بجدوى العملية السياسية في العراق على الرغم من عيوبها البنيوية الخطيرة ، وهي ترى ، وتشاطرها في ذلك أطياف كبيرة من الشعب في العراق ، انّ الهدف الاساسي من وجودها العسكري في العراق يكمن في المحافظة على التوازن المذهبي والعرقي ، وأنها الضامن لوحدة الاراضي العراقية وسلامتها الاقليمية في هذه المرحلة، ووجودها فيه مصلحة لجميع الآطراف . وليس من مصلحة اي طرف ان يقحم موضوع وجود هذه القوات بالخلافات بين الولايات المتحدة وايران، أو يستخدمها كوسيلة ضغط لحصول ايران على مكاسب في مفاوضاتها المقبلة مع الامريكان .
لذلك فانّه يبدو من السابق لأوانه أن تفكّر الولايات المتحدة بمغادرة العراق في هذه الوقت . ولكن ماذا لو تعرضت قوّاتها الى ضغوط من شأنها أن تعرّض حياة جنودها الى الخطر ، لاسيّما وان فصائل عراقية مسلّحة قد هددت مرارا بذلك ؟ عندها سيكون الأمر مختلفا ، ولن يكون مستبعدا أن تقامر الولايات المتحدة بمستقبل العراق، وليس بحياة جنودها . لذلك فاللعب بورقة الوجود العسكري الامريكي في العراق أمر محفوف بالمخاطر ، ونتائجه وخيمة . ولكن ما العمل والنهايات في السياسة دائما مفتوحة ، وسوء التقدير يبقى قائما باستمرار .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب