ربما هدأت الآن -ولو قليلاً – ثورة الانتخابات العراقية، وكل مارافقها من تشكيلات وأئتلافات وحملات دعائية ومؤتمرات وتصريحات وتحليلات للمرشحين والمراقبين واعراضات على استبعادات مفاجئة واخرى طالت اجراءات المفوضية المستقلة وبطاقاتها الذكية وان (تغابت في بعض المرات) ! والاهم من ذلك كله، للمواطن على اقل تقدير اعادة افتتاح شارع معرض بغداد الدولي الحيوي بعد ان اغلق طوال اكثر من عشرة ايام من عمليات العد والفرز التي اتكأت هي الاخرى على اكتاف البسطاء واكلت من جرف قوتهم وانسياب حركتهم، وأدخلت القوات الامنية مرحلة الطوارئ حتى عبأت شوارعنا بتواجدها العسكري في مشهد يعيد للاذهان برامج صور من المعركة ،حتى وصل ببعض الفضائيات ان تتحمس اكثر مما يجب لتبث اناشيد وطنية تشابه في كلماتها اغنيات ( احنا مشينا مشينا للحرب) و(ياكاع ترابج كافوري) لكن بتوزيع وكلمات جديدة تتلائم بطبيعة الحال مع القيادات الحاكمة اليوم!.
والمراقب للعملية الانتخابية كلها يكتشف ارتباكها وتوترها بدءأ من مرحلة الاستبعادات المفاجئة وماتلاها من دعايات اتخابية طمست معظم معالم البلاد بالصور واللافتات واستخدمت فيها المشروع وغير المشروع وحتى تاخر اعلان النتائج والتلويح بتزوير الانتخابات بالصوت والصورة والبراهين لا بالاقاويل فقط! وستليها حتما مرحلة التحالفات ومفاجئاتها في الغرف المغلقة واقتسام الكعكة التي لن يتذوقها المواطن حتما كما حصل في الدورات السابقة.
الامر الذي يمكن ان نتوقف عنده بعد كل تلك الجولة الانتخابية، هو اين تقف الكتل السياسية الفائزة من تحقيق وعودها للمواطن الذي طال صبره وكاد ينفد، بعد اكثر من عشر سنوات من عمر التغيير في العراق، وكيف يمكن سحب البساط في المرحلة القادمة من تحت اقدام المفسدين والحاقدين والراكضين نحو كسب المغانم والشروع بعمل وطني ومؤسساتي يخدم البلاد والعباد ويفعل من مفردة (التغيير) التي ازدهر ذكرها خلال الحملات الانتخابية لتكون واقعا معاشاً يقلب معادلة التراجع للوراء الى مرحلة التقدم نحو افاق جديدة للعمل والعلم والبناء ونمو الثروات، واول تلك المهام حل الخلافات العالقة مع الاقليم واقرار الموازنة ومعها كل القوانين المعلقة وقد يصعب ذلك بغير استعادة هيبة مجلس النواب العراقي.
المؤشرات الاولية لنتائج الانتخابات المعلنة يوم امس تشير ضمنياً الى صعود ذات الاسماء التي بقيت تتفرج على معاناتنا طيلة سنوات مضت.. واكتفت بدخولها في مهاترات العملية السياسية وصراع الكرسي ( وهي المعادلة الاصعب في العراق ) اقصد بصعود اسماء سبق ان سقطت في درك الفشل الكبير.. وعليه فأن الامال المعلقة الباقية للشعب هي التشبث بالوجوه الجديدة الفائزة من الكفاءات والتحالفات المدنية وبرامجها وتعضيد مسارها وتقليل الهوة بين الشركاء عوضا عن الركون لليأس الذي لاطائل منه سوى مزيد من الخسارات.