19 ديسمبر، 2024 3:52 ص

هل دم النساء العراقيات مباح وقتلهن مستباح؟

هل دم النساء العراقيات مباح وقتلهن مستباح؟

جاء منح جائزة نوبل للسلام العالمي للناشطة الايزيدية العراقية نادية مراد، في الخامس من تشرين الاول (اكتوبر) 2018 تتويجا للنساء الايزيديات اللواتي وقعن في قبضة داعش وتعرضن لاشبع حالات الاغتصاب الجنسي والتعذيب الجسدي والنفسي، وللنساء اللواتي يتم اغتيالهن في مدن العراق في وضح النهار وبدم بارد، بعد ان اصبحت عمليات اغتيال الناشطات المدنيات والوجوه الفنية والاجتماعية تحديدا، في بغداد العاصمة وفي بقية المدن، ظاهرة تؤرق النساء والمواطنين بشكل عام وتستحق الادانة من لدن منظمات حقوق الانسان والمرأة في العراق والامم المتحدة ودول العالم، على اعتبارها جرائم ضد الانسانية، وهي منظمة وتائرها في ازدياد وفاعلها مجهول.
في 16 آب (اغسطس) توفيت في بغداد، لاسباب مجهولة، خبيرة التجميل رفيف الياسري، ثم تلتها بعد اسبوع رشا الحسن (اعلامية وصاحبة مركز للتجميل في بغداد) واغتيلت الناشطة العراقية سعاد العلي في احد ابرز المناطق التجارية في البصرة. ثم اغتيلت ملكة جمال بغداد ووصيفة ملكة جمال العراق لعام 2015 تارة فارس. دون ان تعلن وزارة الداخلية او الجهات الامنية المسؤولة الاسباب الحقيقية وراء ذلك.
ونشرت عارضة الازياء والاعلامية شيماء قاسم على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو، تقول فيه “انها تلقت تهديدات بالقتل”. كما تحدثت الاعلامية الكويتية مي العيدان عن تعرض الفنانة العراقية دموع حسين الى تهديد بالقتل.
لقد ادى مقتل اربع نساء عراقيات خلال فترة قصيرة لا تتجاوز الشهرين، الى ازدياد الخوف وانتشار الهلع والرعب في نفوس النساء وعوائلهن، واصبحت ظاهرة القتل تؤرق الشارع العراقي وتتصدر واجهات الصحف والقنوات الاعلامية، وسط ضعف اداء المؤسسات الحكومية والامنية.
وبعد هذه الاحداث الدراماتيكية التي انتهت بالقتل والاغتيال والتهديد والوعيد، امر رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي بتشكيل لجنة خاصة للتحقيق في عمليات الاغتيال التي يشهدها العراق واصفا اياها بعمليات “منظمة ومخطط لها”.
ان التداعيات الاجتماعية وتدهور الاقتصاد واجتياح داعش لمدن عراقية والنزاعات المسلحة التي سادت في بعض المناطق ومقتل العديد من ارباب الاسر والمعيلين، اجبر النساء على الاعتماد على انفسهن في تحمل اعباء المنزل و تكاليف المأوى والتعليم والرعاية الطبية في محاولة مهن الزج في الحياة المهنية والمجتمعية ضمن تحديات تواجهها النساء، بما في ذلك عدم وجود صناديق للرعاية والضمان الاجتماعي التي يجب ان توفرها الدولة وعدم وجود فرص عمل. وتقدر الاحصائيات الدولية ان هنالك ما يقرب المليون الى مليونين اسرة عراقية ترأسها نساء.
تم قتل طبيبات ومحاميات وصحفيات وناشطات في منظمات المجتمع المدني. كما تم تسجيل 28 حادثة اغتيال للصحفيات بين اعوام 2003- 2013. واغتيلت الدكتورة غادة شفيق والمحامية نجلاء العمري والحقوقية سميرة النعيمي ونائبة المدعي العام ابتهال الحيالي والناشطة ايمان السلمان والدكتورة ماجدة الصبحان والدكتورة لمياء اسماعيل وابتسام علي وميران غازي.. والقائمة تطول.
