لايبدو ذلك، على الأقل على المدى القريب. فالسعودية كانت وعلى مدى السبعين عاما الماضية تلي إسرائيل في القرب من واشنطن وتحظى برعاية مماثلة للدولة العبرية، لكن التغيرات في مناخ العلاقات الدولية، وتشابك المصالح، وتعدد أقنية التواصل، والمزاج السياسي، والمشاكل الداخلية والخارجية، والوضع الإقتصادي، وشكل العلاقات الدولية عوامل تحتم التغيير في المواقف، وإتخاذ إجراءات لاتكون في صالح دول إعتادت على تحالفات تقليدية لاتتوقع لها أن تتبدل، أو يطالها ماتعودناه من تاريخ علاقات الدول ببعضها.
صدمت المملكة العربية السعودية التي لديها إستثمارات وودائع وأصول مالية في الولايات المتحدة الأمريكية تتجاوز قيمتها 750 مليار دولار بقرار الكونغرس رفض الفيتو الرئاسي الذي لوح به أوباما لوقف إجراءات محاسبة المملكة على خلفية العمليات الإرهابية التي ضربت مدينتي نيويورك وواشنطن العام 2011 وعد مجلس الوزراء السعودي في إجتماع له مطلع تشرين أول 2016 قانون جاستا المقر من قبل غالبية الأعضاء في مجلس الشيوخ والنواب الأمريكيين ضارا ومقلقا وينتهك سيادة الدول، وطالب الكونغرس بوقف التداعيات التي قد تنتج عنه. فالحكومة الأمريكية تتشارك والرياض تلك المخاوف نظرا لطبيعة الوجود الأمريكي في المنطقة والدور السعودي المساند للحراك الأمريكي في العالم، وكذلك ماتقدمه واشنطن من دعم للمملكة في تشابكها مع إيران، وتدخلها في ملفات عديدة في العراق وسوريا واليمن ومصر وليبيا والبحرين ولبنان، عدا عن إنتشار عسكري كبير للولايات المتحدة في أنحاء من العالم.معظم الذين قاموا بعملية 11 أيلول كانوا سعوديين، وهناك إعترافات من بعض معتقلي غوانتانامو بوجود صلات لأمراء في العائلة المالكة بتلك الهجمات التي أودت بحياة مايزيد على 3000 آلاف مواطن أمريكي في بنايتي مركزالتجارة العالمي في نيويورك ومبنى البنتاغون في العاصمة الفدرالية واشنطن، لكن الإدارة الأمريكية ظلت تلف وتدور حول الأمر، وتمكنت بفعل ذلك اللف والدوران من إحتلال أفغانستان، والوصول الى حدود الصين وروسيا، ومضايقة إيران، والإحتكاك المباشر مع الجماعات الدينية المتطرفة في شبه القارة الهندية حيث نجحت في إسقاط نظام حركة طالبان في كابل، ثم عادت بعد سنتين لتشن أكبر هجوم عسكري على منطقة الخليج وتسقط نظام صدام حسين الذي هيأ لها عوامل السيطرة أكثر والتحكم بثروات المنطقة والنفوذ إليها، وكانت تتجنب إتهام السعودية برغم ماكان يصدر من إشارات بهذا الصدد ووجود 11 إنتحاريا سعوديا ممن نفذوا الهجمات، ولم تجرؤ على إتهام إيران بالضلوع وراء تلك التفجيرات رغم حاجتها لهذا الإتهام وحاولت الإدارات الأمريكية المتعاقبة الدفاع عن الرياض، فصوبت السهام أولا الى حركة طالبان وزعيم القاعدة أسامة بن لادن الذي قتلته لاحقا، ثم ألصقت تهمة التواصل مع القاعدة بصدام حسين وهاجمته وأسقطته وحضرت بنفسها الى المنطقة، ثم هاهي تلقي الشبكة على السمكة.بعد أشهر طويلة على مساهمة الرياض في زيادة المعروض النفطي، وتخفيض غير مسبوق بأسعار النفوط العالمية، ثم تأثرها هي مباشرة بهذا الإنخفاض نتيجة لتعدد مصادر الدخل لدى دول اخرى كأيران وروسيا، بينما تعتمد هي على النفط كسلعة وحيدة في الحصول على العملات الصعبة، فإن تدخلها في ملفات المنطقة وحربها المستمرة على اليمن جعلها ذلك عرضة لهزة إقتصادية لم تكن تتوقعها مادفعها لإتخاذ تدابير إقتصادية صادمة، وكان لعودة النفط الإيراني ودخول العراق كمنافس في السوق العالمية وكذلك إكتشاف النفط الصخري في الولايات المتحدة، وفشل الرياض في تحقيق تقدم حقيقي في سوريا واليمن، والإتفاق النووي بين طهران والغرب، وتغير المزاج الأمريكي الأثر في صدور مواقف لم تكن متوقعة من الكونغرس الأمريكي تكلل بقانون جاستا الذي يتيح محاسبة الرياض، مايطرح التساؤل الكبير والمهم، هل خرجت السعودية من دائرة الإهتمام الإمريكي؟