23 ديسمبر، 2024 5:29 ص

هل دحرنا داعش لنشرع قانون أحوال داعشيا؟

هل دحرنا داعش لنشرع قانون أحوال داعشيا؟

أيها النواب الإسلاميون، أيها السياسيون الإسلاميون، أيتها الأحزاب الإسلامية، كفاكم تدميرا للعراق، سياسيا، ثقافيا، اقتصاديا، خدميا، اجتماعيا.

تريدون بتعديلكم لقانون الأحوال الشخصية إرجاع العراق إلى القرون الوسطى.

أتعون أنكم بذلك ترتكبون جريمة بحق المرأة العراقية، وبحق الطفلة العراقية والطفل العراقي، وبحق المواطن العراقي غير المسلم؟ أكثركم يعلم مع سبق الإصرار.

لا أعرف ما الذي يدفعكم إلى ذلك، أهو تخلفكم، أهو مواصلتكم المتاجرة بالدين، أم هو حقدكم على العراق.

لا أتهم جزافا، وإلا لا يمكن لإنسان طبيعي ينتمي إلى هذا العصر أن يرضى لشعبه مثل هذا القانون الذي تريدون تشريعه.

بالله عليكم، أي منكم مستعد لتزويج طفلته البريئة ذات الثماني سنوات والثمانية أشهر والثلاثة أسابيع، والمساوي سن التكليف للبنت عند الشيعة والبالغ تسع سنوات قمرية؟ أو حتى لو بعمر 12 أو 13 سنة قمرية.

بهذا يشرع مجلس النواب لمرض البيدوفيليا، الذي تعد ممارسته في دول العالم جريمة يعاقب عليها القانون، ويسقط بها الإنسان معنويا في المجتمع.

بالله عليكم، أي منكم يحب أن يُستَمتَع جنسيا برضيعته، من مفاخذة وغير ذلك من الاستمتاع باستثناء الإدخال. وما أرفقكم وما أرحمكم بالطفولة إذ تستثنون الإدخال؟ ولكن لو خالف هذا المريض بمرض البيدوفيليا وفضها هذه الطفلة البريئة، فما عليه إلا عقوبة مالية من دية أو ما شابه، ولا يجرم، بل يعد مرتكبا مخالفة شرعية، لا تحسب في الفقه من الكبائر، بل لعله من اللمم.

بالله عليكم أي منكم مستعد أن يزوج ابنته الطفلة ذات الثماني سنوات وثمانية أشهر، أو حتى ذات الاثنتي عشرة أو الثلاث عشرة سنة؟

بالله عليكم أي منكم يرضى لابنته إذا ما تزوجت أن يتزوج عليها زوجها بثانية وثالثة ورابعة؟

بالله عليكم، أي منكم يرضى لابنته لو تزوجت وتبين أن زواجها فاشل، واختفى زوجها، لتنتظر أربع أو خمس سنوات، حتى يحكم الحاكم الشرعي بتطليقها؟

أحلفكم بالله، ولا أدري ما إذا كنتم ما زلتم تؤمنون به، أم حولتموه كما حولتم دينكم ومذهبكم ومرجعيتكم وشعائركم إلى بضاعة تتجرون بها تجارة تربحون بها الملايين وعشراتها ومئاتها، حتى لو خسرتم ضميركم. فهي تجارة رابية ماليا، ولو بالمال الحرام، وبائرة معنويا وأخلاقيا وضميريا، بل حتى دينيا.

ضمائركم ملككم، وتملكون حرية أن تبيعوها وتخسروها، ولكن الوطن ليس ملككم، الشعب العراقي ليس ملككم، مستقبل أجيال العراق ليس ملككم.

سرقتم ثروة العراق وقوت الفقراء، زوّر بعضكم شهادته وزوّرتم الانتخابات، خالفتم الدستور، سيَّستم الدين، أسَّستم للطائفية السياسية، والمحاصصة، شوَّهتم مفهوم الديمقراطية، حفرتم شرخا عميقا بين بنات وأبناء الوطن، بين أتباع الأديان والمذاهب والقوميات. والآن تريدون بقانونكم سحق المرأة العراقية بل والطفلة العراقية علاوة على انتهاك حقوق المواطنين غير المسلمين.

وتريدون إجبار بنات وأبناء المسيحيين والإيزيديين والمندائيين على الإسلام، إذا ما اعتنق أبوهم الإسلام، غالبا لا عن قناعة، بل بسبب تطليقه أمكم، أو وفاتها عنه وعنكم، ورغبته بالزواج من امرأة أخرى، كانت صدفة من دين الأكثرية، مما يجعله أن يُسلِم ظاهريا من أجل الزواج، وإلا فيحرمون من الإرث إذا ما بقوا على دينهم. وتريدون حرمان الأم من حق حضانة أطفالها الصغار بعد وفاة زوجها أو تطليقه لها.

