18 ديسمبر، 2024 11:04 م

هل خسر العراق منصب أمين عام مساعد لجامعة الدول العربية ؟!

هل خسر العراق منصب أمين عام مساعد لجامعة الدول العربية ؟!

تداولت بعض المواقع الإخبارية الألكترونية ومواقع التواصل الإجتماعي عقب إنتهاء اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير الذي عقد في القاهرة بتاريخ 2018/9/11، خبراً يُنسب الى د. فاضل محمد جواد، الأمين العام المساعد السابق لجامعة الدول العربية، الذي انتهت مدة خدمته في الأمانة العامة للجامعة بالقاهرة يوم 2018/8/31، وبذَلَ كافة مساعيه للفوز بتمديد خدمته لفترة خمس سنوات اخرى وفقاً لما تجيزه أنظمة ولوائح جامعة الدول العربية بهذا الشأن،
وقد تضمن الخبر أن العراق خسر منصب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، حيث نص على: “بعد ان رفض السيد وزير الخارجية تنفيذ توجيه السيد رئيس الوزراء الصادر الى وزارة الخارجية يوم 2018/9/28 بالإبقاء على الدكتور فاضل محمد جواد مرشحاً للعراق للمنصب المذكور (اي تجديد خدمته لمدة خمسة سنوات اخرى) وقام بإعادة ترشيح الدكتور صفاء الصافي لمنصب الأمين العام المساعد والذي سبق وان تم رفضه في الاجتماع الوزاري في آذار 2018، وقام مجلس وزراء الخارجية العرب يوم امس برفض هذا الترشيح مرة اخرى…”،
واضاف الخبر، بأنه بالرغم من “إلحاح الأمين العام للجامعة العربية على إبقاءه (د. فاضل) وبتأييد من الدول العربية…. هكذا ضاع المنصب على العراق بعد ان حصل عليه عام 2013 بجهود من السيد رئيس الوزراء السابق وهو المنصب الذي حصل عليه خلال عمر الجامعة العربية اللذي يزيد على السبعين عاماً …”، (انتهى الإقتباس)،

وفي ضوء الخبر أعلاه الذي تضمن بعض المغالطات، يود كاتب السطور توضيح الأمور على حقيقتها، ودون إنحياز لأي طرف، وبمنتهى الموضوعية والشفافية، ومن منطلق وطني خالص، وعلى النحو التالي:
1- لم يخسر العراق منصب أمين عام
مساعد بجامعة الدول العربية، ولا يزال أمام الجهات المعنية (وزارة الخارجية ومندوبية العراق بالقاهرة) متسع من الوقت لترشيح شخصية عراقية وطنية مهنية من ذوي الخبرة والكفاءة الذين يزخر بهم هذا البلد.
2- إن ما حصل بالضبط خلال الدورة العادية 149 لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، التي عقدت في مارس/ آذار الماضي، هو أنه لم يتم رفض تعيين المرشح صفاءالدين الصافي بل أن ماتم هو تأجيل تعيينه وتعيين المرشح الكويتي، وذلك لإعطاء فرصة للأمانة العامة لجامعة الدول العربية لإستكمال إجراءات التعيين على مثل هذه الدرجة المنصوص عليها في أنظمة ولوائح جامعة الدول العربية، وهي الإعلان عن شغور درجتي أمين عام مساعد على الدول الأعضاء عبر مندوبياتها الدائمة وإعطاء مهلة زمنية مناسبة لتلقي الترشيحات، وهذا ما تم بالفعل.
3- بعد تعميم جامعة الدول العربية حول شغور الدرجة، أفاد العراق بأن مرشحه للمنصب لا يزال الصافي، وفي محاولة اخيرة من جواد للتمديد له لخمس سنوات جديدة، وقبيل انتهاء فترة خدمته في الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، قام بالسفر الى بغداد للحصول على دعم إعادة تعيينه.
4- وكنتيجة لذلك، وبحسب ما تم تداوله خلال هذه الفترة حصل جواد بالفعل على كتاب بتوقيع أمين عام مجلس الوزراء العراقي موجه لوزارة الخارجية يتضمن توجيه رئيس الوزراء بالإبقاء عليه مرشحاً لمنصب الأمين العام المساعد، إلا أن الوزارة لم تقم بإرسال مضمون هذا الكتاب للجامعة عبر مندوبية العراق الدائمة بالقاهرة، وقيل أن الوزارة ردت على أمانة مجلس الوزراء رداً في غير صالح فاضل جواد.
5- وقبيل إنعقاد إجتماع وزراء الخارجية العرب الاخير، في دورته العادية 150، بتاريخ 2018/9/11، قام جواد بتسليم صورة من كتاب أمانة مجلس الوزراء الى مكتب الأمين العام لجامعة الدول العربية، وإبلاغهم بأنه جاء بتجديد تعيينه من رئيس الوزراء، أعلى سلطة تنفيذية بالعراق، وفي ظل وجود مرشح آخر للعراق على هذا المنصب وهو الصافي، فقد جرى تشويش الصورة لدى الأمين العام ووزراء الخارجية العرب، وبالتالي عدم صدور قرار عن المجلس بالتجديد لجواد او تعيين الصافي، حيث لم يسبق حصول مثل هذا الأمر من قبل، والمتمثل بوجود مرشحين اثنين من نفس الدولة على درجة أمين عام مساعد، وان الإجراء السليم هو أن يكون للدولة مرشحاً واحداً فقط، وهذا إن دل على شيء انما يدل على الفوضى والتخبط الذي وصلت اليه مؤسسات الدولة العراقية!!
6- خلال الفترة الماضية التي سبقت اجتماع وزراء الخارجية الأخير قام فاضل جواد بعمل حملة لتشويه صورة الصافي لدى معظم الدول الخليجية، من خلال بثه لإشاعات من قبيل: أن الصافي يتبع لإيران، وأنه فاسد، وأنه يتبع للمالكي وما شابه، وهذه صفات لعمري تنطبق على جواد قبل الصافي.
7- عقب إنتهاء أعمال مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري في مارس/ آذار الماضي، قام جواد بفتح جبهة صراع مستترة وعلنية عبر وسائل الإعلام مع وزارة الخارجية العراقية اتهمها فيها بتضييع فرصة حصول العراق على منصب أمين عام مساعد، وأن الدرجة إذا لم يحظى بها هو ستضيع على العراق وما شابه، وما كان من الخارجية إلا أن قامت بالرد على حملة التشويه تلك عبر متحدثها الرسمي، إلا أن الوزارة ادارت هذا الموضوع بكثير من التخبط والارتجالية، الأمر الذي تسبب في غضب وزير الخارجية إبراهيم الجعفري على جواد والإصرار على عدم التجديدله.
8- أشار جواد في الخبر أعلاه أن العراق لم يحصل على منصب أمين عام مساعد طيلة مسيرة جامعة الدول العربية عبر سبعين عاماً، وهذا أمر غير دقيق بالمطلق، لأنه سبق وأن شغل هذا المنصب كفاءات عراقية تركت بصمة ممتازة في عمل هذه المنظمة العريقة، منهم على سبيل المثال وليس الحصر السفير عبدالحسن زلزلة رحمه الله.

