23 ديسمبر، 2024 10:20 ص

هل ديمومة “بيت الله” ديمومة سياسيّة؟.. بين “خاشقجي” وبين المعبد

هل ديمومة “بيت الله” ديمومة سياسيّة؟.. بين “خاشقجي” وبين المعبد

الرموز العباديّة “الاستراتيجيّة” من المؤكّد وعبر التاريخ البشري هي مراكز سياسيّة في طبيعتها وفي طبيعة استقطابها لرأس المال , وبذا “فالرموز” مراكز تجاريّة وسياسيّة , وكلاهما مكمّل للآخر , المال والمعبد , ومن يزر الأضرحة عندنا “الاستراتيجيّة” منها كأضرحة آل البيت ع يدرك جيّداً تلك العلاقة الوثيقة أو المتشابكة بين المال وبين “المزار” ويدرك أيضًا السبب وراء ظهور الخرافة وتحوّلها لمقدّس والّتي تبدأ عادةً بسرد رؤية مشوّقة في منام أو مبالغة في وصف لا يُستبعد أصحاب المال في تأليفها وأظنّ من المعيب أن نأتي بدليل يثبت ذلك.. فبنظرة سريعة لأحوال أهل مكّة مثلاً منذ ما قبل الإسلام سنجد أنّ تجارة قريش تقوم ركائزها على مواسم الحجّ والعمرة , فمنذ إعادة تأسيس “الزقّورة” بيت الله الحرام بشكلها البدائي “كعبة” ومن بعد ذلك بقرون عديدة انعقاد “الحلف” ما بين السيّدة “هاجر” وما بين قبيلة “جُرهُم” بحمايتها هي ورضيعها “مقابل الاستسقاء المتبادل لماء زمزم يوم لها ويوم لهم” ؛ تحوّل المكان اليباب مع مرور الوقت إلى مركز رطب ومن النوع الخاص “سوق حرّة” <ربّما مجيء إبراهيم ع “لبكّة” ورفعه للقواعد من البيت فيها كان بطلب من النمرود , من يدري؟> فتاريخ ما قبل ظهور الإسلام طُمس تماماً تقريبًا لعدّة أسباب لا مجال لذكرها هنا , ولولا البيت العتيق لم تكن هنالك تجارة أصبحت فيها مكّة مركزها الأهمّ , وهنا لو بحثنا في عمق الأحداث الّتي رافقت نشوء مكّة وفق نظريّة “الحتميّة” والّتي لا بدّ وستعتمد حوادث تاريخيّة تُستنتج لا تُسرد من المؤكّد سنعثر على أسباب لا نعرف عنها إلاّ كونها أسباب سياسيّة لنشوء هذه “القرية” هي بالتأكيد غير الّتي وصلتنا واعتبرها الناس كمسلّمات وأحيطت بالقداسة وبالغموض” إضافةً لوظيفة مراقبة “الخصوم” .. وبما أنّ الصراع كان رومي فارسي والقرى “المقدّسة”
وغير المقدّسة من ممتلكاتهما فحتماً امتدّ ذلك الصراع إلى مراكز العبادة , ولا يبتعد “رفع القواعد من البيت” عن ذلك الصراع , وقد سبق لي ولمّحت في مقال سابق استنادًا لبعض المصادر القديمة إضافةً لكونه أمر متعارف عليه بين الناس تتحدّث عن خصومة بين الامويين والهاشميين وسببه حتمًا سبب ديني وبالتالي هو “خلاف سياسي” أساسه تجاري بالقطع يعزّز ذلك ميل بنو هاشم للإمبراطوريّة الفارسيّة وميل بنو أميّة للإمبراطوريّة البيزنطيّة ” فأبا سفيان يكثر ارتياد الشام بحكم تجارته حيث البيزنطيّون , ومحمّد صلعم أيضاً وبتوصيّة من “التاجرة” خديجة , بينما لا بدّ وهنالك علاقة ثلاثيّة بشكل أو بآخر بين ابرهة “بن صباح الأشرم” الحبشي والمكنّى “يكسوم” وبين “الفرس” وبين عبد المطّلب ولربّما كان قدوم ابرهة الحبشي لهدم الكعبة “أو المرجّح عندي لاحتلال مكّة” بدعوى زائفة عن منافسة الكعبة للكعبة الّتي بناها في اليمن بعد استيلائه عليها “وجعل لها قبابًا من ذهب” أيضًا من الممكن تفسيره “على أنّها كانت دعوة” من عبد المطّلب “لتقويض ركائز خصومه “بنو أميّة” التجاريّة والمنافسون لبنوا هاشم في سقاية الحجيج , ولذلك أكثر من ساند الرسول صلعم في دعوته هم بنو أميّة كما نستنتج إذ ليس من المستبعد انضمام “الأموي” عثمان بن عفّان “السادس من أسلم من الرجال” إلاّ ضمن إطار الدعم يقوّي هذا الاستنتاج , أيضًا فقد زوّج أبا سفيان ابنته للرسول صلعم وهو لا زال بداية دعوته! ولذلك رفض أبا لهب “الهاشمي” دعوة ابن أخيه محمّد صلعم حين دعاه للإسلام ربّما باعتباره بنظره “منشقّ” عن بنو هاشم عمليًّا ثمّ محاربته له وإيذائه “للإعجاب” الّذي أبداه “الفتى محمّد” بالمهارة التجاريّة لبنو أميّة وإعجابه بعلاقاتهم التجاريّة والسياسيّة الواسعة في الشام وفي القسطنطينيّة “المبهرة” والتأثير الكبير لرفقته معهم في الطريق الطويل الموصل بين مكّة والشام ما يعني حضور بنو أميّة ذووا الميول البيزنطيّة في الموضوع , ولذا نتصوّر كم هي حنكة الخليفة “العديّ” عمر ابن الخطّاب السياسيّة, أو من مشورة , حين ولّى معاوية “الأموي” حاكمًا على الشام رغم وجود بذور عداوة مطمورة بين عمر وبين بنوا أميّة! .. سيجرّنا كلّ ذلك إلى أمثلة معاصرة مفادها أنّ أغنياء العالم هم صناعات دول ولم يصبحوا بذلك الثراء كما اعتاد أتصوير ذلك إعلام الدولة كدح وذكاء تجاري مجرّد! ليس بدءًا في عصرنا من “أوناسيس” إلى الوليد بن طلال ولأصغر تاجر أو صاحب “كشك” , والرسول صلعم بدأ تجارته “ببسطيّة” افترشها عند ركن دار السيّدة خديجة بعدما ألمّ القحط بعمّه هي خديجة من موّل موادّها البسيطة ثمّ ليتحوّل بعدها للنبوّة ثمّ يُرسل من الله للعالمين بعد مرافقته التجاريّة لأبي سفيان, ويبقى على القارئ الكريم الاستنتاج أيضًا.. ورجل من سادة قريش كعبد المطّلب ما فقره المادّي وعوزه إلاّ بسبب بخل “الفرس” الشديد بنظر العرب وليس مستبعدًا أن يكونوا هم من صبغوا اليهود بمأثرتهم هذه منذ إسقاط اجدادهم مدينة بابل .. فعندما يدعو تاجر السلاح “عدنان خاشقجي” قبل أسابيع لأردوغان رئيس حكومة تركيا عارضِا عليه تزويده بالسلاح مجّانًا كما ذكرت ذلك الأخبار “شرط اكتساح جيشه سوريا وإسقاط الرئيس السوري “بشّار الأسد”.. لربّما بالنسبة لي أو لغيري لا نراه إلاّ امتداد تأثير التبادل المصلحي ما بين السياسة وما بين الدين منذ ذلك الزمن البعيد , والمنطقة هي هي لا زالت نفسها لم تتغيّر طبيعة بيئتها ورجالها فما المانع لتشابه سياسة اليوم سياسة الأمس البعيد! فخاشقجي الوهّابي الضليع بسياسة من هذا النوع  والمحرّض على غزو العراق والمشتهر كأكبر تجّار السلاح في العالم منذ سبعينيّات القرن الماضي لا يبتعد نبضه السياسي عن نبض أبا سفيان السياسي..