23 ديسمبر، 2024 11:53 ص

هل روسيا فعلاً ” على طبق من دم “

هل روسيا فعلاً ” على طبق من دم “

ألتاريخ لاتُحلّل أحداثه ، ولا تُقرأ نصوصه إنتقائياً ، أو بالفَهلوه على طريقة طيب الذكر توفيق الذِقن . ألتاريخ ، كل لايتجزأ ، وغير قابل للقص أو للتحريف . ويُعاب على الكاتب ، عندما يحاول، فيما يكتبه أن يَستغفِل ألقراء ، متصوراً جهلهم ، أو لاأباليتهم . 
موضوع مقالتي ، هو الرد والتعقيب على مقالة الاستاذ طارق الحميد في صحيفة ” الشرق الاوسط ” بتاريخ 2 مارس الحالي تحت عنوان ” روسيا على طبق من دم ” ، التي حاول الكاتب جاهداً وباسلوب حاذق ومركّز أن يسوّق مقولات وأفكار  بمثابة حقائق لاتُحاجَج ولا تستكين إلا بتبنيها جملةً وتفصيلا . بيد أن التوقف ، ولو برهةً عندها ، سنكتشف إنها محاوله من قبل الكاتب المحترم لتطويع التاريخ لمصلحة السياسه . وهنا الاشكاليه .
في مقالته ، المُشار إليها أعلاه لجأ الكاتب ، إلى الاسلوب الصحفي المعروف بطرح ماتريد  وكإنها مُسلمات لما يعقبها وليس لما يسبقها. هكذا نلاحظ في مقالته مايلي من إقتباسات :         
” الغزو الروسي للقرم الاوكراني ” ، بل وأكثر ” الغزو الروسي لاوكرانيا ” ، ويدعو ويلّح إلى عدم تفويت الفرصه ل ” تحجيم روسيا ، وبوتين ، في كل مكان .. ” إبتداءً ، من الواجب تصحيح ماأورده السيد الحميد ، من أن ألقرم ، والاصح شبه جزيرة القرم ، أوكراني الانتماء . ألتاريخ يقول ليس ذلك !
هذه أرض يمكن أن تكون لسكانها الاصليين من التتار المسلمين ، عندما إستوطنوها عبر التاريخ ولغاية فقدانهم لهذه السياده ، بسبب تحالفهم مع الامبراطوريه العثمانيه ، على يد الروس عام   1783 . وبالطبع فإن هذه أضغاث أحلام ، فلا يمكن إسترجاع مجد غابر ، وليس لهؤلاء السكان الاصليين في الوقت الراهن أية مقومات سياسيه ـ سياديه على أرض أجدادهم ، كما ان التناسب الديموغرافي لهم لايتعدى ال 12٪ من إجمالي سكان القرم .
هكذا أضحت شبه جزيرة القرم جزءً من الامبراطوريه الروسيه ، ثم جزءً من الاتحاد السوفييتي ضمن المكونات الاداريه لروسيا السوفيتيه الاتحاديه ، إلى أن ” ألحقها ” خروشوف، عام 1954 إدارياً ضمن المكونات الاداريه لاوكرانيا السوفيتيه الاتحاديه . ــ أنظر مقالتي في كتابات في 22 شباط 2014  ـ
كثير من الروس الان ينظرون إلى هذه الهديه من قبل خروشوف ويعزونها لأصوله الاوكرانيه ، وثمة تفسيرات أخرى ليست هذه المقاله بمتسع لها . الامر المؤكد هو أن هذا الإلحاق ، لم يكن له في حينها أي سند قانوني أو تاريخي وتعوزه النظره الاستراتيجيه . بالطبع خروشوف لم يدر في خلده ، آنذاك ، سوى أبدية الاتحاد السوفيتي ، وأبدية قيادة الحزب الشيوعي لهذه الدوله العظمى المترامية الاطراف ، والمتعددة القوميات .