أوكلتم للفقهاء الشيعة والسنة تقرير مصائر الناس، وهم بشر يصيبون ويخطئون، وأكثرهم يرفض التجديد والإصلاح ويتهم فقهاء التنوير الذين يحاولون مواكبة روح العصر بالانحراف عن الدين. فجعل القانون التعويل فيما يتعلق بالأحكام عند مذهب الأكثرية للمشهور، لأن التنويريين والمجددين والإصلاحيين يمثلون الأقلية من الفقهاء.

كيف توفقون بين هذا القانون وبين توقيع العراق على اتفاقية حقوق الطفولة وحماية الأسرة؟

كيف توفقون بين هذا القانون ونصوص الدستور العراقي ومنها «تكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة والشيخوخة»، «تمنع كل أشكال العنف والتعسف في الأسرة والمدرسة والمجتمع»، «تكفل الدولة للفرد وللأسرة وبخاصة الطفل والمرأة الضمان الاجتماعي والصحي، والمقومات الأساسية للعيش في حياة حرة كريمة …»؟

أم اجتزأتم من الدستور ما يناسب تخلفكم، مستخدمين الإسلام الذي خالفتموه كما خالفتم الدستور، بالاستناد إلى المادة الثانية سيئة الصيت، فيما تنص في أولا – أ: «لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام»، وكم جاهدتُّ في لجنة كتابة الدستور عام 2005 من أجل ألا تضاف كلمة «أحكام»، وكم جاهدتُّ من أجل إقناعكم على عدم حذف «المُجمَع عليها» الواردة في قانون إدارة الدولة، لكنكم أصررتم على إضافة «أحكام»، أي فقه الفقهاء، ورفع «المجمع عليها»، لإلغاء فتاوى التنويريين المواكبين لروح العصر من الفقهاء القلة، لتكون العبارة كما أردتموها «لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام»، بدلا مما كنت أرجحه بجعلها «لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت الإسلام المجمع عليها»، وكأنكم كنتم تتربصون لتشريع مثل هذه القوانين المنتمية إلى عصور غابرة، غير آخذين بنظر الاعتبار تاريخية النص والتشريع. وكذلك اجتزأتم من الدستور المادة (41): «العراقيون أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية، حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم، وينظم ذلك بقانون»، فكان قانونكم هذا. وأهملتم كل النصوص الأخرى في الدستور العراقي والمواثيق الدولية الملزم العراق بها، مما يتعارض معها هذا القانون، وأستغني عن تعدادها اختصارا، ولكونها معروفة للجميع.

من سوء حظ العراق والعراقيين أن تتحكم بمصائرهم أحزاب الإسلام السياسي، وليكون رئيس مجلس النواب إسلاميا سنيا، ونائبه الأول إسلاميا شيعيا، ليشكلوا تحالفا إسلام-سياسيا غير مقدس، ليمررا طريقة غير قانونية، كما عبر بعض النواب غير الإسلاميين، بالتصويت على مثل هذا القانون (العار).

حتى بعض المعتدلين من النواب المنتمين إلى الكتل الإسلامية، من التحالف الوطني وائتلاف دولة القانون والاتحاد الإسلامي الكردستاني انضموا إلى نواب غير إسلاميين من ائتلاف الوطنية والتحالف المدني والتحالف الكردستاني، وغادروا القاعة احتجاجا، إلا أنه يبدو أن كفة الإسلاميين المتطرفين في إسلاميتهم أو المتاجرين بالدين، أو المطيعين لرؤساء كتلهم سترجح وتستطيع أن تمرر هذا القانون، إلا إذا رحم الله العراق والعراقيين وحال دون ذلك، أو لنقل إلا إذا انتصر صوت العقل، صوت القوى العلمانية والمدنية ومنظمات المجتمع المدني والجماهير الرافضة لهذا القانون المتعسف والمتخلف.

ومن مخاطر هذا القانون أنه يحيل قضايا الأحوال الشخصية إلى المؤسسة الدينية وإلى الفقهاء والمفتين، بدلا من القانون المدني.

وقد كتب الكثيرون في هذا الموضوع، إضافة إلى تصريحات المعارضين، ومواقف منظمات المجتمع المدني، لذا أكتفي بهذا القدر تجنبا للإطالة، وما كتبت إلا ليكون صوتي صوتا آخر ينضم إلى كل الأصوات الحرة الأخرى، واستجابة إلى سؤال أو رجاء أو مقترح لصديق عزيز كان أشبه بالعتاب، أو هكذا أحسست وإلم يقصده.

ولترتفع كل الأصوات الحرة الرافضة لإعادة العراق إلى قوانين القرون الوسطى، والرافضة لقمع المرأة وانتهاك الطفولة وسحق حقوق غير المسلمين من مواطنينا.