25 نوفمبر، 2024 9:31 ص
Search
Close this search box.

هل رسم الدستور طريقاً خاصاً لتعيين القضاة؟

هل رسم الدستور طريقاً خاصاً لتعيين القضاة؟

ان القاضي هو المحور الذي تدور حوله وترتبط به ارتباطاً وثيقاً عناصر العدالة، ووجوده من الضرورات التي لا يمكن إهمالها، لذلك اهتمت المجتمعات بالقضاء بشكل عام وبالقاضي بشكل خاص من حيث اختياره وتعيينه في القضاء وفرضت عليه قيود الزمته بالتخلي عن الكثير من المساحات التي يعمل فيها أقرانه في الوظائف الأخرى، كما دونت قواعد لسلوكه امتازت بتغليظ شروط التعامل اليومي وتدخلت في حريته الشخصية كما اهتم الدستور بسلوك القاضي وعمله وحظر عليه القيام بأعمال وردت حصراً في المادة (98) من الدستور التي جاء فيها الاتي ( يحظر على القاضي وعضو الادعاء العام ما يأتي: أولاً:- الجمع بين الوظيفة القضائية، والوظيفتين التشريعية والتنفيذية، أو أي عملٍ آخر. ثانياً:- الانتماء إلى أي حزبٍ أو منظمةٍ سياسية، أو العمل في أي نشاط سياسي.) وهذا ناشئ عن التبجيل والتوقير الذي أحيط بها القضاء، وانعكس ذلك في الدساتير ومنها الدستور العراقي لعام 2005 حيث جعل للقضاء استقلال عن بقية السلطات وعلى وفق المادة (19/أولاً) التي جاء فيها الاتي (القضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون) ثم خص القاضي بأحكام تعزز من مكانته وتؤمن له الحصانة تجاه أصحاب النفوذ عندما منع عزله إلا لأسباب تتعلق بنزاهته وعبر اليات قانونية صارمة وعلى وفق ما ورد في المادة (97) من الدستور التي جاء فيها الاتي (القضاة غير قابلين للعزل إلا في الحالات التي يحددها القانون، كما يحدد القانون، الأحكام الخاصة بهم، وينظم مساءلتهم تأديبياً) كما شدد على ان القاضي مستقل في عمله القضائي عند إصداره الأحكام حتى عن رؤسائه في هرم الإدارة القضائية وعلى وفق المادة (88) من الدستور التي جاء فيها الاتي (القضاة مستقلون، لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضاء أو في شؤون العدالة).
ومع هذا الاهتمام الدستوري بالقاضي إلا ان الدستور خلا من أي نص يتعلق بكيفية تعيين القاضي أو اختياره لإشغال المناصب القضائية وإنما ترك ذلك الى القانون وعلى وفق ما ورد في المادة (96) من الدستور التي جاء فيها الاتي (ينظم القانون، تكوين المحاكم، وأنواعها، ودرجاتها، واختصاصاتها، وكيفية تعيين القضاة وخدمتهم، وأعضاء الادعاء العام، وانضباطهم، وإحالتهم على التقاعد) وفي هذه المادة التي تعتبر الإشارة الوحيدة إلى تعيين القاضي فإنها تركت الأمر إلى القانون، أي إلى خيار المشرع ف اختيار الوسيلة المناسبة لاختيار وتعيين القاضي، واي الية للاختيار يرسمها القانون لا يمكن ان تشكل خرق أو مخالفة للدستور لان المشرع له ان يرسم أي طريق للاختيار وفي اغلب البلدان هناك عدة خيارات ومثال ذلك في الاتحاد السوفيتي السابق كان الانتخاب هو الوسيلة الوحيدة لاختيار القضاة وفي الولايات المتحدة أيضا يتم انتخاب القاضي للعمل في محاكم الولايات، أما في إنكلترا فان اختيار القضاة يكون من كبار المحامين وممن