قبل الختام، أود الإشارة الى أنه المؤسف جداً وصول العراق الى هذا المستوى المتدني من الأداء المؤسسي، فالعراق بلد يزخر بالكفاءات التي تستحق شغل منصب أمين عام مساعد وغيره من المناصب في المنظمات الدولية والاقليمية، ولا يمكن بأي حال حصر التنافس على هذه الدرجة بين فاضل جواد وصفاء الصافي اللذين كان لهم نصيب الأسد في فرص العمل الوظيفي، وتشير سيرهم الذاتية الى أنهم اخفقوا في الكثير واصابوا في القليل، واللذين تم ترشيحهم نظراً لإعتبارات شخصية وحزبية، فالأول تم ترشيحه خلال عمله كمستشار قانوني لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي، والثاني تم ترشيحه لكونه أحد أعضاء حزب الدعوة!!
لذلك فمن السهل جداً على صاحب القرار في العراق -إذا رغب أن يكون وطنياً ومهنياً وموضوعياً- ترشيح شخصية عراقية كفوءة وذات خبرة لهذا المنصب، ومن الظلم والإجحاف للعراق أن يتم اقتصار هذه الدرجة على المرشحين المذكورين.

اخيراً، اعود فأُذكِّر بأن فرصة العراق في التعيين على درجة أمين عام مساعد لجامعة الدول العربية لم تضيع حتى الآن كما جاء في الأخبار أعلاه التي بثها فاضل جواد، وسيكون بمقدور العراق تدارك الموقف في حال تصرف مندوبه لدى جامعة الدول العربية بحنكة وحرفية، وقام بمتابعة الموضوع، وحث الجامعة على الإعلان مجدداً عن شغور الدرجة إعمالاً لأنظمة ولوائح جامعة الدول العربية، ومن ثم ترشيح شخصية عراقية كفوءة وذات خبرة مهنية حافلة، ولا توجد أي شائبة حول سيرتها، والضغط لإدراج موضوع التعيين في اول اجتماع طاريء لوزراء الخارجية العرب او المندوبين الدائمين على ان يفوضهم الوزراء للموافقة على تعيين المرشح العراقي.

والله من وراء القصد