وكان أن حدث غير ذلك ، وإنهار هذا العملاق ، الاتحاد السوفيتي ، في برهه من الزمن لاتتعدى في تقويم التاريخ ، خلا دقائق . مانشهده الان من أحداث مأساويه ، من ضحايا سقطت ، ومن شبه حرب أهليه في أوكرانيا ، وإثارة للنعرات القوميه بين الاوكرانيين والروس ، ذوي الاصل السُلافي الواحد ، ومن تأزم حاد في العلاقات الدوليه ، كل ذلك لم يكن سوى نتاج لذلك الضم الغير الشرعي لشبه جزيرة القرم ألى أوكرانيا.
كنت أتمنى على الاستاذ الحميد أن يتمعن في هذه الحقائق التاريخيه أعلاه قبل أن يتصدى  للكتابه عن القرم ، فلامعذره للكاتب ، مهما كان موقعه ، أن يكتب بلا تمحيص .
وكلمه ، أدرك ضرورة قولها ، حول دعوة الكاتب المحترم لعدم تفويت الفرصه لتحجيم روسيا  وبوتين تحديداً ، وأردَفَ ، أي الكاتب ، ” في كل مكان ” ! على طريقة توم وجيري . إبتداء ، لم يقل لنا الاستاذ الحميد ، لمن يوجه خطابه التحريضي هذا ! وهذا مدعاة للاسف ، من شانه ان يخل من شروط كتابة مقال صحفي ـ تعريفي ومعرفي في آن .
سأحاول هنا ، مجاناً ، تقديم المساعده للقارئ الصبور في ألعثور على إجابه مُناسبه ، ” بَخلَ ” بها كاتبنا علينا .     
من الواضح ، أن السيد الحميد لم يقصد دول الأمه العربيه المجيده . فهي في حال عجزت حتى  أم عوف عن تبيان وتشخيص عِلاتّها . ثم ان هذه الامه ، بإفتراض تمكنها ، ليس لديها الوقت لتحجيم روسيا ، لإنشغالها بما هو أهم من مثل : داعش ، وذكريات داحس والغبراء ، وأمور تتماشى وهذا السياق على غِرار : وجوب إرتداء الشباب ألسراويل المقصّره ، وقتل الصبايا  ألغُرّات من قبل أهلهنّ ورمي جثثهن في الترع بسبب رغبتهن بالزواج ممن أحببن …..
….
هل ألمقصود دول الاتحاد الاوربي ؟ أيضاً لا وكلا . هذه الدول والبلدان منشغله ومشغوله ، ومنذ عشرات الاعوام ، لِحُسن الحظ بإسعاد أناسها والمقيمين فيها. مايُؤرقّها كيفية رفع مستوى معيشة سكانها ، وإضافة ميزات أخرى لمتقاعديها وأطفالها ، بل ولكلابها وحيواناتها.
  ….
 لم يتبقى لنا، في الحساب ، سوى الولايات المتحده الامريكيه . وهنا المقصد، وهنا بيت القصيد! لدي في هذا الصدد ، سُؤال للسيد الحميد ، أيا ترى أليس ذلك حنيناً لسياسة القطب الواحد، ومايجب أن تكون عليه أمريكا في تصّور برجينسكي أو ريغان . وألا يستدعي ذلك سؤال آخر : ماهيَ مصلحة العرب ، أقواماً كانوا أم أُمّه ، في بذل الجهد ، حسب دعوتك ، لتحجيم روسيا .
… أنا لاأشكك في النوايا الخيره للاستاذ الحميد. معاذ الله ! ولكني مُضطر لان أستعير من أراغون قولهُ من أن ثمة ” معاني سلبيه تدور في أعماقه ” !
ألمصلحه ، في عرف وتحليل الاقتصاد الكلي ، تكمن في تلك المنافع الماديه ، المتوقعه والمأموله من نشاط إقتصادي ـ إنساني ما . فهل تعتقد ياأستاذ الحميد إن العرب سيحققون هكذا مصلحه ، فيما لو عادت روسيا ، جارتهم الاقرب إليهم جغرافياً ، إلى ماكانت عليه من خذلان وخزي وضعف ، كما كانت عليه قبل لاأكثر من عشرين عاماً في زمن غورباجوف ويلتسن .
وهل بالإمكان تجاهل حقيقة أنه بفضل بوتين ، وليس غيره تنهض روسيا من جديد ، وتستعيد مجدها الحضاري ، الذي تستحقه ، وفي ذلك مصلحه مؤكده للعالم العربي .
روسيا حليفة العرب ، ولا يمكن أن تكون غير ذلك .