لهم خدمة لا تقل عن (10) سنوات، واحيانا يتم اختيارهم عبر الانتخاب في القضايا الصلحية، أما في العراق فان تعيين القاضي كان يتم عبر طلب يقدم إلى وزارة العدل من المحامي أو الحقوقي الذي لديه خدمة أو ممارسة لمدة لا تقل عن ثمان سنوات وعلى وفق أحكام المواد (33 و 34) من قانون السلطة القضائية رقم 26 لسنة 1963 الملغى، ثم حل محله قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المعدل عندما حصر تعيين القضاة بخريجي المعهد القضائي فقط وعلى وفق أحكام المادة (36/أولاً) من القانون أعلاه قبل تعديلها، وهو تأكيد لما ورد في قانون المعهد القضائي رقم 33 لسنة 1976 المعدل الذي حدد تعيين القضاة بالمتخرج من المعهد حصرا اعتباراً من السنة الثانية لتشكيله وعلى وفق ما جاء في المادة (18) التي جاء فيها الاتي (يعين قاضياً أو نائب مدع عام، بعد تخرج الدورة الأولى في المعهد القضائي، إلا من كان متخرجا فيه) وهذه النصوص القانونية انعكست سلباً على أعداد القضاة ونوعيتهم لأنها اشترطت خدمة ثلاث سنوات بدلاً من ثمان سنوات كما كان في السابق ومن ثم الدراسة في المعهد لمدة سنتين، إلا ان المشرع التفت إلى هذه الحالة وأعاد العمل بتعيين القضاة من المحامين دون الدخول إلى المعهد القضائي وذلك بموجب القانون رقم 16 لسنة 1988 قانون تعديل قانون التنظيم القضائي وعلى وفق ما ورد في المادة (4) التي جاء فيها الاتي (يجوز تعيين المحامي قاضيا بمرسوم جمهوري اذا امضى مدة ممارسة في مهنة المحاماة لا تقل عن عشر سنوات ولم يتجاوز عمره الخامسة والأربعين استثناء من شرط التخرج من المعهد القضائي.) والتي أصبحت الفقرة (3) من المادة (36) من القانون أعلاه وجاء في الأسباب الموجب لهذا التعديل الاتي (وان يجاز تعيين المحامي قاضيا بمرسوم جمهوري اذا امضى عشر سنوات في المحاماة استثناء من شرط التخرج من المعهد القضائي وذلك لرفد القضاء بعناصر ذات كفاءة وتجربة كافية في الاطلاع على تطبيقات احكام القانون) ثم رفع السن لغاية (50) عام بموجب قانون التعديل رقم 3 لسنة 2007، وبذلك اصبح تعيين القاضي بسبيلين الأول عن طريق المعهد القضائي والآخر هو اختيار القضاة من المحامين ممن لهم خدمة لا تقل عن عشر سنوات ومن الجدير بالذكر ان العشرات من الشخصيات القضائية العالية في مقامها القضائي والوافرة في عطائها العلمي من أمثال محمد شفيق العاني وداود سمرة وأنطوان شماس وضياء شيت خطاب وصادق حيدر وغيرهم الكثير، ممن لم يتخرجوا من المعهد القضائي وإنما كانوا من المحامين الناجحين، وخلاصة القول ان الدستور لم يمنع اختيار القضاة من بين المحامين ووجود النص القانوني الوارد في المادة (36/ثالثاً/أ) من قانون التنظيم القضائي لا يخالف الدستور ولا يشكل خرقاً له وإنما نص قانوني ينسجم تماما مع الدستور، وأتمنى ان تتولى نقابة المحامين واتحاد الحقوقيين تكثيف النشاط نحو تفعيل هذا النص بالتعاون مع مجلس القضاء من اجل الحصول على شخصيات قضائية ذات مستوى عالي تسهم في دعم استقلال القضاء العراقي ذو التاريخ العريق.

أحدث المقالات

أحدث المقالات