جاء في تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية بتاريخ 3 يوليو 2014، انه “في عام 2007 تم قتل 133 امرأة في البصرة. وفي عام 2008 كتب على جدران المدينة شعار يقول: قرارك بالتبرج وتخليك عن غطاء الرأس سيأتيك بالهلاك. وفي نفس العام قتلت 150- 200 امرأة في محافظة ديالى”
ان ما تقوم به النساء، بنظر العقليات المحافظة واصحاب الفتاوى والاستدلالات الفقهية، يعتبر خروجا عن المألوف والتقاليد الاجتماعية المتخلفة. وقد اصبحت الحرية الشخصية في ممارسة الحياة الطبيعية في مهب الريح وتشكل خطورة كبيرة على نساء العراق. واضحت التقاليد القاسية للمجتمع العراقي التقليدي لا تتصالح مع النساء المتحررات المعروفات في الوسط الفني والاجتماعي. وكلما ازادادت اعمال العنف تجاههن، بما في ذلك العنف الجنسي، كلما زاد اصحاب العقول الجامدة من القاء اللوم عليهن وتحميلهن المسؤولية في ما يجري من اعمال العنف.
ويعتبر الملتزمون باعراف القبائل والعادات العشائرية التى ترجع الى قرون خلت من زمن البداوة، ان قتل النساء المتحررات انتصارا لقيم الردع الاجتماعي، سواء في بغداد او البصرة او الناصرية او كركوك، خاصة في وقت لاتوجد فيه تشريعات قانونية للحد من العنف الاسري وحماية الاسرة والطفل، ولا قوانين تحد من ظاهرة التسلح.
جاء في تقرير مشترك اعدته منظمة ماينوريتي رايت كروب انترناشيونال ومركز سيسفاير فور سيفيليان رايتس لعام 2015: “زاد إدراك المجتمع الدولي بأن العنف القائم على التمييز الجنسي بات سمة مصاحبة للصراعات. ففي المواجهات العسكرية، كثيرا ُ ما تصبح أجساد النساء امتدادا لارض المعركة. كما أن أعمال العنف الجسدي والمعنوي والجنسي التي ترتكب ضد النساء والاطفال تم استخدامها لتنفيذ أجندات سياسية ولاذلال الخصوم ولتدمير مجتمعات باكملها. ومن ثم، فإن العنف ضد النساء لايعد مجرد جانب من جوانب الموضوع، وانما جزءا منه. ولعل الوضع الذي تواجهه النساء في العراق اليوم يعد مثالا واضحا يجسد هذه الظاهرة.”
على الرغم من كل ذلك، لم تكشف الحكومة العراقية لحد الان حقيقة الجرائم التي تطال النساء والفتيات في انحاء العراق. في وقت يلعب انتشار السلاح السائب بيد المواطنين دورا مساعدا في حدوث مثل هذه الجرائم، اضافة الى عدم وجود قوانين وعقوبات صارمة ورادعة تحد من الفوضى والانفلات الامني وتحافظ على حياة المواطنين وتحمي السلم الاهلي والمجتمعي، حيث يعاني المجتمع العراقي من انتشار خطابات الكراهية والدعوات الى العنف والتطرف.
ان هذا الوضع المخيف والمقلق يفاقم خوف النساء ويمنعهن من حرية الخروج من منازلهن وممارسة اعمالهن بشكل طبيعي. ترى متى سيتوقف مسلسل قتل النساء العراقيات؟ وهل ستقوم الحكومة الجديدة باجراءات تحد من ظاهرة قتل النساء؟ هذه الظاهرة التي تؤثر بشكل كبير على استقرار البلد ومكانته في المحافل الاقليمية والدولية. أم سيبقى دم النساء العراقيات مباحا وقتلهن مستباح؟
“الحياة”

أحدث المقالات

أحدث المقالات